أحداث الجزائر كما يراها المفكر عمار جيدل
حين وصلتني دعوة إحياء الذكرى 88 لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بولاية الشلف من طرف زميلنا قدور قرناش بحضور العالم المفكّر جيدل عبر الخاص أجبته على الفور ودون أدنى تردّد: " السّلام عليكم.. سنلبي الدعوة ونسأل الله أن يوفّقنا للقاء الأستاذ عمار جيدل".
بمجرّد مادخلت قاعة "السينما جمال" بوسط الشلف دخلت قاعة الضيوف حين علمت أنّ المفكر عمار جيدل بداخلها. وبمجرّد ما رآني رحبّ قائلا: "كيف حالك معمر" .
قلت له: أرجوك أن تصحّح لي إذا رأيت في كتاباتي مايسىء. أجاب المفكر عمار جيدل: الم۫عٙمٙر۫ لايسىء والفارغ هو الذي يسئ.
أوّلا مضمون المحاضرة: ألقى المفكر عمار جيدل المحاضرة باللّغة العربية الفصحى القويّة ومن حين لآخر استعمل مصطلحات باللّغة الفرنسية. وممّا جاء في المحاضرة واستطعنا أن ندوّنه في حينه ونعيده:
1. الذي نجح في امتحان السّنة الرّابعة متوسط وفشل في امتحان السّنة الثالثة ثانوي. هل يقال عنه فاشل أم ناجح؟ يقال عنه فاشل لأنّ والنجاح يعتمد على المرحلة الأخيرة وليس الأولى.
2. نقل التمجيد لايجعل صاحبه ممجّدا لأنّ المجد شعب من شعب الإيمان، فكان لابدّ أن يكون المجد مكسبا وقارّا وثابتا، والعمل هو الذي يرفع صاحبه وليس الانتساب.
3. يظهر الأمر المحمود من خلال الممارسة والميدان هو الذي ينزع نقاب القداسة وأحسن مثال على ذلك هو الابن الذي لك سلطة عليه لأنّ شهادة الغير للاستئناس فقط. والتحدّث عن روايات التمجيد يعني التحدّث عن ماضي وليس واقع.
4. الأصل في الضمير أن يكون حاضرا في الأمّة وإن لم يكن كذلك فهو لايعبّر عن الأمّة. والذي يعيش بآمال الأمّة لابدّ أن يعيش آلامها وليس الرغيف فقط. والضمير إذن هو مبعث الفاعلية أي تحويل المعارف إلى فاعلية. وحين نتحرّك تتحوّل المعلومة إلى القلب وليس كم المعارف فقط. والذي له معلومة واحدة وأصبحت فاعلة فقد عمل بـ 100% بما يملك، والذي يملك مائة معلومة وعمل بواحدة فهو قد عمل بـ 1% من المعلومات التي يملكها فقط.
5. رأس الفاعلية هو الإحساس أي أن لايكتب المرء في غير مايحسّ به وأن لايتقدّم إلاّ بما يحسّ به أي أن يكون حاله دال عليه وأن لايكون إضافي. ومن أراد أن يدعو النّاس للفاعلية فليكن فاعلا لأنّ الانسان ينظر في المساحات الفعلية، والعمل هو المقام الأوّل للفاعلية أي كيف يمكن تجديد الدين بأقلّ تكلفة ممكنة ونقله من الناحية النظرية إلى التطبيق.
6. كلّما تخصّص المرء في الدين كلّما ضاع التدين. أي كلّما أوغل المرء في الجزئيات لم يصبح حينها متدينا لأنّه من المفروض أن تكون العلوم الدينية ترسيخا لعلوم الدين. وبقدر تحرّرك من نزعاتك الفردية يكون تمسّكك بالدين. ومن أوغل في الجزئيات ضيّع على نفسه العمل لأنّ الجزئيات شغلته عن الفاعلية والعمل.
7. الحياة الدنيا للعاملين وليس للعلماء وتتعلّم لتعمل وليس لتجادل.
8. من أراد أن يأخذ من الدنيا أعزّ مافيها عليه أن يدفع مهرها والمهر هو معرفة قوانينها. والدين هو الذي يجمع بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
9. العناصر الضعيفة محكوم عليها بالذوبان.
10. الأخلاق هي التي تميّز المسلمين عن غيرهم والمسلم الذي تنقصه الأخلاق يساوي صفر.
