انتهاكات جسيمة ومروعة لحقوق الإنسان في 2013
انتهاكات جسيمة ومروعة
لحقوق الإنسان في 2013
عباس سرحان
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
شهد عام 2013 تراجعا مروعا في ملف حقوق الإنسان في عدد غير قليل من الدول. لكن الانتهاكات كانت جسيمة في بلدان محددة وخصوصا سورية والعراق والبحرين والعربية السعودية ومصر وبورما.
سوريا
ففي سورية أكدت بعض دراسات المتابعة الميدانية أن جثث القتلى من مدنيين ومسلحين وعسكريين تركت في الشوارع في مناطق الحرب، ما يكشف عن مدى ضراوة النزاع، فيما يعيش النازحون واللاجئون السوريون ظروفا بالغة الصعوبة لا تقل عن المصاعب التي تواجه المدنيين في مناطق المواجهات المسلحة.
وفيما أوقفت الأمم المتحدة إحصاء القتلى في هذا البلد، فالأرقام مرجحة للتزايد باستمرار وهي قد تجاوزت 100 ألف قتيل من مختلف شرائح المجتمع السوري.
ومما جاء في تقرير للمنظمة السورية لحقوق الإنسان، أن سورية تشهد في كل 10 ساعات ونصف موت شخص من الجوع، فيما يموت شخص من البرد في كل 8 ساعات ونص، وفي كل 50 دقيقة تشهد وفاة طفل في سوريا، وفي كل ساعة و45 دقيقة تموت إمرأة، وفي كل 30 دقيقة يموت أحد الرجال وتخسر إحدى العوائل معيلا لها.
واتخذ الصراع في سورية طابعا طائفيا بامتياز في 2013 بعد أن بدأ بمطالبات سياسية، فقد استهدفت الجماعات المسلحة المتطرفة المسيحيين فقتلت العشرات منهم كما اختطفت عددا من الراهبات واحتلت وخربت مدينة معلولا وهي من أقدم المدن التاريخية المسيحية.
فضلا عن شن الجماعات المسلحة المتطرفة هجوماً على بلدة عدرا شمال شرق العاصمة دمشق، وذبحت الحارس المناوب في المستوصف، وعلقت رأسه في السوق التجار، لتقوم لاحقا بقتل العشرات من العلويين بدوافع طائفية دون أن تستثني الرجال والنساء.
وتحدث ناشطون عن حصول مجازر بحق أهالي مدينة عدرا العمالية بعد احتجازهم في غرف صغيرة داخل الأبنية السكنية، وأكدوا على وجود جثث لمدنيين ملقاة في الشوارع.
وواصل الجيش السوري استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات في قصف مناطق آهلة بالسكان ينتشر فيها مسلحون ما أدى إلى إصابات مباشرة في صفوف المدنيين بينهم عدد كبير من الأطفال وتعد البراميل الحارقة من أخطر الأسلحة التي استخدمت العام الماضي من قبل القوات الحكومية.
العراق
وكان عام 2013 بالنسبة للشيعة في العراق من أكثر السنين دموية بسبب استخدام مئات السيارات المفخخة ضد تجمعات المدنيين الشيعة في مناطقهم المختلفة، فيما تحولت بعض تلك المناطق إلى أنقاض من كثرة وشدة التفجيرات التي استهدفتها، مثل قضاء طوزخرماتو.
وأكدت منظمات عراقية مهتمة، إن عام 2013 كان أكثر الأعوام دموية، في العراق منذ سنوات، وان أعداد الضحايا الشيعة في البلاد فاق من سقطوا في سوريا بخمسة أضعاف، وطالبت تلك المنظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي باتخاذ قرارات أكثر حزماً لحفظ دماء العراقيين.
وبحسب أرقام وزارات الصحة والدفاع والداخلية فإن 7154 شخصا قتلوا في العراق في أعمال العنف المتفرقة على مدار العام 2013 وهو أعلى معدل سنوي رسمي منذ 2008 حيث قتل آنذاك وفقا للمصادر ذاتها 8995 شخصا. ومن بين المقتولين في عام 2013 نحو ألف شخص قتلوا في كانون الأول الماضي وحده هم 85 عسكريا و60 شرطيا 800 مدنيا.
