جنيف 2 - الطريق إلى أوسلو السوريّ؟
جنيف 2 - الطريق إلى أوسلو السوريّ؟
محمود صالح عودة
عارض معظم الثوّار السوريّون في الداخل إن لكم يكن كلّهم المفاوضات مع نظام بشّار الأسد منذ طرحها لأوّل مرّة كخيار لحلّ الأزمة السوريّة، ولم يقتصر الأمر عليهم، فقبل بضعة أيّام من افتتاح المؤتمر تردّد الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السوريّة – الهيئة الجامعة للمعارضة السوريّة في الخارج - في قرار المشاركة فيه، حتى تمّ الضغط عليهم علنًا من قبل الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للمشاركة، وبعد أن رضخوا لتلك الضغوطات تمت استقالات وانسحابات عديدة من الائتلاف، على رأسها انسحاب "المجلس الوطنيّ السوريّ".
هدّدت الولايات المتحدة وبريطانيا قادة الائتلاف في الخارج بعدم الاعتراف أو القبول الدولي في حال عدم مشاركتهم في المؤتمر ووقف الدعم لهم، في إشارة واضحة مفادها أنّ اللعب على الساحة الدولية يتمّ بشروط "الكبار".
ولأنّ ليس كلّ "الصغار" يرضخون لتهديدات "الكبار"، تم انسحاب كتلة تقارب الـ40 شخصًا من الائتلاف، كان من بينهم زياد حسن، رئيس الحركة التركمانيّة المعارضة، الذي ذكر بعض النقاط المهمّة والحسّاسة إزاء ذهاب الائتلاف إلى المؤتمر، من خلال توضيح أسباب استقالته، ومنها على حدّ قوله: "بُعد الائتلاف عن الشارع الثوريّ، والانفصال عن واقع الشعب في الداخل السوريّ، إضافة إلى المشكلة البنيوية في الائتلاف، والمتمثلة بسيطرة فئات معينة، بعضها بعيد كل البعد عن الثورة، وعن تطلعات الثوّار السوريّين"، وأضاف أنّ من بين الأسباب: "عدم وجود أفق لأيّ انفراج أمام ما يعانيه الائتلاف من مشكلات بوجود القيادة الحالية"، قائلاً إنّ: "هناك مشروعا عامًا يسود بلدان الربيع العربي والمنطقة برمتها، ويتلخّص هذا المشروع بالقضاء على التيّارات الوطنية الراغبة بالقضاء على الديكتاتوريّة، وتحقيق التنمية في البلاد".
كما ذكر أنّ الحركة التركمانيّة ترى بأنّ "الائتلاف يسير باتجاه خدمة هذا المشروع المعادي لأمّتنا جمعاء، وذلك عبر مسرحية ما يسمى جنيف 2"، وأوضح أنّه وحركته "مستمرّون بخدمة الثورة السوريّة أينما كانوا، وبأي طريقةٍ كانت، فالثورة السورية حلم العمر، وهي مشروع أمّة تتشوّق لرؤية فجرها السعيد، أكثر من مليار ونصف من المؤمنين في كلّ أصقاع الأرض."
لقد أعطى ذهاب بعض المعارضين السوريّين أو المحسوبين على المعارضة إلى مؤتمر جنيف 2 مزيدًا من الشرعيّة لنظام الأسد الإجراميّ، بعد أن قد حصل عليها من حلفائه الدوليين الذين يقفون معه علنًا والذين يتظاهرون بمعارضته ويقفون معه سرًا كالولايات المتحدّة. فلم يعُد يخفى أنّ الإدارة الأمريكيّة وبعض حلفائها معنيّون ببقاء نظام بشّار الأسد، فلو أرادوا إسقاطه لفعلوا منذ استخدامه السلاح الكيميائي الذي كان يعدّ "خطًا أحمر" بالنسبة لأوباما، وإذ بالخطّ الأحمر يتحوّل إلى مفتاحٍ لـلشرعيّة والقبول الدولييْن، ويتمّ الطلب من النظام بتسليم ما تبقّى من الأسلحة الكيماويّة بعد أن قتل في بعضها آلاف الأبرياء في سوريا، وليس في إسرائيل، وهناك أنباء عن بقاء بعض الأسلحة لدى النظام.
لقد وضع الذاهبون إلى جنيف أنفسهم في خانة مظلمة لا خروج منها إلّا بقرارات ضدّ الشعب السوريّ ومع النظام ومن يرعاه من دول العالم، وقد ذكّرنا حالهم ووضعهم بحال ووضع الذاهبين إلى أوسلو ليلهثوا وراء سراب الوعود الأمريكيّة-الإسرائيليّة الكاذبة، فأدخلوا أنفسهم في خندقٍ واحد مع المحتلّ ضدّ الشعب الثائر المقاوم، ليقطفوا ثمار انتفاضته على الظلم والاحتلال الغاصب قبل وقتها، ويمهلوا عدوّهم بعض الراحة ومزيدًا من الوقت للبقاء، ونهب الأراضي، والاستيطان والتمكين في أرضهم المحتلّة.
هكذا الحال، أو هكذا قد يكون الحال السوريّ في حال استمرار جنيف 2 وتطوّرها، فمن الواضح أنّ الأمور تتّجه في صالح النظام وليس المعارضة في المؤتمر، ومن الواضح أنّ الحلّ السياسيّ ليس في الأفق، فحتى القضايا الإنسانيّة لم يتمّ الاتفاق عليها، ولن يتمّ بتقديري، وإذا لم يتمّ حلّ القضايا الإنسانيّة فمن شبه المستحيل حلّ القضايا السياسيّة والعسكريّة، خاصّة في ظلّ تحريض طائفيّ.
إنّ الحلول السلميّة والسياسيّة مرغوبة ومطلوبة وأفضل بكثير من الحلول العسكريّة، لكنّنا لا نعيش في عالم مثاليّ، فما زال العالم يُحكم بالقوّة، وهذا ما يفهمه جيدًا الثوّار السوريّون المجاهدون، ولهذا لم يحضروا جنيف 2، ولهذا حذّروا بل هدّدوا المشاركين فيه.
وبالرغم من أنّني لست مع فرض الآراء والمواقف، إلّا أنّني أتفهم موقفهم إن كان مبنيًا على سوء ظنٍّ مبرّرٍ من مستقبل يشكّل فيه بعض الذاهبين إلى جنيف "سلطة وطنيّة سوريّة" ترضخ لإملاءات الاحتلال الأسديّ وتنسّق معه أمنيًا لتحارب الثورة السوريّة لنيل الحريّة وكسر أغلال العبوديّة.
فمن الواضح أنّنا ما زلنا أمّة لا تتعلّم من ماضيها ولا تستخلص عبَر التجارب السابقة، وتُلدغ من نفس الجحر ألف مرّة، وحتّى لا يستمرّ هذا المسلسل الهزليّ فلا بدّ من إساءة الظنّ أحيانًا، خاصّة بمن لهم تاريخ طويل في محاربتنا وخداعنا.