مجلسُ حقوقِ الإنسانِ يدينُ حكومةَ الكيانِ
رغم أنها ليست المرة الأولى التي يدين فيها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره مدينة جنيف، الكيان الصهيوني وحكومته وجيشه، فقد سبق لهذا المجلس أن دان سلطات الاحتلال الإسرائيلي وكافة مؤسساته العسكرية والأمنية والقضائية والسياسية، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف اعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال والمسؤول عنه أمام المجتمع الدولي باعتباره سلطة الاحتلال الفعلية، ومنعه من ممارسة القوة المفرطة ضدهم، وهي القوة التي تتسبب في وقوع حالات قتلٍ عديدة، وإصاباتٍ خطيرة وبعضها دائمة، فضلاً عن عمليات الاعتقال والمصادرة وفرض الحصار والتضييق على المواطنين الفلسطينيين، إلى جانب الجرائم التي يرتكبها مستوطنوه، وعمليات الإعدام الميدانية التي تتم في الشوارع العامة أو في السجون والمعتقلات بعيداً عن أعين القانون ومؤسسات القضاء.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً، ولا يلجأ إلى مؤسساته القانونية وهيئاته الدولية لمحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه المتكررة، ولا يجبر الحكومات الإسرائيلية على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، والالتزام بالقوانين الدولية المرعية الإجراء، الناظمة لحقوق الشعوب الخاضعة للاحتلال، إذ سبق لعشرات اللجان الدولية أن أجرت تحقيقاتٍ حول الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن الكيان الصهيوني يفلت من المساءلة والعقاب، ويجد دائماً من المجتمع الدولي من يسانده في ظلمه، ويؤيده في بغيه، وينصره في اعتداءاته، ويحول دون إدانته دولياً، أو محاسبته وفرض عقوباتٍ ضده.
إلا أننا على الرغم مما سبق، نقدر عالياً جهود مجلس حقوق الإنسان، ونشيد بمقررات لجنة التحقيق الدولية، ونرى أنها أنصفت الفلسطينيين وراعت حقوقهم، وأصغت السمع إلى مظلوميتهم، ورصدت ما تعرض له سكان قطاع غزة على مدى تسعة أشهرٍ منذ بدء مسيرات العودة وحتى انتهاء العام 2018، ونشكر المحققين الثلاثة الذين أبدوا شجاعةً وكانوا منصفين ومهنيين، ولم يخضعوا للضغوط الصهيونية، ولا للتهديدات الأمريكية، وأصروا على مواصلة تحقيقاتهم القانونية والإنسانية، وإصدار نتائج التحقيق والإعلان عنها بما فيها إدانة حكومة الكيان الصهيوني وجيشهم، غير عابئين بما ينتظرهم، وغير خائفين من تبعات قراراتهم على مستقبلهم الشخصي، وأدوارهم في مجلس حقوق الإنسان ومؤسسات الأمم المتحدة كافةً.
أثبت التقرير العديد من الجرائم الإسرائيلية، التي أصر على وصفها في أكثر من مكانٍ بأنها جرائم حرب دولية، وأنه لا يمكن السكوت عنها أو القبول بها، ودعا المجتمع الدولي إلى العلم بها واتخاذ اللازم تجاهها، وبذا يكون التقرير قد وضع الأساس للشعب الفلسطيني لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ومحاكمتهم، وعلى الفلسطينيين والمهتمين بقضيتهم، والمختصين بالقانون الدولي والمحاكمات الجنائية، أن يستندوا إلى هذا التقرير وغيره، للبدء في أوسع حملة دولية قانونية لإدانة قادة الكيان الصهيوني ومحاكمتهم.
