ليست ثورات جديدة!
في نهاية العام 2010، اندلعت شرارة الثورات العربية من تونس، ثمّ تدحرجت على شكل «دومينو» أصاب مجموعة من بلدان المنطقة، على رأسها مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق، تبعتها موجة من الثورات المضادة التي أدّت إلى حصول انقلاب في مصر عام 2013، وسيطرة الحوثيين على اليمن، وإيقاف نظام الأسد للمدّ الثوري.
اعتقد كثيرون آنذاك، أنّ الثورات العربية قد انتهت، لكن ما هي إلا بضع سنوات حتى اندلعت الانتفاضات في بلدان أخرى كالسودان والجزائر، ثمّ تبعتها موجات أكبر في لبنان والعراق على وجه التحديد، مما خلق نوعاً من الجدل حول ما إذا كانت هذه الانتفاضات استكمالاً لما جرى سابقاً، أم أنّها «ربيع ثانٍ» جديد منفصل عمّا سبق؟
في حقيقة الأمر، وبالنظر إلى الأسباب التي أدّت إلى اندلاع هذه الانتفاضات، سنلاحظ أنّ المطالب الأساسية تكاد تكون نفسها، وإن كان الطابع الاقتصادي - المعيشي أكثر وضوحاً كذلك هذه المرّة، وبهذا المعنى، من غير السوي القطع بين ما جرى سابقاً نهاية عام 2010، وبين ما يجري الآن، وذلك لأنّ جذور المشكلة لا تزال قائمة، لا بل يمكن القول إنّ الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنيّة، ازدادت سوءاً في العالم العربي اليوم، مقارنة بما كان عليه الأمر في نهاية العام 2010.
نسبة الشباب إلى إجمالي السكّان تزداد، وتزداد معها نسبة البطالة في هذه البلدان، وكذلك نسبة الفساد والدَّين العام، فيزداد الأغنياء غنىً ويزداد الفقراء فقراً، التضخم مرتفع، والإنتاج الاقتصادي منخفض، والحريات تضيق والظلم يتوسّع وحالة عدم الاستقرار تصبح القاعدة وليس الاستثناء، وتكون النتيجة أن تضيق مع كل هذا فسحة الأمل لدى الشعوب.
من هذا المنطلق، فإن ما يجري اليوم في عدد من البلدان العربية هو في حقيقة الأمر استكمال لما بدأ في نهاية العام 2010، الثورات والثورات المضادة والانقلابات والانتفاضات وربما التدخلات الخارجية والتدخلات المضادة، هذه كلها تفاعلات تعكس مساراً واحداً ولا يمكن النظر إليها بشكل منفصل، المشكلات التي يعاني منها العالم العربي هي مشكلات بنيوية وليست ظرفية، وبالتالي فإن كان البعض يتوقع أن المشكلات البنيوية ستختبر ثورة أو ثورة مضادة، وينتهي الموضوع عند هذا الحدّ، فهو واهم بالتأكيد.
هذا المسار قد يمتد لعقود مقبلة، وكلما تمّ قمع الاحتجاجات وتجاهل المطالب تراكمت ككرة لهب، لتكبر وتنفجر بشكل أخطر في المستقبل، إيقاف المسار الحالي أمر شبه مستحيل، إلا بإصلاح الخلل البنيوي، ما يسمى ثورات مضادة أو انقلابات لا يمكن لها الوقوف بوجه هذا المسار، لسبب بسيط ألا وهو أنها جزء من المشكلة التي أدّت إلى الانتفاضات والثورات، وبالتالي فإن جلّ ما يمكن لها أن تحققه هو أن تؤخّر المسار في مقابل تداعيات أكبر في المستقبل.
المشكلة الأساسية أن السلطة غير مستعدة للتنازل عمّا تعتبره ملكية خاصة، حتى وإن أدى ذلك إلى حرب أهلية ودمار البلاد وانهيار كل شيء، لكن خلاصة القول هو أنه كلما عجّلت هذه الانتفاضات في تحقيق أهدافها، استطاعت أن تنقذ البلاد من دمار مستقبلي أكبر، لا أحد محصّن منه باعتقادي، بما في ذلك الدول التي قد تعتبر أنّها عصيّة على مثل هذا الأمر، إنها مسألة وقت فقط لا غير!
وسوم: العدد 850