لكن منظمة "ايراك بادي كاونت" البريطانية المتخصصة قالت في تقرير لها أن أرقام القتلى في العراق فاقت ما أعلنته السلطات العراقية، وبينت أن عدد قتلى في العام 2013 يشكل على الأقل ضعف عدد ضحايا السنوات الثلاث التي سبقت. مشيرة إلى مقتل 9475 شخصا مقارنة بمقتل 4574 في سنة 2012. وتابعت المنظمة في بيانها أن سنة 2013 هي الأعنف منذ 2008 حين قتل أكثر من 10130 شخصا في تلك السنة، بعد انخفاض معدلات العنف القياسية في عامي 2006 و2007 علما أن النصف الثاني من 2008 كان اقل عنفا من النصف الأول.
السعودية
وفي المملكة العربية السعودية استمر التضييق على مواطنيها الشيعة خلال 2013 واعتقلت السلطات العشرات من أبناء هذه الطائفة كما منعتهم من التعبير عن آرائهم عن طريق التظاهر واستخدمت العنف المفرط في فض بعض التجمعات التي نظموها.
وفي تطور غير مسبوق شنت السلطات السعودية في 2013 حملة واسعة ضد العمال الأجانب بحجة مخالفتهم لنظام الإقامة بعد أن أمضت شهورا في تصوير العمال الأجانب على أنهم مجرمون في وسائل الإعلام وقامت بإثارة المشاعر المُعادية للمهاجرين لتبرير الحملة الأمنية ضد العُمال.
وطالبت منظمة حقوق الإنسان الدولية هيومن رايتس ووتش الحكومة السعودية بكبح جماح المواطنين السعوديين الذين يهاجمون العمال الأجانب.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي للمنظمة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" إن عُمالاً إثيوبيين وافدين قد وقعوا ضحايا لاعتداءات بدنية، كان بعضها مميتا، في المملكة العربية السعودية، عقب حملة أمنية حكومية ضد العمال الأجانب. ويجري احتجاز الكثير من العُمال الذين يسعون إلى العودة إلى بلادهم في مراكز احتجاز مؤقتة دون طعام أو مأوى مُلائمين".
وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى خمسة من العُمال الإثيوبيين الوافدين في المملكة العربية السعودية. قال أربعة إثيوبيين في مدينة الرياض إن الهجمات ضدهم قد بدأت بعد يوم 4 تشرين الثاني 2013، عندما استأنفت السلطات حملة لإلقاء القبض على العمال الأجانب الذين تزعم انتهاكهم لقوانين العمل. وكانت قوات الأمن قد قامت بالقبض على عشرات الآلاف من العمال، ورحلتهم إلى بلدانهم.
وقال جو ستورك، نائب المدير لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "لقد أمضت السلطات السعودية شهورا في تصوير العمال الأجانب على أنهم مجرمون في وسائل الإعلام وقامت بإثارة المشاعر المُعادية للمهاجرين لتبرير الحملة الأمنية ضد العُمال. يجب على الحكومة السعودية الآن كبح جماح المواطنين السعوديين الذين مازالوا يهاجمون العمال الأجانب".
البحرين
وفي البحرين استمرت الانتهاكات والترهيب والاعتقالات والتفرقة الطائفية الممنهجة، ضمن الحملات الأمنية القمعية التي تستخدم فيها السلطات كلّ الإمكانات من أجل ضرب المواطنين والتنكيل بهم ومحاولة إخماد صوتهم في المطالبة بالتحول الديمقراطي في البلاد.
ولم تنفع الإدانات الدولية من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية خلال الفترة الماضية، حكومة البحرين من مواصلة هذه الانتهاكات وهو ما يحتم على المجتمع الدولي الدفع نحو الحل السياسي لإنهاء الخيار الأمني القمعي القائم.
وشهد العام 2013 اعتداءات مستمرة بالسلاح على المتظاهرين السلميين ولم تحترم هذه القوات حرمة المساجد والبيوت، والحسينيات، وهي تتعمد إغلاق الشوارع وتعطيل مصالح المواطنين واستعراض القوة ضمن أساليب النظام لترويع الآمنين.
واعتبرت منظمات حقوقية لجوء القوت البحرينية الى إطلاق الرصاص على مواطنين بهدف القتل سلوكا يكشف أن لا قيمة للمواطنين ولأرواحهم لدى هذه الأجهزة الأمنية ولا لمؤسساتهم ومساجدهم وبيوتهم وأحيائهم، وبات كل شيء مستباح وتحت سطوة عناصر القوات الذين ينتمي معظمهم لجنسيات غير بحرينية تتعمد الاستهتار بأرواحهم وحقوقهم.