من صالحنا تماماً أن تقرر لجنةٌ أمميةٌ عريقةٌ لها صوتها وعندها مكانتها، ولها سمعتها الحسنة ومصداقيتها المهنية، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قتلت على مدى تسعة أشهر من مسيرة العودة 189 مدنياً فلسطينياً، وأن تصنف ما ارتكبته من فضائع بجرائم حرب، وأن تدعو إلى إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، إذ لا مبرر للقتل عموماً، كون المسيرات الشعبية كانت سلمية، ولم تكن تشكل خطراً على حياة جنودهم، فضلاً عن عدم وجود أي مبررٍ لقتل الأطفال والمسعفين والصحافيين، رغم أنهم كانوا يلبسون بزاتهم الرسمية، ويضعون إشاراتهم المهنية، ورغم ذلك فقد طالهم رصاص القناصة الإسرائيليين عن قصدٍ وعمدٍ، وهو الأمر الذي أثبته تقرير لجنة التحقيق، التي أكدت في تقريرها أن نية القتل لدى جنود الاحتلال كانت مُبَيَّتَة ومتفق عليها، وكان الجنود ينفذون جريمتهم بفرحٍ وسعادة، وكانوا يتلقون تنويهاً من قيادتهم، وينالون تقديراً وإشادة منهم.
ربما يستخف البعض بمقررات لجان التحقيق الدولية، ويرى أنها غير ذات جدوى، وأنها لم تنفع قديماً حتى تنفع اليوم، حيث أن الكيان الصهيوني لا يلتزم بها ولا يعيرها اهتماماً، فلماذا نشغل أنفسنا بها ونوهم شعبنا بقيمتها وأثرها، وهي في الحقيقة ليست أكثر من ذرٍ للرماد في العيون، ومحاولة لتخدير الشعب الفلسطيني وبيعه الوهم والسراب، ويحذر هذا الفريق من خطأ تسويق قرارات هذه اللجان على أنها انتصار، ويخشى من مغبة تسويقها على الشعب الفلسطيني، الذي يستحق أكثر من القرارات، ويتوقع ما هو أكثر جديةً من الادانة والاستنكار، ولهذا يطالب بآلية دولية حقيقية وفاعلة، تقتص لهم من عدوهم، وتعيد الحق المغتصب إليهم.
قد يكون هذا الفريق على حقٍ نسبياً، إذ لا نستطيع أن نهمل رأيهم، والتاريخ شاهدٌ على ما يقولون، وسجلات الأمم المتحدة ولجانها تؤكد دعواهم وتؤيد رأيهم، ورغم ذلك فإننا نقول أننا في معركتنا المصيرية مع العدو الصهيوني في حاجةٍ إلى كل سلاحٍ، ونبحث عن كل من يساهم معنا في المعركة ويقاتل إلى جانبنا في الميدان، ويناصرنا في حقوقنا المشروعة بالكلمة واللسان، كما بالقوة والسلاح، وما قد لا يؤثر على العدو في منطقتنا اليوم قد يؤثر عليه في أماكن أخرى اليوم وغداً، إذ أن العديد من الدول الغربية وغيرها، التي تستضيف هذه المؤسسات وترعاها، وتنتظم فيها وتعترف بها، تسهل مهامها وتصغي إليها وتحترم قراراتها، وتبني عليها أحياناً مواقفها وسياساتها، خاصةً في ظل تنامى دعوات المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني.
نحن الفلسطينيين الذين رحبنا بلجنة حقوق الإنسان التي كلفت بالتحقيق، نرحب بمختلف اللجان الأخرى، ونبدي استعدادنا التام للتعاون معهم، وتقديم كل التسهيلات الممكنة لهم، ذلك أننا على الحق، وعدونا على الباطل، ونحن مطمئنون إلى قضيتنا، وصادقون مع أنفسنا، وواضحون مع غيرنا، ونعتقد جازمين أن أي لجنةٍ دولية تنظر في قضايانا، وتحقق في الاعتداءات علينا، ستخلص إلى ذات النتيجة، وستصدر قراراتها بإدانة العقاب الجماعي، واستنكار الحصار الظالم، وستدين الاحتلال على كل جرائمه بالقتل والاعتقال والتعذيب والطرد والإبعاد والمصادرة، ولهذا فإننا نرحب بهذه اللجان ولا نخشى على موقفنا من نتائج تحقيقاتها.
وسوم: العدد 814