تباينُ الرؤى في الملف السوريّ و انعكاسُها على ورقة إدلب
غيرُ خافٍ أنّ حجم التباين في الرؤى للدول المنخرطة في الملف السوريّ، قد وصل إلى حدّ تأجيل زيارة وزير الخارجية الروسي " لافروف " المقررة إلى أنقرة يوم الاثنين: 11/ 3ـ الحالي، مثلما حملت طهران إلى استدعاء الرئيس الأسد على عجل لزيارة طهران، في زيارة لفّها الكثير من علامات التعجب و الاستفهام، و جعلت روسيا تتغاضى، لا بلْ تشارك بطائراتها في التصعيد الحالي على إدلب، الذي وصل أوجه يوم الاربعاء: 13/ 3ـ الحالي، و ذلك على الرغم من إعلان تسيير دوريات مشتركة، قبل أيام قليلة على جانبي المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، و أخرى في منطقة تل رفعت، و عقد اجتماعات للبحث في فتح طريق غازي عنتاب ـ حلب.
و ذلك في انعكاس واضح لحجم التباين بينهما، بخصوص رغبة روسيا في المشاركة في قوى شرطية في المنطقة الآمنة في شرق الفرات، هذا في حال مضت أمريكا في السير في إقامتها؛ إذْ تذهب التوقعات إلى أنها لا تعدو كونها من جملة التصريحات التكتيكية للرئيس ترامب، في محاولة منه لخلط الأوراق في الملف السوري، بغية إرباك خطط الآخرين المتدخلين فيه، و في المقدمة منهم: روسيا، تركيا، و إيران.
هذا إلى جانب الضغط على تركيا للسير في اتفاق سوتشي، بما يحملها على الإسراع في فتح الطرق الدولية من حلب نحو مناطق سيطرة النظام مرورًا بإدلب، و طي ملف تحرير الشام، ليذهب بوتين إلى إلقاء خطاب القضاء على إرهاب القاعدة في إدلب، تزامنًا مع نية ترامب إلقاء خطاب القضاء على إرهاب داعش في الباغوز.
و بالطبع لا يتخلّف عن هذه القراءة ما بدأ يطفو على السطح من رفض إيران مشاركة تركيا في القيام بعملية مشتركة للقضاء على عناصر ( PKK ) في كهوف جبال قنديل في المثلث: العراقي ـ التركي ـ الإيراني؛ و ذلك في مسعى منها لجعلهم ورقة ضغط عليها في قابل الأيام، و عدم إعطاء الرئيس أردوغان ورقة رابحة في الانتخابات المحلية في: 31/ من هذا الشهر.
ناهيك عمّا أخذت وسائل الإعلام تشير إليه من فتور واضح في علاقة تركيا مع واشنطن، و سعي الأخيرة لعدم تمكين حزب العدالة، و الرئيس أردوغان من الوصول إلى النتائج التي يطمح إليها في الانتخابات المحلية المشار إليها، لدرجة أنّ أقرب صديق لتركيا في البنتاغون ( الجنرال كورتيس سكاباروتي ) قائد القوات الأمريكية في أوروبا، المعروف بدفاعه عنها دائمًا في النقاشات الداخلية، قد عارض تزويدها بطائرات F35، ما لم تتخلى عن صفقة مضادات الدفاع الجوي الروسية S 400، و بات الحديث عن وجود فريقين في أمريكا، منقسمين على نفسيهما حول طبيعة العلاقة مع أردوغان في ظل سياساته الحالية، إلى جانب ورود تصريحات عن عزم بعض المسؤولين الأمريكان عن تسليم منبج، و كذا شرق الفرات إلى روسيا في حال الانسحاب أمريكا منها.
و من المهمّ في إطار الحديث عن التباين في الرؤى في الملف السوريّ، ما بات غير خافٍ من المناكفات الخليجية ـ التركية، و انعكاس ذلك على مجريات الأحداث في إدلب، منذ سيطرة هيئة تحرير الشام عليها في مطلع العام الحالي.
كلّ تلك التباينات في الرؤى من هاتيك الدول في الملف السوريّ، حملتها على السعي لكسب المزيد من الفرص الجيوسياسية في الخارطة السورية، و جعل تعاطيها فيه يقترب إلى حدّ النسبة التامة بأنّه أقرب إلى الإدارة منه إلى الحلّ، و جعل إدلب على وجه الخصوص ( صندوق بريد ) تضع رسائلها فيه إلى الآخرين، و من غير المتوقع أن تشهد تلك المنطقة نوعًا من الاستقرار في المدى المنظور، يجعلها تعيش في الحدود الدنيا، كجاراتها الخاضعة لسيطرة النظام، أو الخاضعة لسيطرة تركيا، ناهيك عن الأخرى في شرق الفرات لدى الأمريكان.
وسوم: العدد 815