نظام الأسد لا يقصف "داعش"..

نظام الأسد لا يقصف "داعش"..

ودعوة الجهاديين إلى فلسطين

سليم البيك

أثناء خروج وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، أو هروبه كونه خرج مطأطئ الرأس مسرعاً محوَّطاً وممسكاً بمرافقيه، سأله أحد الصحافيين ما لن يودّ أي مسؤول في نظام الأسد سماعه وَشوَشةً.

مصوّباً الكاميرا على وجه الوزير الذي ‘جاهد’ لإزاحة نظره عنها، سأله أحد الصحافيين السوريين أحد عشر مرّة عن سبب عدم قصف النظام لـ ‘الدولة الإسلامية’، عن سبب عدم قصفه لمقرات ‘داعش’ في الرقة، عن عدم محاربة النظام لـ ‘داعش’، عن مواصلة رمي البراميل المتفجرة على الأهالي في حلب في حين لم يرمِ ولم يقصف النظامُ ‘داعشَ’ في مكان؟!

هذا السؤال هو الأقدر حالياً على إقلاق راحة النظام، المستفيد الأول والأخير من ظهور ‘داعش’ أساساً، ومِن سلوكها الإجرامي على الأرض ومِن مقاتلتها كتائب المعارضة ومن إعتقالها وقتلها لنشطاء مدنيين وعسكريين معارضين للأسد ونظامه، وهو أشد ما يحتاجه النظام، علماً أن مساندة ‘داعش’ لهذا النظام تقوى كلّما زاد بطشها وإجرامها وكلّما أظهرت ذلك متعمّدة للعالم، هي المساندة الأكبر لادعاءات النظام بأنه ‘حامي الأقليات’ (مبيد الأكثرية!) من وحوش ‘داعش’، وأن لا معارضة غير ‘داعش’، التي أطلق الأسد قياداتها هي و’النصرة’ من السجون في إعفاء رئاسي شهير لم يشمل النشطاء المدنيين والمثقفين المعارضين بحق، نظام لأسد.

‘داعش’ المطمئنة بأن الأسد لن يحاربها ولن يقصف مقراتها طالما تفعل هي ما اتفقت عليه ‘ضمنياً وتوافقياً حتى تنكشف أي اتفاقات مكتوبة’ مع النظام، بأنْ: حاربي المعارضة المدنية والمسلحة في مناطق سيطرتك ولا تقتربي مني وأنا، الأسد، أحاربهم في مناطق سيطرتي ولا أقترب منك.

لا يريد أن يرى مؤيدو النظام وشبيحته تلك الحقائق. لا أذكر آراء هنا بل حقائق امتلأ الإعلام والإنترنت بها. ليسأل أحد هؤلاء نفسه، لماذا لا يقصف النظام ‘داعش’، في الوقت الذي يستطيع أن يقصف فيه، ويفعل، كما يفعل بالمدنيين على امتداد الأرض السورية؟ 

ألم تهدّد ‘داعشُ’، قبل أسابيع بأن تسحب عناصرها من جبهات الاشتباك مع النظام إن استمرت ‘الجبهة الإسلامية’ المعارضة للنظام في قتالها؟ من تقاتل ‘داعش’ إذن؟ وبناء على تهديدات ‘داعش’، إضافة لكل ممارساتها تجاه المعارضة المدنية، ماذا تكون أولويتها إن هدّدت بسحب قواتها من الاشتباك مع النظام ولم تهدّد في قتالها المزعوم مع النظام بأن تسحب قواتها من الاشتباك مع المعارضة؟ هذا تفصيل أساسي يوضّح أولويات ‘داعش’ في قتالها، هذا طبعاً إن افترضنا أنها أساساً تقاتل النظام!

السلطة تدعو الجهاديين إلى القدس

على قناة ‘فلسطين’، خطب مؤخراً وزير الأوقاف الفلسطيني محمود الهباش عن ‘الذين اختطفوا مخيم اليرموك’، قائلاً إن ‘المقاومة والجهاد ليسا في مخيم اليرموك، من يريد ذلك فقبلة الجهاد معروفة’، في تغليف ديني للحملة التي تشنّها السلطة وعجزها عن حمايةٍ ولو معنوية أو إعلامية لفلسطينيي المخيم من حصار وتقتيل النظام السوري لهم، فيغطّون هذا العجز بحملة تشنّها على ما أسماه إعلام النظام السوري بالمسلحين داخل المخيم.

يضيف الوزير الخطيب أن ‘على الذين يرسلون الشباب إلى سوريا.. عليهم أن يكفّوا وأن يدركوا أن القدس لا تزال تنتظر’.

هل مناداة السلطة الفلسطينية للجهاديين للقدوم إلى فلسطين صادقة في حين يعتقلون مقاومين فلسطينيين من بيوت أهاليهم لأنهم مطلوبون لجيش الاحتلال وبالتالي للأمن الفلسطيني؟! وهؤلاء فلسطينيون مقاومون ينتمي معظمهم إلى حركتَي ‘حماس و ‘الجهاد’ الإسلاميتين، وهما حركتان ‘تروتسكيّتَان’ بالمقاييس ‘الداعشيّة’ بالمناسبة!

إذن قبل أن تكون السلطة صادقة في دعوتها عبر وزير أوقافها، لتطلق أولاً سراح المقاومين من أبناء الحركتَين وغيرهما من سجونها ليبدأ إسلاميو فلسطين ‘الجهاد’، فلا نضطر لمناداة البغدادي والكشميري إلى بلدنا.

‘حماس و’الجهاد’، بالمناسبة أبعد عن ‘داعش’، مما هي عليه السلطة، لا أتكلّم عن أسلوب حياة شكلي بل عن حركتين مقاومتين لهما مبادئ وضوابط أخلاقية وسياسية واضحة (مع ملاحظاتي الكثيرة على حماس في غزّة)، وعن تشكيلات انتهازية تبحث عن بعقة أرض تفرد عليها سلطتها وتفرضها على الناس.