وأصدرت المحكمة الجنائية البحرينية في 2013 مئات الأحكام بالسجن على مواطنين شيعة شاركوا بالتظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح، ففي أسبوع واحد من شهر تشرين الأول الماضي أصدرت السلطات البحرينية أحكاما بالسجن على 91 شخصا.
مصر
وشهدت مصر في 3 تموز 2013 قيام الجيش المصري بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي وعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وعطّل العمل بالدستور وقطع بث عدة وسائل إعلامية وكلّف رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور برئاسة البلاد. وتم احتجاز محمد مرسي، وصدرت أوامر باعتقال 300 عضو من الإخوان المسلمين. وجاء تحرك الجيش بعد سلسلة من المظاهرات للمعارضة المصرية طالبت بتنحي الرئيس محمد مرسي.
وترفض أطراف في المعارضة المصرية المؤيدة للتدخل العسكري ضد الرئيس المنتخب تسمية انقلاب حيث تعتبر ما جرى ثورة.
ولاحقا أصدر الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور قانونا بشأن التظاهرات والتجمعات العامة نددت به منظمات حقوقية معتبرة انه يقيد الحق في التظاهر وفي الإضراب.
وجرّم قانون منع التظاهر كل أشكال التجمع غير المرخص وهو ما اعتبرته بعض المنظمات "سعي إلى تجريم كافة أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك التظاهرات والاجتماعات العامة، ويطلق يد الدولة في تفريق التجمعات السلمية باستخدام القوة".
وخلال الثلاث سنوات الماضية، لعبت التظاهرات التي ضمت ملايين المصريين دورا محوريا في إسقاط نظامي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في شباط/فبراير 2012 والرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو الفائت.
وفي ظل عدم وجود برلمان بعد حله في صيف 2012 فان لرئيس الجمهورية المؤقت، الذي عين بموجب خارطة طريق سياسية أعلنت بعد عزل مرسي في 3 تموز/يوليو الماضي، إن يصدر قرارات بقوانين إلى حين الانتهاء من وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات تشريعية في الربيع المقبل.
وفي يوم الأحد ينظم أنصار الرئيس الإسلامي المعزول تظاهرات عبر البلاد في ذكرى مرور 100 يوم على فض السلطات بالقوة لاعتصامات أنصاره في القاهرة في اب/اغسطس الفائت.
بورما
أظهرت تقارير حديثة من وسائل الإعلام أن النساء الروهينجيات في ميانمار يجبرن على ممارسة الدعارة والرضوخ للعبودية الجنسية في القواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد. وتقول تلك التقارير أن قوات الأمن في ميانمار تختطف النساء والفتيات الروهنجيات وتجبرهن على العمل القسري والبغاء في القواعد العسكرية. ووفقا لما ذكرته وكالة أنباء "أراكان" تتعرض النساء للضرب والتخدير والاعتداء الجنسي من قبل رجال يرتدون زي الجيش في ميانمار. (المصدر وكالة أخبار المرأة).
في بورما ازداد الوضع سوءا فقد حصدت أعمال التطهير أرواح الآلاف وسط صمت المنظمات الدولية وأوردت بعض المنظمات أرقاما لعدد الضحايا:
أكثر من 10,000، قتلوا على أيدي البوذيين وأكثر من4000 غرقوا أثناء هروبهم عبر البحار فيما يقبع أكثر من 5330 سجين وسجينة يمارس عليهم أبشع أنواع العذاب، وهناك أكثر من 1200 روهنجي تم الاتجار بهم وبيعهم كعبيد في سوق النخاسة وهدمت أكثر من 320 مسجدا، وأكثر من 1223 مسجدا تم إغلاقه، وأكثر من 243 مدرسة تم هدمها، وأكثر من 643 مدرسة تم إغلاقها، وأكثر من 220,000، مشرد يعيشون ظروفا حالكة في مخيمات اللاجئين.
وشهدت بلدتا بوكتاو وكياوكفيو شبه طرد جماعي للسكان المسلمين فيما يمكن أن يكون بمثابة تطهير عرقي. وشهدت قرية مذبحة لعشرات المسلمين بينهم 21 إمرأة.
وتشير المقابلات التي جرت مع مسؤولين حكوميين وعسكريين ورجال شرطة وزعماء سياسيين وعشرات البوذيين والمسلمين على مساحة شاسعة من منطقة الصراع إلى أن ميانمار تدخل مرحلة أكثر عنفا من اضطهاد 800 ألف شخص معظمهم من مسلمي الروهينجا الذين يمثلون أقلية في دولة أغلب سكانها من البوذيين.
