العيش خارج المساحات المعزولة
كاظم فنجان الحمامي
نحن هنا نعيش داخل حدود العراق, نتحرك بحذر شديد خارج المساحات المعزولة, نتجنب المرور في الشوارع المغلقة, يتعذر علينا الاقتراب من المناطق المحظورة. نحن باختصار نعيش على هامش الأسوار الداخلية للعراق.
مدننا الصغيرة فيها الكثير من الشوارع الفرعية المحجوزة للسادة النواب والمدراء والوزراء وأصحاب المناصب العليا, وشوارعنا الكبيرة فيها حارات مخصصة لمرور عجلاتهم, أما طرقنا الخارجية فتعج بنقاط التفتيش, حتى ظهر عندنا منذ زمن بعيد تشكيل عجيب من تشكيلات الشرطة يعمل تحت عنوان (مديرية السيطرات الخارجية).
لا تخلو محافظاتنا الحدودية من تحديدات الحركة الصارمة وقيودها الإلزامية, فحقول الألغام المليونية تحتجز مساحات كبيرة من الأراضي البرية, التي كانت تمثل خطوط المواجهات العسكرية في مسلسلات الحروب المدمرة.
توجد في البصرة وحدها أربعة ألغام غير متفجرة لكل مواطن, ويوجد فيها ثلث العدد الإجمالي لكميات الألغام الموجودة في عموم العراق, بينما تحتجز الشركات النفطية المساحات الأكبر والأوسع والأعمق, حتى بات من الصعب علينا التمتع بالخروج إلى ضواحي مدننا, فحقول الألغام وحقول النفط تشغل مساحات واسعة تحيط بنا من كل الاتجاهات. تضاهي مساحات الحقول الزراعية, وربما تضاهي مساحات المدن والأحياء السكنية.
معظم مؤسساتنا الحكومية (العسكرية والمدنية) مطوقة بأسلاك شائكة, ومحمية بجدران خراسانية مضادة للدروع, وأبراج تعلوها لوحات تحذيرية شديدة اللهجة. في أوربا يمتلك الزائر الأجنبي حرية السفر والتنقل براُ وبحراُ وجواً, فيتنقل على هواه من دولة أوربية إلى أخرى من دون أن يدري أنه عبر الحدود من هولندا إلى ألمانيا, ومن دون أن يشعر أنه دخل الأراضي البلجيكية, بينما لا يستطيع المواطن العراقي الجنوبي زيارة مدينة السليمانية أو مدينة أربيل أو أي مدينة من مدن إقليم كردستان إلا بعد الحصول على الإذن المسبق. والأنكى من ذلك كله أننا يصعب علينا في مناسبات عدة التوجه إلى مواقع أعمالنا بسبب بعض الموانع الطارئة التي لا تخطر على بال الجن الأزرق.
قبل بضعة أيام منعتني قوة من دخول ميناء (أبو فلوس) على الرغم من تكليفي بواجب رسمي, وصار من المألوف لدينا عدم اجتياز بوابة ميناء الغاز المسال في خور الزبير بالسيارات التي تقلنا من البصرة, إذ يتعين علينا السير مشياً على الأقدام من البوابة إلى الرصيف حيث تقف الناقلة التي سنرشدها إلى البحر, ولا يحق لنا دخول ميناء الفاو النفطي, لا بسياراتنا, ولا مشياً على الأقدام, ولا عن طريق السباحة أو العوم على سطح الماء.
فالحركة داخل أسوار العراق محرمة ومحددة ومحظورة ومقيدة ومجمدة, ولا يمكن السماح بها إلا في الحالات النادرة, أو للضرورات القصوى, أو في السياقات المتشددة, والإجراءات المعقدة.