رجل في أفريقيا الوسطى يأكل لحم أخي المسلم

تأمل الكثيرون أن جهود الوساطة الأفريقية التي استدعت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى إلى تشاد وانتهت باستقالة الرئيس ميشال دجوتوديا (أول رئيس مسلم لجمهورية أفريقيا الوسطى) وسفره لمنفاه في دولة بينين، ستضع نهاية لشلال الدم الذي حصد ألفاً منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2013 وشرد قرابة المليون. ولكن موجة العنف ازدادت. وما أن استقال الرئيس بسبب إملاءات فرنسا، التي لم ترضَ عن حكمه للبلاد في حين أنها تظاهرت أن ما يحدث شأن داخلي، حتى تعرضت متاجر المسلمين في بانغي لعمليات سلب ونهب واسعة كما شهدت المدينة إطلاق نار وسطوًا مسلحًا وانتشارًا للعنف. صورت وسائل إعلام غربية الحشود النصرانية وهي تحتفل برحيل الرئيس دجوتوديا بالغناء علناً وبدون تردد "اليوم سنقتل المسلمين".

في حي بيمبو جنوب العاصمة عمدت مجموعة يتألف القسم الأكبر منها من الشبان إلى إفراغ محتويات مسجد وتفكيكه ونقل قرميده. وقال أحد اللصوص "يتعذر العيش مع مسلمين. لا نريد عربا في وسط أفريقيا". يأتي هذا في الوقت التي تواصلت فيه جهود إجلاء الأجانب من البلاد خصوصاً مواطني تشاد وغرب أفريقيا والمسلمين القادمين من دول أفريقية استباقاً لعمليات انتقامية ضد قوات سيليكا الموالية للرئيس المستقيل. ويحدث هذا تحت نظر جنود حفظ السلام وفي العاصمة التي تحيط بها المدرعات الفرنسية المنتشرة في إطار "عملية سنغاريس" ووحدات من القوة الأفريقية "ميسكا". [الشرق الأوسط 11/1/2014]

إضافة لموجات العنف المعتادة التي تزامنت مع الأزمة في جمهورية أفريقيا الوسطى فقد تواترت روايات عن تمثيل النصارى بجثث المسلمين وأكل للحوم البشر منذ يوم السبت. وصحبت هذه الأخبار أجواء من التشكك والحذر. فقد روت التيليغراف البريطانية في عددها 11/1/2014 أن خروج الرئيس صاحبته أجواء عدائية للمسلمين وتجمهر الميليشيات النصرانية لتقتص من المسلمين بشتى الطرق بعد أن أيقنت أن الغلبة لهم وأخذتها نشوة النصر بعد المفاوضات التي أدت للتخلص من الرئيس ونفيه. نشرت البي بي سي تحقيقاً مفصلاً يوم الاثنين عن "الرجل الذي أكل لحم ضحيته انتقاماً" منه وما لبث أن انتشر التقرير انتشار النار في الهشيم. وقد صدم التقرير ضمير البشرية وتابع القارئ تفاصيل اللقاء الذي جمع الصحفي بالذئب البشري المدعو كواندجا ماغلوير وهو يروي تفاصيل الحادثة ويبرر أنه قام بذلك انتقاماً وغضباً لأن المسلمين قتلوا زوجته الحامل، وشقيقتها وطفلها الصغير.

روى ماغلوير أنه رأى رجلاً في حافلة نقل فاشتبه في كونه مسلمًا وتتبعه بعد أن قرر أن ينتقم منه وجمع حوله الكثير من النصارى حتى صار على رأس حشد يضم نحو 20 شخصا، تمكنوا من إجبار سائق السيارة على التوقف بعد أن أكد السائق لهم أن الراكب مسلم. ثم سحبوا الرجل المسلم إلى الشارع حيث تعرض للضرب والطعن وتحطيم صخرة على رأسه ثم أضرموا النار فيه، وسارع ماغلوير بقطع رجل كاملة وأكلها نيئة بينما تابع الناس في الضجيج ولم يزجره أحد، بل إن البعض توقف لالتقاط الصور وتسجيل المشهد الدموي بكاميرات الهواتف النقالة. وقال أحد شهود العيان للبي بي سي (النسخة الإنجليزية) "كلنا غاضبون جداً من المسلمين وتدخلنا لإيقافه أمر غير وارد" روى صحفي البي بي سي أيضاً تجمهر النصارى حول الرجل في نهاية اللقاء وأنهم يصافحونه وينظرون له كبطل. شاهد الجميع المنظر الذي كان بمقربة من قوات حفظ السلام القادمة من بروندي واستمرت (الفُرجة) حتى قام أحد أعضائها بالتقيؤ من هول المنظر ثم ما لبث أن فض الحشد بسلاحه وأبعدهم عن الرجل القتيل.

