الدوحة والبصرة
غربت شمسُ سنة الفان وتسعة عشر ، وأشرق عام ألفان وعشرون ، وتتابعت الأحداثُ سراعا ، وأصبحنا في شهر آذار ، فكأنما شمـّر عن ساقيه وقفز لاهثا أمام الشهرين السابقين ، وما زال البَرْدُ يلاحقه بسوطه .
بدأ العامُ بالطاعون وبهلاك ثلاثة طواغيت ، وقد حاصر وقتل وسجن ، وانشغل الناس بالحديث عن المخاوف والتساؤل عن مدة زيارة هذا الوباء ، والكثير يتداول الأمر بسخرية وهزل ، والعقلاء يرسلون توجيهاتهم الصحية والنفسية والدينية ودعوة الناس للإستغفار والتوبة والتضرع لله لقوله تعالى (فلولا جاءهم بأسنا تضرعوا ... ) فلا ينبغي الهزل والحالة هذه .
خلال هذه الفترة المشوّشة ومتابعة الأخبار وزيارات الأقرباء وعطلة المدارس وإغلاق المحالّ التجارية والإشاعات ومتابعة العلماء ومنهم على سبيل المثال العالمين الجليلين أحمد نوفل وبسام جرار واللذان يحملان لنا دوما الحقائق والعلوم والبشريات على سفينة اليرموك الفضائية ... خلال هذه الأحداث كنت قد أنهيت قراءة رواية (الحدقي) للكاتب الوقور احمد فال ولدالدين ؛ فما أحببت أن تنتهي .
حكت الرواية عن الدوحة والبصرة والتشابه بينهما في أمور كثيرة بالرغم من بعد المسافة الزمنية والتي تقارب ألفاً ومائتي عام .
شعرت أثناء القراءة أنني أتنقّل عبر آلة الزمن الخيالية بين الدوحة والبصرة ذهاباً وإياباً غير أنني ما كنت أحب العودة إلى الدوحة حينما يعود الكاتب للكتابة عنها ، أو أنني أكثر اشتياقاً للبصرة بالرغم من حساسيتي لماء الورد الفارسي ؛ أو حبي للزمن الأول أولى ؛على الرغم من محبتي لقطر وبني تميم .
لما كان الجاحظ – زمن احمد بن حنبل الذي ثبت في مسألة خلق القرآن- يتجول مع صديقه في طرقات البصرة وأسواقها يبحثون عن الكتب لشرائها ويحضرون المناقشات والمجادلات في المساجد وغيرها من أمكنة كنتُ أتخيل نفسي بينهم وأشعر بسعادة ممزوجة بحسرة وشوق وأتساءل : متى تعود تلك الأيام التي كنا نقود فيها ولا ننقاد ؟
نتضرع إلى الله أن تكون نهاية هذا الوباء خيرا ، فلربما لن يرحل حتى يوطأ لنظام عالمي موحـِّـد ولقائدٍ يسوق الناس بعصاه .
وسوم: العدد 868