ليس كما تكونوا يولّ عليكم
عقب المظاهرات التي جابت شوارع الجزائر تنديدا بالوضع السياسي بالجزائر، وقد كتبنا بشأنها لحدّ الان 3 مقالات، انتشرت وبشكل كبير عبارة "كما تكونوا يولّ عليك"، فكانت هذه الأسطر:
1. أتعمّد عدم الخوض في صحة أو عدم صحّة العبارة فهذا شأن أهل الاختصاص، لأنّ المتحمّسين لها نقلوها على أنّها حديث نبوي شريف لا يمكن بحال الاقتراب منها أو مناقشتها.
2. الغاية من الذين ظلّوا يردّدون العبارة في الجزائر هي: أفضل سلطان فوق الأرض هو السّلطان السّعودي، فإذا أردتم أن تكونوا أفضل فاسمعوا وأطيعوا للسّلطان السّعودي لأنّه "كما تكونوا يولّ عليك".
3. الغاية من تكرار العبارة خاصّة في الظرف الذي تعيشه الجزائر الآن والممثّل في غليان الشّارع ضدّ العهدة الخامسة هو تثبيت التبعية باسم الدين للسّلطان السّعودي.
4. نظلّ نكرّر ماقلناه وكتباه: نحترم المجتمع السّعودي ولا نتدخل في شؤونه، وندافع عنه بأرواحنا إذا تعرّض لتهديد من طرف الصهاينة والغرب، ونظلّ نحترم النظام السّياسي للمملكة السّعودية ولا نتدخل في شؤونه الداخلية، ونتمنى لإخواننا في السّعودية كلّ السّعادة، والمحبّة، والأمن، والاستقرار، والرقي.
5. تكمن خطورة ترديد العبارة باستمرار على المجتمع وسوء استخدامها في النقاط التّالية: اتّهام سيّدنا نوح عليه السّلام بأنّه "فاسد؟ !"، لأنّه حسب شرحهم للمقولة لو لم يكن "فاسدا؟ !" لما سلّط الله عليه طيلة ألف سنة غلاّ خمسين عاما قوما فاسدين. وهذا الكلام في غاية الكذب والزور. واتّهام لسيّدنا لوط عليه السّلام بانّه لو لم يكن "فاسدا؟!" لما سلّط الله عليه زوجة فاسدة مفسدة. واتّهام لأسيادنا الخلفاء الراشدين خاصّة الذين عايشوا الفتنة والقتل كسيّدنا عثمان بن عفان، وسيّدنا علي بن ابي طالب، وسيّدنا الحسين، وسيّدنا عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم جميعا، أنّهم "فاسدون؟ !" ولذلك عاشوا في فتن واضطرابات وقتلوا غدرا وحقدا. ويمكن للقارئ أن يختار أمثلة أخرى يعرفها بالتجربة أو قرأ لها أو عنها لتتّضح الرؤية جيّدا.
6. أخطر ما في عبارة "كما تكونوا يولّ عليك" أيضا اتّهام المجتمع الجزائري بأنّه فاسد مفسد لذلكّ سلّط الله عليه الاستدمار الفرنسي طيلة 132 سنة، وبهذا الفكر يتم التنكّر لفضائل أسيادنا الشهداء رحمة الله عليهم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وكذا كلّ جزائري من رجال ونساء وكبار وصغار قاوموا الاستدمار الفرنسي بصدور عارية وهم العراة الحفاة الجوعى، وبفضلهم نكتب هذه الأسطر، فكيف يتم التنكّر لفضائلهم على الجميع ولحدّ الآن.
7. الذين يردّدون عبارة "كما تكونوا يولّ عليك" لا يمكنهم أن يطبّقوها على المجتمع السّعودي والسّلطان السّعودي كمّا طبّقوها على المجتمع الجزائري واتّهموه بأنّه فاسد فسلّط الله عليهم نخبة فاسدة.
8. أكتب هذا المقال وأنا أتابع آخر الأخبار حول اعتراف الرئيس الجزائري بسلمية المظاهرات، والنزول عند بعض مطالب المتظاهرين لحدّ الان - أقول لحدّ الآن - كعدم الترشح لعهدة خامسة كما طالب المتظاهرون في انتظار الجديد، ما يعني أنّ المظاهرات أتت أكلها، و ولي الأمر استجاب لمطالب شعبه، والأيام تحمل الجديد وتكذّب بقوّة الذي راهن على حرق الجزائر.
9. حين نقول يستدل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وأنّ الحديث الضعيف يعضد بعضه، وأنّ الأمّة إذا اشتهر لديها الحديث الضعيف وعملت به يرقى لمستوى الحديث الصحيح ويعامل معاملة الحديث الصحيح لأنّ الأمّة عملت به على مدار القرون. قالوا لنا: لايجوز العمل بالحديث الضعيف، ولدينا في الصحيح ما يغني عن الضعيف. ولا يوجد في الشريعة أمر اسمه فضائل الأعمال، واسقطوا جميع الفضائل لأنّ الأحاديث المروية بشأنها ضعيفة، لذلك راحوا يقسّمون "الترغيب والترهيب" مثلا إلى صحيح الترغيب وضعيف الترغيب. والأعجب من ذلك وحين يتعلّق الأمر بالحكم والدماء والأعراض يستدلون بحديث ضعيف بل مكذوب.
10. المظاهرات الجزائرية السّلمية التي أعجب بها العالم أجمع وانبهر بشبابها والعقلاء الذين قادوها، ولم تسفك فيها الدماء، ولا التخريب، ولا الحقد، ولا البغض، ولا الحرق، ولا التعدي على الأعراض، تدل بوضوح أنّهم الأفضل والأحسن والأصلح، وطوبى لمن استجاب لمطالبهم وخير النّاس من حكمهم وأدار شؤونهم، والخاسر الأكبر من حرمه التّاريخ من حكم المجتمع الجزائري، وشرف تسيير شؤونه.
وسوم: العدد 815