عاش مسلمو الروهينجا لأجيال في ولاية الراخين، إلا أن الراخين وآخرين من سكان بورما ينظرون إليهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنجلادش المجاورة لا يستحقون حقوقا أو تعاطفا. ويرفض الراخين تعبير "الروهينجا" ويصفونه بأنه اختراع حديث ويشيرون إليهم بدلا من ذلك "بالبنغال" أو "كالار" وهو تعبير فيه تحقير للمسلمين أو للناس من أصل جنوب آسيوي.
وتصاعد العنف خلال شهر أكتوبر ضد مسلمي الروهينجا. وأسفرت موجة سابقة من الاضطرابات في يونيو حزيران عن مقتل 80 شخصا على الأقل. وبعد ذلك فرضت حكومة ولاية الراخين سياسية فصل بين المسلمين والبوذيين في منطقة في مثل مساحة سويسرا.
ووفقا لإحصاءات رسمية فان أكثر من 97 بالمائة من 36394 شخصا فروا خلال أعمال العنف الأخيرة من المسلمين. ويعيش كثيرون الآن في مخيمات لينضموا إلى 75 ألفا معظمهم من الروهينجا الذين شردوا في يونيو. وأبحر آخرون إلى بنجلادش وتايلاند وماليزيا على قوارب متداعية وتشير تقارير إلى أن قاربين انقلبا وعلى متنهما ما يصل إلى 150 شخصا يعتقد أنهم غرقوا.
وليست هناك أدلة تشير إلى أن الحكومة القومية التي يهيمن عليها البوذيون تعزز العنف. إلا أنها توقعت فيما يبدو وقوع اضطرابات ومن ثم نشرت قوات بين القرى المسلمة والبوذية قبل شهر بعد شائعات بهجمات.
وقال شوي هلي مونج (43 عاما) شيخ قرية بيك تاي حيث تتكدس الأسر المسلمة الفقيرة في منازل من القش دون كهرباء "هذه عنصرية... يمكن للحكومة أن تحل ذلك إذا أرادت في غضون خمس دقائق. ولكنها لا تفعل شيئا."
الاستنتاجات
يرجح ناشطون حقوقيون في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات أن من بين أبرز أسباب العنف حول العالم شيوع مشاعر الكراهية بدرجة ملحوظة لأسباب تختلف من بلد لآخر، فهي ناجمة عن شعور بالتمييز والظلم في بعض البلدان، وبسبب الاختلاف الديني والمذهبي في بلدان أخرى، كما أسهمت التدخلات الخارجية بشكل واضح في إثارة النعرات والخلافات والصراعات في بلدان محددة.
وقد وجد المركز أن الأمم المتحدة لم تمارس دورا مهنيا حيال مختلف القضايا الدولية التي تسببت بأعمال العنف، فضلا عن أن القوى المؤثرة دوليا لم تكن راغبة في حل بعض النزاعات الدولية واكتفت بالمراقبة بوجود دول تتسابق على النفوذ في محيطها الإقليمي وتزود الجماعات المسلحة والمتطرفة بالمال والسلاح والتدريب وتغذية الخلافات المذهبية بأفكار متطرفة.
التوصيات
كان لزاما على مجلس الأمن الدولي أن يكون أكثر نشاطا في منع استهداف المسلمين في بورما، وحمل السلطات البحرينية والسعودية على احترام حقوق شعبيهما في التعبير والتظاهر، كما لم يدن المجلس الاستخدام المفرط للغازات المسيلة للدموع من قبل السلطات البحرينية ضد المتظاهرين السلميين.
وبرغم أن أعمال العنف في العراق وسورية تدار من جماعات مسلحة مدعومة من بعض الدول الإقليمية، لم يكن لمجلس الأمن الدولي موقفا قويا في إدانة الجماعات المسلحة والدولة التي تدعمها واكتفى دائما بمطالبة الحكومتين العراقية والسورية باحترام حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي نضم صوتنا إلى صوت المجلس بخصوص هذه المطالبة ونحث جميع الحكومات على توخي الدقة وعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين، ينبغي كذلك تشخيص أسباب العمليات الإرهابية المروعة التي تطال المدنيين في الأماكن العامة في العراق وسورية ولبنان ويجب على الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية العمل على قطع الإمداد والتمويل والمساندة الإعلامية التي تقدمها بعض الدول للجماعات المسلحة.