ثانيا المناقشة: طرحت على المفكر عمار جيدل مجموعة من الأسئلة تتعلّق كلّها بأحداث الجزائر وغليان الشارع فأجاب بواقعية وتجربة ومنها:
11. هذا حراك أصغر نتقدّم عبره لحراك أوسط وينبغي أن لايكون كلّ جمعة فقط بل ينبغي أن يكون كلّ أيام السّنة. والحراك الأكبر ينبغي أن يتخلّق أفراد المجتمع جميعا أي لابدّ أن يشغل أنفاسك وتتذكّره في حياتك ولا بدّ أن يكون سعيا متخلّقا.
12. عندما نقول الحراك يمتد كلّ جمعة وليس كلّ أيام السّنة. هل أنت تتحرّك كلّ أيام السّنة أم الجمعة فقط؟ أي هل أتحرّك باتّجاه المجتمع كلّ أيام السّنة أم الجمعة فقط؟ لأنّ المطلوب هو تثمين مكسب خروج الجزائريين كلّ جمعة في انتظار أن يتحرّك الحراك كلّ أيام السّنة أي أن يشمل عالم الأشخاص والأفكار لأنّ ثقافتي هي ثقافة العمل بمعنى أثمّن الموجود وأطلب المفقود.
13. إن لم تتجدّد فأنت تتبدّد وإن لم تزد فأنت في نقصان. والتجديد هو حركة مستمدّة تستغرق الأنفاس.
14. نحاول قدر الامكان أن نكون حاضرين أي أن نسترجع الحيوية للجزائر لأنّ الهوية هي جوهر الجزائر .
15. أحسن النّاس أقوالا هم الذين تشهد لهم أعمالهم.
16. مفاصل سلطة القول في العمل. وأكثر النّاس حسابا للنّاس هم أقلّهم عملا وكثرة الحساب يفقد العمل. وأنا مع كثير العمل ويجب أن يوافقه عمل أكثر. ومن الناحية العلمية لاتجد أفضل من الأكاديمي لكن أرجو من الأكاديميين أن يلبوا الدعوة إذا وجّهت لهم وليحذروا من القول دون العمل لأنّه ستكون هناك فضيحة.
17. قل الحقائق ودعك من الردّ على الشبهات لأنّها لاتنتهي ولو ألقمت كلّ كلب ينبح لنفد الحجر.
18. الأصل في الحراك أن لايكون إرباك والمطلوب أن لاتتعجّل الأمر واترك الحراك ينضج واعمل على أنّ لايصيب الحراك أيّ قلق.
ثالثا نصائح التّلميذ المتتبّع:
19. سبق لي منذ سنوات قليلة أن نصحت المفكر عمار جيدل أن يبتعد عن الحوارات الثنائية ويكتفي بالتحدّث بمفرده مع الوسيلة الإعلامية وقد استجاب لطلبي مشكورا وأقام سلسلة من الحوارات بمفرده.
20. أتمنى من كلّ هيئة تستدعي المفكّر عمار جيدل أن تستدعيه بمفرده أو تترك له كلّ الوقت لإلقاء محاضرته لأنّه من الظلم البيّن الذي ذكرته في حينه للقائمين على المحاضرة أن يستدعى المفكّر عمار جيدل ليمنح بعدها دقائق معدودات لاتفي بالغرض ولا تليق ببحر لاشاطىء له.
21. أعاتب ولأوّل مرّة في حياتي المفكر عمار جيدل وأهمس في أذنيه قائلا: أنت أعظم من أن تحصر نفسك في هيئة أو حزب أو ركن ضيّق فإنّه ممّا لايليق بمقامك الغالي، واحرص على أن تتحدّث باسم الجزائر ولا تنزل من مقامها العالي الذي رفعتك إليه.
22. كتبت لحدّ الآن 7 مقالات عن المفكر عمار جيدل تتعلّق كلّها بمحاضراته وكلّها منشورة منثورة، وأظن هناك محاضرة أو اثنتين لم أستطع استحضارها الآن.
23. نقلت الكثير من الحكم عن المفكر عمار جيدل عبر صفحتي ومازالت قائمة أفتخر بها وأدعو القرّاء والمهتمين بمتابعتها ونقلها ونقدها.
وسوم: العدد 823