لا فائدة من قائمة مستقلة في الانتخابات الفلسطينية
كثرت التساؤلات عن إمكان حدوث حراك فلسطيني مشابه للموجة الثانية من الحراكات العربية في السودان والجزائر والعراق ولبنان ، حتى الكويت ، الدولة الخليجية ، حدث فيها حراك منذ أيام ،لا ندري هل يتواصل أو يتوقف . وتجمع التساؤلات على أن الفلسطينيين أشد حاجة من سواهم من الشعوب العربية إلى الحراك بعد أن انحط واقعهم إلى أسوأ الدركات وطنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا . ويعوق الحراك الفلسطيني الشعبي أنه يواجه ثلاث سلطات : سلطة الاحتلال الإسرائيلي ، وسلطة فلسطينية في الضفة ، وسلطة فلسطينية في غزة ، ولكل سلطة فلسطينية أنصار وخصوم . وحال الشعب الفلسطيني في مجمل واقعه البائس مثل حال سيف الدولة في وصف المتنبي : " وسوى الروم خلف ظهرك روم * فعلى أي جانبيك تميل ؟! " ، ومثل حال الشاعر الذي قال متحسرا : " ولو كان هما واحدا لاحتملته * ولكنه هم وثانٍ وثالث " . عبد الستار قاسم اقترح حلا لهذه المعضلة بتكوين قائمة مرشحين مستقلة من أتقياء أنقياء لم تلوثهم نزاعات الفصائل الفلسطينية وتعصباتها وأنانياتها ؛ بتقدير أن هذه القائمة المستقلة قد تنجح بصفتها قوة ثالثة جديدة بين القوتين الحاليتين ، فتح وحماس ، ويكون في نجاحها الأمل في إنقاذ الشعب الفلسطيني ، فهل تكون القائمة المستقلة أملا وحلا في حال تكوينها ونجاحها ؟! أشك بقوة في هذا ، والسبب : أن الحراك الفلسطيني السياسي محكوم حكما جبريا قاطعا مانعا بأفق أوسلو الخانق الضيق، وهذا الأفق لا يسمح بأي حراك يتعارض مع مصالح إسرائيل ومخططاتها المحددة بصرامة ، وجوهرها السيطرة على الأرض الفلسطينية ، والقضاء على الشعب الفلسطيني . وفي انتخابات 2006 التشريعية ما يكفي من الدروس والعبر . عندما فازت حماس فيها ب 78% من أصوات المقترعين قالت إسرائيل إنها ليس لديها مشكلة في التعاطي مع حماس شريطة أن تلتزم بأوسلو ، أي أن تعترف بإسرائيل ، وتعمل وفق ما فيه من تطبيقات أمنية واقتصادية ، ولما لم تستجب حماس حدث ما نعيشه الآن منذ 12 عاما ، وخلاصته أن فتح التي خسرت تلك الانتخابات خسارة كبيرة ظلت هي السلطة ، وظلت تزعم أنها الشرعية ، فيا عجبا من انتخابات تبقي الخاسر ، وتقصي الفائز ! ولو جرت انتخابات جديدة ، وفازت فيها حماس ، وهو ما يتوقعه كثيرون ، سيحدث ما حدث بعد انتخابات 2006 ، وإذا فازت قائمة مستقلين فستكون أردأ حالا : لن يكون لها سلطة تنفيذية لا في الضفة ولا في غزة . إنها دائرة جهنمية من التعقيد والتشابك المحير . إذن ما الحل ؟! ما المخرج ؟! لا مخرج في انتخابات جديدة أيا كان الفائز فيها ، ما من فائدة من التغريد في قفص مهما بدلنا الطيور السجينة ، والمخرج في التمرد على أوسلو التي دفعتنا إلى هذه الحالة من الضياع والتشتت والخسران الوطني ، والتمرد لن تقدم عليه السلطة الفلسطينية الفتحاوية لما فيه من إنهاء لفتح ذاتها . إنه انتحار لها ، فالناس في الضفة وغزة يحملونها أوزار هذا الاتفاق النكبة الذي شخَصه بيريز ، أبرز منجزيه في الجانب الإسرائيلي ، بأنه من ألفه إلى يائه كتبته يد إسرائيلية . وبدءا من يائه إلى الآن حدثت لنا كل المصائب الحالية : أكثر من 600 ألف مستوطن في الضفة والقدس ، وانقسام فلسطيني مدمر ، وحديث عابث عن انتخابات لن تأتي إلا بأردأ مما أتت به سابقتها ، فماذا سيحدث لنا إذا بلغنا ياءه التي نقترب منها مسرعين بقوة الدفع الذاتي لتراكم كوارثه ؟!
وسوم: العدد 850