الجهاديون متطرفون ولا يفترقون عن الفاشيين (قل البعثيين) في مدى التخريب والترهيب من أجل إقامة سلطتهم، أو التمسك بها. هؤلاء يخرّبون على أي ثورة يشعلها أبناء البلد كالسوريين، يشوّهون صيتها ويصبّ كل إرهابهم في صالح النظام القائم.

إن حصل وأشعل الفلسطينيون انتفاضة ثالثة في بلدهم وقدِم إليها هؤلاء بدعوة وزير الأوقاف، فإن الانتفاضة ستواجه ثلاثاً: جيش الاحتلال ومؤسساته (بما فيها الأحزاب من الليكود إلى الشيوعي الإسرائيلي)، والسلطة الفلسطينية (بما فيها الحرس القديم في حركة فتح)، والجهاديين (بمن فيهم الدولة الإسلامية في العراق والشام وأكناف بيت المقدس، ومحمود الهباش).

هذا هو الحال في سوريا، وهو كذلك في فلسطين، أهالي البلد يشعلون انتفاضتهم مصحوبين بكل الأسباب الكافية والموضوعية لذلك، ‘يشرّف’ الجهاديون بدعوة من النظام الحاكم، ليعيثوا في الأرض إرهاباً على أمل أن ‘يحنّ’ الناس للنظام السابق؟!

هجوم الشريان على دعاة الفتنة

انتشرت على ‘اليوتيوب’ الفقرة التي واجه فيها داوود الشريان في برنامجه ‘الثامنة’ على ‘إم بي سي’، شيوخ ودعاة الفتنة في السعودية من يدعون الشباب للجهاد في سوريا، منفعلاً سائلاً لمَ لا يرسلون أبناءهم طالما أنهم يتكلمون عن جنة سينالها القتلى من هؤلاء الشباب في أفغانستان والعراق والآن سوريا التي لن يفلتوا منها بعدما أفلتوا مما قبلها.

الشريان و ‘إم بي سي’ لن يخرجا عن الخط السياسي العام والضيق للنظام السعودي، كنظام سياسي وديني واجتماعي يدين بكلّيته للعائلة الحاكمة، وخطاب الشريان المفاجئ، وعلى هذه القناة، لن يكون ممكناً لو لم يُوعز له، تضميناً أو تصريحاً، بذلك.

علاقة الدولة السعودية بالجهاديين ودعاتهم منذ أفغانستان إلى سوريا اليوم مطروحة بشكل غير منقطع في الصحافة الغربية، وبالتالي مسألة الهجوم الإعلامي المفاجئ عليهم من منطق موالٍ للنظام في السعودية تعوزها كثير من المصداقية.

لكن بغض النظر عن المذيع والمحطة (مع نفوري دائماً من افتراضيات غض النظر)، أوافق تماماً على ما قاله الشريان، على أن هؤلاء دعاة فتنة وأنهم وأبناءهم آخر من يذهب للجهاد لنيل الجنة، أخيراً، أوافق تماماً إن لم يكن منطق الخطاب هذا مُستمدا ومحمّيا من النظام السعودي، كنظام ديني متشدّد له مصالح سياسية هنا وهناك مستخدماً جهاديين لتنفيذ هذه المصالح، وليست المسألة السورية حالياً إلا آخر الأمثلة.

احتفاء ‘الميادين’/داعش بالطفل المجاهد

أخيراً، كي لا يكون المشهد بهذه القتامة، كي لا يكون الإعلام العربي مليئاً بالنكد، هنالك دائماً ما يثير الضحك (أو السخرية بحدها الأدنى) في قناة ‘الميادين’ أحبّ أن أشاركه في هذه الزاوية.

فقد عرضت القناة مقطع فيديو عن أحد عناصر ‘داعش’، وهو يطلق النار قبل أن يتكلّم للكاميرا وهو ‘يفصفص بزر’، اسمه أبو بكر البغدادي، أما عمره فهو أربع سنين، محتفية به وبالخبر والتقرير، في نشراتها، كما في موقعها الالكتروني، محتفية به احتفاء ‘داعش’ به، ويزيد.

تفعل ‘داعش’ ذلك ‘مش فارقة معها’، لكن القناة هذه المفترض أن تكون مؤسسة إعلامية لها حدها الأدنى من المهنية والجدية والمصداقية في تناول المواضيع وفي احترام عقل مشاهدها، تجعل من نفسها أضحوكة في احتفائها بأخبار كهذه: أصغر مجاهد في ‘داعش’ أبو بكر البغدادي ابن أربع سنين!

قد أصدّق أن الفيديو نشرته ‘داعش’، هم جماعة من المجانين والمجرمين، لكن كيف تسميه القناة بالمجاهد؟ كيف تتبنى القصة وتنقلها لمشاهدها؟ تفعل ذلك في وقت تتجاهل فيه كلّية أخبار الحصار والقتل في مخيم اليرموك قبل أن تطرحه بأسلوبها التلفيقي، ثم تتجاهل كلّية قصف المخيم وباقي المناطق السورية بالبراميل المتفجرة في تزامن مع نشرها هذا الفيديو، كما تتجاهل كلّية التقرير والصور، التي وصلت للعالم من معتقلات الأسد عن أساليب التجويع والتعذيب والقتل السادية داخل هذه المعتقلات؟

مُشاهد ‘الميادين’ سيعرف عن الطفل ويصدّق خطاب ‘الميادين’/داعش أنه يقاتل الكفّار، لكنه لن يعرف عن كلّ ما ذكرت.