قتلوهم بدم بارد، ويخافون حتى من أجسادهم الباردة

قتلوهم بدم بارد،

ويخافون حتى من أجسادهم الباردة

محمد إقبال

خبير استراتيجي إيراني

[email protected]

جاءوا في منتصف الليل.. بعدد هائل كخفافيش الظلام.. اكبر بكثير ممن كانوا يعتزمون اخذهم كرهائن.. ولكنهم كانوا يخافون.. لأن الهدف كان «أشرف».. مخيم أشرف.. الاسم الذي كان يهز كيان الملالي في إيران لاعوام طوال.. ابتدأوا هجومهم الوحشي بشن تفجيرات لاحداث عنصر المفاجأة وسلب المحاصرين في "اشرف" القدرة على الدفاع الأولي.. ثم دخلوا.. وكبلوا أيديهم تمهيدا لاختطافهم، الا ان الاجساد الجريحة والأيدي المكبلة أظهرت الصمود والتحدي.. لأنهم يؤمنون ان الرحلة بدأت للتو لتحطيم اسطورة الوهم والحصار، وارتحلت مع 52 قمرا وشمسا ارتقت الى العلا والمجد، حيث دخلوا ابواب السماء بأًوات تعلو بالهتاف والحنين، وكان هؤلاء الابطال الاشاوس من ضمن 59 كانوا بحوزة قوى الشر والظلام، ومن ضمنهم شبان لم تمض سوى سنوات قليلة على انضمامهم لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية وآخرين كبار قضوا خمسة عقود في النضال.

قائدهم، قائدتهم: زهرة قائمي، من السجناء السياسيين في الثمانينيات الدامية للقرن الماضي في إيران، تم تعذيبها في سجون الخميني، وجميع من كن معها في السجن يذكرنها بخير واجلال واكبار.. كانت سجينة صامدة واقفة كشموخ الجبال.. ومساعدها كيتي كيوه جيان.. وصديقتها ورفيقة دربها ميترا باقرزاده، حيث وفي اللحظة الأخيرة حاولت هذه الأخيرة تأخير استشهاد آمرتها قليلا، الا ان جسدها الطاهر وقع على الجسد الطاهر لزهرة قائمي.. حيث كان العدو اكثر غدرا مما اعتقدت فاعدمهما بدم بارد..

تمطر عيوني ولا تعطني المجال

قد لا يكون هناك مجال للمقارنة، ولكن لجميع الثوريين، كان جيفارا، انسانا، كان طبيبا، لديه زوجة واولاد، لديه سلطة وموقع، ولكنه ترك كل شيء لتعبيد طريق الحرية للشعب.. وكان خلفيته النضالية قليلة جدا.. أما الذين استشهدوا في أشرف، فالذي يملكونه كان اكبر بكثير.. وما قدموه من تضحيات لاجل شعبهم كان اكثر واكثر في ظل ما واجهوه من ظروف محيطة بهم.. واصغرهم لديه خلفية نضالية اكثر من الكثير من الرموز الثورية في هذا العالم.. ناهيك عن نساء ورجال كانوا يحملون على اكتافهم عقودا من النضال الدؤوب.. كل واحد منهم كان ثوريا ومناضلا حقيقيا.. ويمكن القول بكل جرأة ان هؤلاء اظهروا من النضال والثورية اكثر مما قدم الكثير من رموز النضال والثورة على مساحة هذا العالم المترامي الاطراف..

قادة كنت اعرف اغلبهم عن كثب، حسين مدني، على سبيل المثال، طالب جامعي في الولايات المتحدة، وترك الدراسة قبل 35 عاما وتحول الى رمز للمقاومة.. واكمل رسالته نهاية المطاف كأسطورة..

حميد باطبي، يعرفه كثير من العراقيين بسجاياه وخصاله الحسنة.. وقاسم رضواني محامي بسمعته النزيهة في إيران، وهو الذي بذل كل ما لديه في سبيل المقاومة..  ومهدي فتح الله نجاد الرجل المتواضع جدا دائما.. وسيدعلي سيد احمدي الضاحك المبتسم دائما وفي جميع الاحوال.. وبيجن ميرزايي الاختصاصي في الكمبيوتر من الولايات المتحدة، في وقت لم يكن فيه حتى في ايران كمبيوتر باللغة الفارسية، حيث أدخل ميرزايي الفارسية في حواسيب منظمة مجاهدي خلق..

