بين الواقع والتّنظير
نشر الأديب الكبير محمود شقير يوم الاثنين 9-3-2020على صفحته في "الفيس بوك" موضوعا جاء فيه:" سأقوم خلال الأيام القادمة، بعد التشاور مع أبناء عائلتي بنشر وثيقة موقعة منهم، تحصر المخالفات الشخصية سواء أكانت مخالفات تهدد النسيج الاجتماعي لشعبنا، أو ما له علاقة بالمطالبات المالية، أو بحوادث السيارات أو الاعتداء على الآخرين، في شخص مرتكبها، ويكون هو المسؤول مباشرة عن أفعاله.
وفِي حالة المطالبات المالية يكون والده أو شقيقه هو المسؤول عنه، ولا علاقة لأبناء العمومة أو الأقارب بذلك."
وهذه المبادرة الرّائعة ليست جديدة على أديبنا المتميّز، فقد عرفناه منذ نعومة أظفاره إنسانا عاقلا يدعو إلى المحبّة والوحدة والإخاء والتّآلف. ومبادرته هذه ليست تنظيرا ولا تسجيل مواقف، بل هي انعكاس صادق لثقافته ومسلكيّاته ومفاهيمه.
وهنا أجد نفسي مضطرا لتبيان موقف الأعراف العشائريّة من دعوة أديبنا شقير، فالعرف العشائري يقول:"الفاينة-الأمر المعيب- في رقبة صاحبها"، والمقصود هنا هو من يعتدي على أعراض أو ممتلكات الناس كالسّرقة والبلطجة والتّقشيط والنّصب والاحتيال"، فإن تبعاتها في رقبة مرتكبها، وعائلته بمن فيهم إخوته غير ملزمين بها، لكنّهم مطالبون بإعادة الحقوق إلى أصحابها، كأن يقوموا ببيع ممتلكات ابنهم الجاني ودفع ما يترتب عليه من مستحقّات، وإذا رأوا أنّ ابنهم منحرف فإنّهم مطالبون بالبراءة عنه حسب العرف والعادة قبل أن يرتكب أيّ جنحة، وبالتّالي فإنّ لا أحد يطالبهم بأيّة حقوق على أيّ جريمة يرتكبها ذلك المنحرف. وكذلك الأمر بالنّسبة لحوادث الطّرق. أمّا أن يتخلّوا عنه في جريمة كبرى ويحتضنونه في أمور أخرى فهم بهذا يضحكون على أنفسهم قبل أن يضحكوا على غيرهم.
وعودة إلى العشائريّة، فمجتمعاتنا ومؤسّساتنا وحتى الأحزاب والتّنظيمات، وحتّى بعض الحكومات في عالمنا العربيّ فإنّ العشائريّة هي السّائدة فيها، وهذه ثقافة مجتمعاتنا-مع الأسف-، والعادة والأعراف أقوى من القانون، والعشائريّة سدّ منيع أمام تطوّر شعوبنا، ومع ذلك فقد يكون لها دور رياديّ في حلّ الخصومات في بلادنا التي تئنّ من ويلات الاحتلال، وهي أولى من اللجوء إلى شرطة ومحاكم الاحتلال، وليت المتعلمين الذين لا يؤمنون بالعشائريّة يعتذرون لضحايا مجرمين وجناة من أبناء عائلاتهم، أو على الأقل ليتهم أوصلوا للضحايا استنكارهم للجريمة؛ ليخرجوا أنفسهم من تبعات الأعراف العشائريّة، بدلا من أن ينصّبوا أنفسهم ناطقين باسمهم ومدافعين عنهم.
وسوم: العدد 867