يوميات السيول السوداء (11)
قلما تجد قرية أو مدينة لم تتضرر من هذه السيول المفتعلة؛ المحمرة مثلا، الظاهر أن السيول لم تدخلها، لكن أحد ساكني المحرزي يقول إن السيول اجتاحت بستاني فأغرقت 30 فسيلة نخلة (برحية) كنت قد شتلتها العام الماضي؛ وبقت فيها أكثر من أسبوعين فقتلتها.
يقول آخر إن المياه تدفقت في أرضي وأغرقت بستان الخضروات كلها، وكنت أجني من بيعها الملايين كل سنة.
إن الجميع تضرروا لكنهم وقفوا وتعاونوا.
عندما يسمع أهل المحمرة استغاثة أهل الفلاحية وإنهم بحاجة إلى أكياس، يرسلون لهم 50 ألف كيس، ولا أدري من أين دبروها! بل ويهبوا معهم طاوين العشرات من الكيلو مترات ليساعدوهم في إقامة السواتر لحماية القرى والمدن من السيول.
لجان الشعبية للإغاثة في الحميدية والخفاجية والسوس باتت توجه نداءات بأن لا ترسلوا الطعام، فقد اكتفى المنكوبون.
وهذا يعني أن الناس وقفوا وقفة تأريخية مشرفة لبعضهم.
حتى الأطفال أهدوا ألعابهم إلى أترابهم المنكوبين!
اتحاد وتآزر وصمود قل مثيله، الكل ساهم في هذه الوقفة التأريخية ليدعم المنكوبين؛ رغم أن المحنة استمرت لشهرين!
من استطاع ذهب بنفسه مساندا أخوته في إقامة السواتر وتقديم التبرعات، ومن لم يستطع أن يحضر بنفسه، تبرع بالمال لمجموعات الإغاثة وقدم ما يستطيع.
وصلت المساعدات إلى درجة ليفضل أطفال المنكوبين البقاء في الخيام بدل العودة إلى بيوتهم، وقد قال أحدهم ببراءته:
إن لجان الإغاثة يقدمون لنا جميع الأشياء التي نحتاجها من طعام وألعاب وحلويات، ولذا أنا أفضل البقاء هنا على الرجوع إلى بيوتنا! وأتمنى أن لا تنتهي السيول.
رأيت مقطع فلم يقول فيه متضرر من السيول مخاطبا محسن حيدري عضو مجلس خبراء القيادة:
بلغ سلامي لجماعتك وقل لهم أن يزيدوا من مياه السيول، ولا نريد أي مساعدة منكم، اذهب من هنا فحسب؛ وإننا ثابتون في أراضينا حتى لو بلغت المياه آذاننا.
الكل كان يهتف بشعار الوحدة، وقد تحققت هذه الوحدة من شمال الأهواز إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه.
لقد علّمت هذه السيول الشعب التضحية والنظام والإيثار؛ وتراجعت القبلية والطائفية والمناطقية بشكل ملحوظ بين أبناء الوطن.
وقف الشعب، رغم أن رجال الدين في الأهواز لم يقفوا معه، وأن مندوبيه في مجلس الشورى لم يساندوه! ورغم أن المؤسسات الحكومية لم تدعمه!
وقف رغم أن الحكومة اعتقلت بعض أعضاء لجان إغاثته!
وقف رغم أن المسؤولين كذبوا عليه وقالوا إنهم فتحوا الهور العظيم، ولا يزال الهور جافا لم تدخله قطرة ماء، والدليل هو الغبار الذي يجتاح سماءه بين الفينة والأخرى!
وقف وهو يردد أهزوجته التي سوف تسجل في التأريخ:
(بچینا الشط ما بچانا)
أي أبكينا النهر ولم يبكِنا.
وتحقق النصر بالوحدة على السيول بعد كفاح طال ما يقارب الشهرين.
ولا تزال المنازلة مستمرة ...
وسوم: العدد 824