نامصة الشمط وكاحلة السبط
عبد الله المنصور الشافعي
بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
لعل عامة من سيقرأ هذه المقالة الموجزة يكون لها كارها (وأكثرهم للحق كارهون) فكلمة الحق إذا تواردت على غير ما تشتهيه النفس وغير ما استقر فيها وألفته واطمأنت إليه وتخيلته فإن النفس تشمئز منها وتمجها وتردها .
قبل نحو عامين ونصف حذرت المعارضة السورية وراسلت كل من استطعت مراسلته وكابدت الليالي فيها حتى هجمت والله العين فما أبرح قطر عيني "بالريفاميسين" فأرى إثرها العالم أصفر على غير اللون الذي تراه أحمر, حذرتهم من تلكم النتيجة التي أنا بصدد طرقها علانية وأن تطاول الزمن في الثورات فساد من كل وجه ولست أشك أن غيري وخاصة المعارضة يتعرض لها بل ربما هي جل اهتمامه مع الغرب ولكن بطريقة أخرى ونظرة قُصرى .
أمر الشارع بالتدبر والتدبر كثرت فيه تعاريف العلماء ولم أجد في عامة تفاسيرهم شفاء غليل وإنما التدبر من الدبر والادبار فكان الأمر بالتدبر هو أمر بتقليب الأمر الوارد قبلا لدبر فإن من عادة العدو المخادع أن يتأبط سلاحه أو يخفيه في زناره فوق عجزه فأمر الله تعالى بتدبره أي النظر في خلفه وكنت العرب عن الإمعان في هذا بالتدبر أي ينظر حتى في دبر الشيء والذي هو من الإنسان حلقة السه وليست قطعا هي المراد بل هو مجاز عن المبالغة في النظر في خلفية الأمور وعواقبها فهذا عندي هو تفسير التدبر .
أنقل بين يدي مقالتي جلل نقله للتو أحد الناشطين من حمص : "اعتصام الموالين للنظام السوري بمنطقة السوق وسط حمص لمنع إدخال الأغذية إلى الأحياء المحاصرة" فحتى مع اعتقاد البعض أن هؤلاء المعتصمون ممن انعدمت فيهم أدنى أدنى أمارة من إنسانية أو حياء أو حتى تصنع لدبلوماسية هم من جند النظام فإني أقول ما أنتم صانعون بهؤلاء ياسادة !!؟ ... عندما راسلت المعارضة رجوتهم أن يقنعوا الغرب (وبينت بعض السبل وقدمت المقترحات) بخطورة عاقبة التأخير وعدم التدخل الفوري, فإن العمل الأول بل ربما الوحيد للمعارضة السورية كان صناعة الخطاب المناسب الذي يحمل الغرب والرأي العام العالمي على القبول بالتدخل الجوي الفوري لاسقاط هذا النظام أو حتى على الأقل لإلجائه على ما أرادته المعارضة نفسها أي الحل السلمي ونقل السلطة فمع مرور الزمن استطاع النظام خلق ما أراد من شقة وهوّة بين طوائف الشعب بإقناع طائفته وحملها على الدخول معه في معركته حتى أضحكت معركة النظام معركة الطائفة كلها (وأشهد الله تعالى أني استخدمت نفس معنى هذه العبارة في مقالتي إليهم قبل عامين ونصف) وبالمقابل أوجد الظلم الفادح والقتل الجامح عند عامة الشعب رغبة باستئصال الطائفة كلها ويكفي أن أحدهم قال : تريد استصلاحهم يا شيخ فهذا ما فعلوه في حمص فقط لأجل إدخال الغذاء !!! . فما الحل ؟
أعود فأقول ما كان حلا سهل التحصيل والنوال في إينه فإنه لم يزل الحل رغم تعذره وبينه, فالذي يتوجب توجبا حتميا تاريخيا أخلاقيا على هذه المعارضة فعله هو العمل على صياغة خطة وخطاب توضح فيها للعالم أجمع مدى تعذر الحوار مع رموز هذا النظام وأن بقاء هؤلاء كبقاء خلايا السرطان في جسم كائن حي وكنسيان الطبيب لآلة الجراحة في جوف المريض فحتى نستطيع كأمة العمل على بث روح الإخاء والوحدة في أهل الشام لحد يقدر الناس معه على التعايش جميعا فلا بد من بتر الجزء المفسد والمحرض على التفرقة هذا الجزء المجرم الذي تسبب في قتل وسجن وإعاقة أكثر من نصف مليون سوري وتشريد عشرة ملايين أو يزيد إنه لا مناص من محاكمة هذه الشرذمة وإسقاطهم ولا مندوحة عن استئصال هذه الخلية السرطانية وكل حوار معها يزيد من تمكنها وشرعيتها وتأصيل الفرقة وتعميق الخلاف وتغذية الفتنة مع التأكيد على رضى المعارضة بمحاور آخر من الطائفة وعنها ولا حرج في تعيينه مالم يكن من تلكم الغثرة المذرة والحثالة القذرة لا بد من تمييز أئمة الطاغوت في سوريا عن الطائفة وعن الشعب لا بد من التأكيد أن هؤلاء هم من يعمق الشقاق ويحول دون الوفاق وأن هؤلاء وقبل كل شيء لا حل لهم ولا معهم غير القوة كما هو الحال في ورم الكيس الكليوي لا تنفع معه الأشعة ولا الدواء الكيماوي ولا بد من استئصاله .
وإلا فأنبؤوني يا سادة ما أنتم فاعلون وكيف ترون رأب الصدع والتوفيق بين الخلق ؟