المجتمع السوري والعمل على المشتركات
لفت انتباهي خلاصة لورشة عمل عقدت مؤخرا هدفها تحديد قائمة القيم المطلوبة لمجتمع ناجح يتجلى فيه معنى " إعمار الارض "، كانت الخلاصة هي أن ثمانين بالمائة من القيم الانسانية عموما مشتركة بين جميع الأديان والايدلوجيات، وان عشرين بالمائة فقط ينفرد بها كل دين عن الاخر .
من السنن الكونية الثابتة : أن نجاح وتطور بلد ما يكون من خلال تشارك ساكينه واتفاقهم على حزمة من المشتركات مشتقة من الأديان وليس خاصة بدين لوحده. وأن غياب هذه الحزمة في مؤسسة أو منظمة أو مجتمع سيكون سببا كافيا لتدهور هذه المؤسسة أو البلد والمجتمع.. وسيجعله عرضة للانهيار والتراجع والمحن .
وكذلك فان من أهم هذه السنن الكونية : العدل والمساواة والصدق والإخلاص وتغليب المصلحة العامة على الخاصة . بحيث تكون هذه القيم جزءا من منظومة المؤسسة وممارساتها وليست معتقدات ونظريات وقوانين دستورية فحسب، وإنما سلوكيات طاغية على عموم مكونات المجتمع لهذا البلد أو تلك المؤسسة.
ان مما يحزن النفس في القضية السورية أن كثيرا من الناشطين في العمل العام ( وأخص هنا بالحديث عن الصادقين والمخلصين منهم وليس ذوي الأجندات الخاصة ) انطلقوا من خلال دوافع ومنطلقات دينية وعقائدية ظنا منهم بأن نهضة البلد وتطوره لن تكون إلا من خلال هذه القيم والتي تقع ضمن نسبة العشرين بالمائة الخاصة بمعتقدهم الديني إن لم يكن المذهبي أيضا . ومع تداول هذه القناعات ونشرها فقد تم توليد مزيد من روح الاصطفاف والمفاصلة والحزبية والاثنية وما رافقها من فرقة وتنازع . ولاشعوريا تكون لدى التابعين روح المفاصلة عن باقي مكونات وأفراد المجتمع بما يعطي شعورا داخليا لديهم بأنهم الأفضل والأصلح وأن ما عدا ذلك هم خارج الصلاح والدين وما الى ذلك .
ومما يثير الانتباه أن كثيرا من هؤلاء العاملين والمخلصين ينساقون وراء هذه القناعات والطروحات بحيث تتكرس لديهم من خلال تأييد المناصرين ولسان حالهم يصبح ما يطلبه الجمهور في مزيد من الخطاب الديني السهل الاستهلاك وبما يدغدغ جوانب حساسة في نفوس الناس وخصوصا مع مزيد من الهجمات الشرسة من الاطراف الاخرى ومزيد من القتل والدمار والتشريد المستهدف .
لذا كانت هناك ضرورة ملحة أن نعمل لنشر وعي جديد يوضح الأسس الرئيسة التي تبنى عليها المجتمعات والحضارات وما تحتاج اليها من قيم ومبادئ ومفاهيم تشمل عموم أبناء البلد بجميع مكوناته ومعتقداته وأيدلوجياته وأعراقه .
( هذا مع اعتقادنا المطلق بصلاح واكتمال وعدالة ديننا الحنيف ) . وأن يتم وضع أليات لنشر هذه المفاهيم وتدريسها وغرسها في الأجيال القادمة وان نشرها لعموم مكونات المجتمع هي ضمن منظومة اعمار الارض والرسالة السماوية للانسان ولتكون بداية لجيل جديد لبلد عظيم اسمه سوريا الحرة .
والله الموفق
وسوم: العدد 814