السلمية تترسخ والحراك يستمر

للجمعة الثانية يخرج الجزائريون للتعبير عن رفضهم للعهدة الخامسة، ودعوة بوتفليقة إلى العدول عن الترشح لرئاسيات 18 افريل 2019.

  مليونيات في أغلب المحافظات الجزائرية يهتفون بصوت واحد: (سلمية، سلمية)، وشعار الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد؛ ويقصدون بالسعيد شقيق الرئيس ومستشاره وهو شعار يلخص الوعي السياسي الكبير لدى شعب نعتته السلطة الحالية بأوصاف عديدة، وجرحت كبريائه واستخفت بعقله وذكائه، نعتته بالشعب العنيف، وبأنه غير مؤهل للديمقراطية، واستخدمت ضدّه فوبيا الإرهاب والمأساة الوطنية، ونال منه رموز الموالاة بعد جمعة 22 فبراير الماضي تخويفا وتخوينا؛ مستدعين نموذج سوريا وليبيا عندما صرح الوزير الأول أن سوريا بدأت بالورود.

   إن شعار السلمية الذي طغى على أغلب التظاهرات أصبح يمثل وعيا جمعيا لدى الشعب الجزائري بكل أطيافه وفئاته، فقد حنكته الأزمات المتتالية فصنعت لدى شبابه مناعة سياسية ووطنية وتراكم نضالي وسياسي بديع، وخاصة لدى عنصر الشباب الذي يمثل الأغلبية ويقع في جوهر الحراك.

   إن وطنية الحراك وسلميته وبقاءه شعبيا رغم انخراط أغلب رموز المعارضة فيه، الذين يتعاملون معه بحكمة وذكاء حتى اللحظة، فلم تتبن المعارضة هذا الحراك ولكنها رافقته وأسندته، وهو إلى اليوم حراك حضاري إيجابي صنع حالة إجماع لدى كل الجزائريين، وغير الخط الافتتاحي لأغلب وسائل الإعلام حتى الحكومية منها، وحررها من حالة الارتهان لدى السلطات، وأربك السلطة الحالية حيث هزّ أبرز حزب فيها وهو: (جبهة التحرير الوطني) الذي أصدر من خلال قيادات ووزراء ينتمون إليه بيانا لسحب الثقة من منسقها الحالي، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب. بل وأصبحت جهات فاعلة داخل السلطة تبحث عن خيار أخر غير بوتفليقة حيث سحبت بعض الشخصيات منها استمارات الترشح.

   فحراك الجزائر اليوم الجمعة أكد بصفة رسمية على مطالبته برفض العهدة الخامسة ومباشرة عملية الإصلاح والتغيير.

   فالسلطة اليوم ليس لها من خيار سيما مع ضغط الشارع والوقت لأن اليوم الثالث من شهر مارس القادم هو آخر يوم لإيداع ملفات الترشح للرئاسيات، ومع تصريح مدير حملة بوتفليقة عبد المالك سلال إن مرشحه سيودع الملف يوم الأحد القادم في الثالث من شهر مارس، وفي المقابل لايزال الرئيس بوتفليقة في جنيف لإجراء فحوصات طبية منذ الأحد الماضي ولم يدخل إلى اليوم. وهو وضع جد حساس يضع البلاد أمام سيناريوهات عدة، أفضلها هو سحب ترشح بوتفليقة بسبب المرض المزمن والاستجابة لمطلب الشعب الجزائري ونزع فتيل الأزمة وفتح الأفق السياسي، وهي حالة وضع لها الدستور الجزائري حلا إجرائيا واضحا حيث تنص المادة 102 من الدستور على: "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا"

   كل الشروط القانونية للاجتماع التلقائي الذاتي l'auto-saisine متوفرة لأن يجتمع المجلس الدستوري لأجل تفعيل أحكام هذه المادة:

- الخطوة الأولى: (التثبت من وجود المانع)

1. استحالة ممارسة رئيس الجمهورية لمهامه (شرط متوفر)

2. سبب الاستحالة: المرض (شرط متوفر)

3. المرض خطير ومزمن، أي غير قابل للعلاج (شرط متوفر).

وعليه يقع على المجلس الدستوري واجب التثبت من توفر هذه الشروط، عن طريق طلب خبرة طبية تؤكد هذه الاستحالة.

- الخطوة الثانية: في حال ثبوت المانع طبيا

يقترح المجلس الدستوري بالإجماع على البرلمان (بغرفتيه) الانعقاد لأجل التصريح بثبوت المانع بمصادقة 2/3 أعضائه.

الخطوة الثالثة: يتولى رئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح) رئاسة الدولة لمدة 45 يوما.

الخطوة الرابعة: في حال استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوم:

 يجتمع المجلس الدستوري وجوبا للإعلان عن الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية بسبب الاستقالة.

المرحلة الخامسة: يجتمع البرلمان (بغرفتيه) وجوبا:

 لتلقي شهادة التصريح بالشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهوري، وتولي رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لأجل تنظيم انتخابات رئاسية خلال 90 يوما،

وعليه تؤجل الانتخابات المقررة يوم 18 افريل 2019 إلى تاريخ آخر لا يتعدى ال 90 يوما المشار إليها أعلاه.

هذا هو السيناريو المفضل لإخراج الجزائر من هذه الأزمة.

    أما إذا اصرت السلطة الحالية على خيارها، وأمضت العهدة الخامسة بالقوة والقهر والمنع فإن سيناريو انهيار الوضع وانفلاته سيكون أقرب إلى الحدوث وهو مالا يريده أغلب الجزائريين.

   إن منهج السلمية الذي ترسخ عند الجزائريين سيتغلب على كل خيارات المغامرة بسلم واستقرار دفعت الجزائر من أجله أكثر من200 الف ضحية افلا يوجد فيكم رجل رشيد هي رسالة إلى من تبقى فيهم عرق ضمير ينبض في كل المؤسسات وأولها المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية.

وسوم: العدد 814