ذاهبون إلى جنيف ولكن .. بماذا .. ؟ ولماذا ..؟

شادي الخش

طيلة الشهور الماضية كانت المسألة محصورة في الإجابة على السؤال المعضلة :

هل نذهب الى جنيف أم لا نذهب ؟ وهل يجب أن نجلس للتفاوض مع من دمر سوريا وشعبها أم لا ؟

الأن وقد بات الأمر نهائيا وتم إتخاذ القرار بالذهاب ، أليس من الواجب التركيز على المحددات والآليات التي سيتم التفاوض بناء عليها ؟ سواء من الموافقين أم من الرافضين ، فالموقف لم يعد يحتمل الفرقة وتشتيت الرأي ، الأمر برمته وضع على طاولة تم إعدادها بعناية لتكون فخاً لأحد الطرفين ، وتكاتف القوى الأن وتوحيد الموقف سيكون عاملا حاسما في تحديد من هو الخاسر في هذه المعركة السياسية ، ولنا في تجربة العمل العسكري وماعانته من فرقة وتشتت أكبر مثال.

 إننا الأن أمام إستحقاقات رئيسية تبدأ من وضع مشروع كان يجب أن يكون جاهزا ومتفق عليه وعلى آليات تنفيذه  منذ أمد ..! وتمتد إلى إعداد ودعم المعركة السياسية بكل ما يلزم من دراسات ووثائق وإستعدادات ، غير التعويل على شرح الموقف الإنساني والمأساوي الذي وصل إليه الشعب السوري على يد هذا الديكتاتور ، فلا أعتقد أنه وبعد كل التجارب التي أثبتت أن المجتمع الدولي برمته غير معني لا إنسانيا ولا أخلاقيا بشعوبنا ، بل إن كل ما يعنيه أن يبرز أحد الطرفين قدرته على السيطرة وحسم الأمر لصالحه ليقف معه ، فبعد عجز كل الأطراف عن حسم المعركة عسكريا ، بات من الضروري نقلها الى ساحة صراع سياسي ، أملا في أن يتمكن أحد الطرفين من إنهائها هناك.

 ولكن السؤال الأن : هل تمتلك المعارضة السورية القدرة والحنكة اللازمتان لمقارعة نظام تمرس في اللعب على كل الحبال السياسية ويحترف كل العاب التفاوض ودهاليزه ؟

  هنا يأتي دور الإعداد الجيد وترتيب الأوراق حسب الأولويات وظروف التفاوض ، وأولها وضع المحددات التي سينطلق على اساسها هذا التفاوض ، فأي مشروع تفاوضي يجب أن يبدأ من نقاط معلومة وتوضع له محدداته الأساسية عبر الإجابة عن الأسئلة البديهية التالية :

ما هو الهدف من التفاوض ؟

ما هي الشروط الواجب توافرها للبداء به ؟

 ما هو برنامج هذا التفاوض وما هو جدوله الزمني ؟

ماهي الوثائق التي سيتم تقديمها وعلى ماذا سيستند المفاوضون ؟

ماهي الأوراق التي سيطرحها الطرف الآخر وماذا سيكون الرد عليها ؟

ماهو المقبول وماهو المرفوض في مسار العملية التفاوضية ؟

أين يجب أن يتوقف ومتى يعتبر هذا التفاوض عبثي ؟

كيف سيتم تطبيق نتائج هذا التفاوض ومن الضامن لتطبيقها ؟

ومن هو الفريق المفاوض وعلى ماذا سيتم الإستناد في إختياره وبماذا يجب أن يتمتع أعضاءه ؟.

فمجرد النظر الى المؤتمر بوضعه وظرفه الحالي ، فإننا نلاحظ أنه ليس أكثر من عملية سيسعى من خلالها النظام لإعادة شرعنة نفسه ، وإظهار المعارضة السورية بممثليها عاجزة مرتبكة تعاني من التشتت والفوضى ، وغير قادرة على الإستناد إلا على الدعم الخارجي ، مع إفتقارها للدعم الوطني في ظل الأداء المخزي الذي رافق مسيرتها طوال الثلاث سنوات الماضية ، وإظهار نفسه كحل وحيد لمحاربة الإرهاب والتطرف ، وكمسيطر حقيقي على الارض في ظل عجز القوى المعارضة على إثبات قدرتها بأن تكون محرك ومسيطر وخاصة على الكتائب المسلحة ، هذا إضافة إلى أن النظام سبق وأن أكمل استعداداته هو وداعميه ليقدم كل ما من شأنه إثبات نفسه ، وجهز فريقه التفاوضي الذي اختاره بعناية ، مدعوم بكل الحقائق والأكاذيب والتفاصيل الصغيرة والكبيرة التي يستطيع من خلالها إدخال العملية التفاوضية في متاهات لا أعتقد أن المعارضة بوضعها الحالي قادرة على مجاراته فيها ، ليس لإفتقارها لعدالة القضية بل لإفتقارها للمؤهلين عن الدفاع عن هذه العدالة ، فلا يكفي أبدا أن تمتلك الحق بل يجب أن تمتلك القوة والحجة للدفاع عن الحق.

ولذلك فأنا أعتقد وفي ظل الوضع الراهن ، أنه من الآمن البدأ بالعملية التفاوضية بالتركيز على النقاط المتوافق عليها من أغلبية المعارضة والمتمثلة في وثائق القاهرة ، لأنها هي الوثائق الوحيدة الموجودة حاليا والصادرة عن مؤتمر عام للمعارضة السورية ، ومعترف بها من معظم القوى السورية المعارضة ومن كل المحافل الدولية ، إضافة إلى الإعتماد على الوثيقة الأكثر وضوحا والصادرة من الدول الأكثر قربا وعلاقة بالقضية السورية ، وهي البيان الصادر عن إجتماع لندن بخصوص سوريا بتاريخ ٢٢ / ١١ / ٢٠١٣ ، وهذا ما يجعل منهما وثائق ملزمة لكل المجتمع الدولي لدعم ما جاء بهما ، إضافة إلى أنهما تحويان لنقاط غاية في الأهمية ويمكن إعتبارهما عناوين عريضة ، يمكن تفصيلها والعمل على تطوير ما جاء بهما لتكونان بمثابة الركائز التي من الممكن إدارة الجولة الأولى من المفاوضات على أساسها.

 مع التأكيد على أن يُصّر المفاوضون على ضرورة قيام النظام بإبراز حسن النية للإستمرار بالتفاوض ، من خلال فك الحصار الفوري عن المناطق التي يقوم بتجويعها ، وإطلاق سراح المعتقلين بدأ من الأكثر ضعفا ، ووقف القصف بالأسلحة الثقيلة بكل اشكالها ، والسماح لهيئات الإغاثة والفرق الطبية بالوصول الى المناطق المتضررة لإغاثتها.

هذا مع تشكيل فريق إتصال وتنسيق مهمته التواصل مع كل الكتائب والقوى في الداخل السوري  للإتفاق والتنسيق معها على دعم العملية التفاوضية طالما هي تؤدي إلى المسار الصحيح.

إضافة الى التركيز على الإستفادة من كل الدراسات التي عمل عليها كثير من السوريون خلال السنوات الثلاث الماضية ، والتي تحتوي الكثير من التفاصيل والإجابات على العديد من الأسئلة المتوقع ان يطرحها النظام لإحراج موقف الفريق المفاوض وإظهاره بمظهر العاجز والجاهل.