حاول الإعلام العالمي إضفاء أجواء من الموضوعية على هذا الخبر الصادم بداية من اختيار عنوان يساوي بين هذا الجرم وبين مسبباته "رجل يأكل لحم ضحيته انتقاما لمقتل عائلته"! مدعية تارة أن هذه حالة من حالات آكلي لحوم البشر "كانيبالزم"، وتارة أخرى بأن المقاتلين النصارى في أفريقيا الوسطى يؤمنون بالسحر والشعوذة ويرتدون التمائم التي تعلق عليها أشلاء بشرية، ولدى بعضهم معتقدات بأن أكل لحوم البشر يعطيهم قدرات غير عادية ويمنحهم قوة لا تقهر.

وتارة أخرى بالتطرق للخلفيات التاريخية للحادثة وأن الإمبراطور بوكاسا الذي حكم البلاد من 1966-1979 اتهم بأنه من آكلي لحوم البشر، وهناك صور نشرت في فرنسا قيل أنها لبقايا أطفال في ثلاجة في قصره (البي بي سي 13/1/2014). أظهر الإعلام أن هذه حادثة فردية تعد الأولى من نوعها في هذا النزاع ولكن الميل أون لاين بتاريخ ذكرت بتاريخ 13/1/2014 مستندة لتقرير الصنداي تلغراف أن هذه ليست حالة استثنائية وأنه تم أكل لحم أكثر من شخص.

إن مشهد إنسان وهو يأكل لحم أخٍ مسلم أمرٌ تعجز الكلمات عن وصفه ولا يقدِر أي منا على تجاوز الثواني الأولى من هكذا مشهد، ولكن خطر في بالي وأنا أتأمل الشاشة في ذهول ما فائدة هذه الحدود والسدود التي تفرقنا كمسلمين؟ فبالرغم من تنوع الثقافات واللغات والأعراق بيننا فإننا مسلمون ولم يستهدف الغوغاء هذا الرجل إلا لدينه. نشاهد ما يحدث في ميانمار فلا نفرق بين المسلم وغير المسلم، وكذلك الحال في أفريقيا الوسطى وغيرها من البلاد. إنه تكرار لما حدث في البوسنة. إن حجم التطهير العرقي والحقد الذي تنفذ به هذه الجرائم يدق ناقوس الخطر ويذكر بالكارثة البشرية في رواندا حيث تجرد الناس من أبسط معاني الإنسانية.

هذه الأفعال ما هي إلا حصاد تدريب عصابات فرنسا الحاقدة للنصارى المغرر بهم في أفريقيا. عصابات لا تعرف سوى لغة العنف والسلاح ولا تدرك أنها تعيش تحت الهيمنة الفرنسية التي استعبدتها وأفقرتها ولا زالت تحرك خيوط اللعبة وتعبث بحياة البشر. توهمهم بالديمقراطية بالرغم من أن هذه الديمقراطية الأفريقية لا تعرف سوى لغة السلاح والانقلابات ولم تجلب لشعوب أفريقيا سوى المزيد من الشقاق والاقتتال، ولم توفر لأهل البلاد منظومة تتوافق مع احتياجاتهم كبشر وتكون بوتقة تصهر التركيبة المعقدة للمشهد الأفريقي مع التعدد في القبائل واللغات والأديان. وبالرغم من تهكم الكتاب العلمانيين والملحدين على هذا الخبر وادعائهم أن هذه نتيجة الأديان، فإن الحقيقة أن المشهد اليوم يُدين العلمانية ويثبت أنها أوهن من بيت العنكبوت. من السهل إثارة وتأجيج الأوضاع في أفريقيا الوسطى وغيرها بسبب هشاشة الرابط الذي يربط الناس ببعضهم وغياب النظام الذي يحمي الحقوق.