 والشباب ياسر حاجيان ورحمان مناني وامير نظري والخ... 52 شخصا، يضاف إليهم سبعة رهائن، لم يكشف الى اليوم، لا خامنئي ولا المالكي ولا الولايات المتحدة الأميركية مصيرهم..

هؤلاء الشهداء قاتلوا حتى بعد استشهادهم.. نعم لقد قاتلوا وقاوموا بجثامينهم الطاهرة قتالا استمر  164 يوما منذ الأول من سبتمبر 2013 حتى 11 فبراير 2014.. الى ان اضطر القتلة الى دفنهم بشكل سري، نعم، رغم مضي 164 يوما على استشهادهم لم يشأ جلاوزة الظلام ان يسلموهم الى ذويهم واسرهم رغم المطالبات العديدة والمتلاحقة، وتم دفنهم بشكل سري بعيدا عن عيون عوائلهم وحتى دون حضور ممثلين عن الامم المتحدة.

نعم.. اراد القتلة بفعلتهم الشنيعة هذه ان يغطوا على آثار جريمتهم وحقدهم الأعمى.. ولكنهم بالمقابل أعطوا هذه المنزلة والمرتبة العالية لهؤلاء الشهداء.. فهل جرى لجيفارا مثلا مراسم تشييع او دفن.. او لاسبارتاكوس.. او حتى لفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وكثيرا من الائمة والقادة الثوريين في تاريخ البشر.

إن الدكتاتورية تخاف حتى من الجثامين الباردة.. "اشرف" وقف متحديا وصمد حتى النهاية ممن كانوا يحمونه، حيث سماهم الايرانيون بـ«اللواء الفدائي»، كان عليهم ان يصمدوا مثلما وقف «أشرف» شامخا وصامدا...

أشرف.. الآن عبارة عن صحراء قاحلة، حيث ترى في لياليها المظلمة العتاة والحرامية والظلاميين من اتباع خامنئي والمالكي، حيث قام هؤلاء الصعاليك بقتل من كان يحمي ممتلكاته من سكان المخيم، وهم الان يقومون بنهب امواله ليلا، ورغم ما يفعلون من موبقات، الا ان ابدانهم تقشعر خوفا وهلعا من رؤوسهم حتى اخمص اقدامهم حينما يحاولون دخول بعض الاماكن على مبدأ "لا تظن ان اي بستان فارغ وقد نام نمر فيها" كما يقول الشعر الفارسي.

نعم.. لا ابراج في اشرف اليوم غير ابراج الدم.. اشرف الذكرى والصمود والالم والوجع والانتظار والحصار... كيف يمكن لذكريات اشرف ان تشحب وتذبل في الصحف والاوراق والذاكرات الرملية، وهي التي قدمت للعالم البرهان القاطع على ان كلمة ملالي هي المرادف الدقيق للجريمة.

من منا لم يذبح في تلك الليالي حالكة السواد في اشرف؟ حتى لو لم تصل قطرة دم واحدة الى قميصه وربطة عنقة؟ من منا لم يشعر بان الملالي فقأوا عينيه بابرة خياطة، ولازمته الكوابيس اعواما طوال في ظل عدالة كونية عرجاء تتغاطى عن مخططي ومنفذي المجازر الوحشية في اشرف؟

لاشرف الايام كلها، والتقاويم كلها، فهو الاسم الخالد، الذي لم يكف رجاله ونساؤه عن النشيد للحرية والكرامة والمقاومة والصمود والتصدي..

أشرف الآن ينبض في روح وقلب ملايين الإيرانيين، واحد.. اثنين.. ثلاث.. مئة، الف أشرف يتم بناؤه في إيران وفي جميع انحاء العالم.. لان اشرف اصبح رمز العزة والكبرياء وأسطورة الشهداء...