هذه العصابات الصغيرة والعصابات الأكبر منها المتمثلة في الحكومات المتعاقبة سلمت العباد والبلاد للمستعمر لينتفع من ثرواتها الغنية، وشغلت الناس تارة بالنزاعات وتارة بالفقر حتى أصبحت النزاعات الطائفية والخلافات العرقية هي الأصل في المنطقة لا الاستثناء، وأصبحت صور اقتتال الفقراء على الفتات صورة اعتاد عليها الجميع. أعلن برنامج الأمم المتحدة للغذاء اليوم أن 90% من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى (سادس أفقر دولة في العالم) يعيشون على وجبة واحدة في اليوم ويعانون من فقر مدقع.

وأما تشاد التي تتحرك كالدمية في يد أسيادها وتجند المرتزقة هنا وهناك لأغراض سياسية دنيئة بينما تتلطخ يدها بدماء المسلمين، فهذه الجيوش مثل تجمع سيليكا المعارض لا يحفظ دماء المسلمين ولا يبتغي لهم الأمن والأمان بقدر حرصه على مساندة طرف سياسي في صراع مستمر على السلطة والهيمنة. قال الرئيس التشادي إدريس ديبي لأعضاء المجلس الوطني الانتقالي أثناء القمة الاستثنائية للمجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا "إذا حصل فشل، فإنه للطبقة السياسية برمتها. العملية الانتقالية لم تحصل بالطريقة التي نريدها. السلطات التي تقع عليها مهمة القيام بهذه العملية لم تستطع الاستجابة لتطلعات شعب أفريقيا الوسطى والمجتمع الدولي، وأهمها النظام والأمن". لم ينجح الرئيس المستقيل في توفير الاستقرار في البلاد ولم يتمكن من السيطرة على المليشيات التي أوصلته لسدة الحكم فلا بد من التغيير وهذا التغيير لا يتم بدون ضحايا.

صرح الكسندر فرديناند نجيوندت الرئيس المؤقت لجمهورية أفريقيا الوسطى يوم الاثنين بأن عصر الفوضى "الاناركية" قد انتهى، مشيراً إلى نزاع الميليشيات الذي بدأ منذ أن أطاح "تحالف سيليكا" الذي يضم غالبية من المسلمين بقيادة جوتوديا، بنظام الرئيس فرنسوا بوزيزي في آذار/مارس، ولكنه ربما يعلن عصرًا يفوق الاناركية بمراحل تؤكل فيه لحوم البشر عياناً بياناً.

يأتي هذا الخبر في اليوم نفسه الذي يتذكر فيه المسلمون مولد الهادي الأمين الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ذكرى مولد رسول بالمؤمنين رؤوف رحيم، يشفع لهم ويوصى بهم خيراً ويقول "أمتي أمتي".. لا يسعنا إلا أن نقول عذراً يا رسول الله فكم من أمتك ضيّعنا، وكم من مستنصر خذلنا، وكم من عرض انتُهك، وكم من مقدَّس دُنّس، وكم من ذئاب بشرية عوت حولنا ولم نلجمها.. عذراً يا رسول الله فجيوشنا موجَّهة ضد المسلمين تقيم الثكنات العسكرية في قلب عواصمنا وأهملت الثغور. عذراً يا رسول الله فإن ساستنا يسوسون الناس بالكفر والطاغوت ويتآمرون علينا.. عذراً يا رسول فقد هدمت الخلافة وأصبحنا مطمعاً لكل لئيم.. عذراً يا رسول الله فالبعض منا يتساءل بعد كل هذا لماذا الشريعة ولماذا نريدها كاملة غير منقوصة؟!

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا»، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ»، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أم يحيى بنت محمد