حركة "فتح" بين اللكمات والتجميدات والفصل ..

حركة "فتح" بين اللكمات والتجميدات والفصل ..

وبين غياب الحياة...!!

د.م. احمد محيسن ـ برلين

بيت لحم ومعطياته  كان العلامة الفارقة والمفصلية في انزلاق الحركة إلى ما نشاهده من تخبط.. ولن يقنعنا أحدا بأننا نشعر أنهم استطاعوا  أن يخطوا سطرا جديدا متواضعا.. في معلقة الإنجازات الفلسطينية في التصدي لظلم  الإحتلال وبطشه وجبروته  ضد أبناء شعبنا...!!

 إن الهيكل الذي أفرزه بيت لحم .. لم يستطع أن يشكل لأبناء الحركة  ذراعا حيا .. يرى الفرد من خلاله دوره  في معركة البناء والتنمية ..  وفي  بث الروح الحركية وبناء المؤسسة...!!

فلا حشد للطاقات.. ولا خطوات جدية من أجل ترسيخ الوحدة الفلسطينية.. وترتيب البيت الفلسطيني .. وتوحيد كل الجهود ضد الإحتلال الصهيوني .. والوقوف  سويا في خندق واحد..  ووصل  الأوتار  التي انقطعت في الجسد الفلسطيني الواحد.. ولم يستمع أحدا ممن يصدرون مراسيم التجميدات والفصل..  لصوت القاعدة الجماهيرية..  التي حذرت من الوصول إلى الكارثة .. في ظل استمرار سياسة التهميش والإنتقام وإلغاء الآخر..  وغياب المؤسسة التي ما زال تمثيلها لأبناء شعبنا شرعيا ووحيدا فقط  لفظيا وعلى الورق.. وبقيت غرف التحنيط للمؤسسة الفلسطينية هي الطاغية.. وبقي الكيل  بالمكاييل حسب ما يحلو  ويراق..  هو الأمر السائد والمكرس..!! 

إن ما حصل مع الأخ النائب الفلسطيني جمال أبو الرب من بلدة قباطية قضاء جنين .. إنما  هو انعكاس لحالة مرضية تنخر في هذا الجسد الموجود.. ففي غياب المؤسسة و العدالة والإنصاف.. رأينا كيف كان الحل والتصرف..  وهو يثأر لكرامته على خلفية اعتداء مرافقي جبريل الرجوب عليه قبل عدة أشهر...!!

ما حصل بالأمس .. إنما هو القشة التي قصمت  ظهر البعير.. ونقطة الماء التي طفحت بالكأس .. ونتيجة حتمية متوقعة لغيوم تتابعت وتلبدت  لتمطر ما أمطرت..  حين قام مرافقوا جبريل الرجوب بالإعتداء  بالضرب على الأخ النائب أبو الرب قبل عدة أشهر.. عندما  اعترض على محاولات تهميشه..  ومنعه من دخول اجتماع يقوده الرجوب في بلدة الرام.. حيث أن اللقاء كان يناقش الحملة الأمنية في جنين..  وتم استثناء  النائب وعضو المجلس الثوري جمال أبو الرب من اللقاء الذي يناقش أمرا يخص منطقته التي يقيم فيها..  وفي هذا التصرف امتداد للمناكفة  وتصفية الحسابات وشخصنتها..  في غياب الحياة التنظيمية والإستهتار بالمؤسسة...!!

يضاف  إلى ذلك  حساسيات أخرى بين الفريقين.. والتي  نجمت عن احتجاج النائب جمال أبو الرب على تهميشه وتهميش منطقته  من الهيئات العليا للجان الرياضية..  وعدم دعوتهم لحضور اللقاءات التي تتم ..!!

وكالعادة .. تم تشكيل لجنة لبحث ملابسات اعتداء مرافقي جبريل الرجوب على النائب جمال أبو الرب..  ولم ينجم عن اللجنة شيء يذكر في حل الموضوع.. ولم تستطع التغلب على الإشكالات الموجودة والمتفاقمة..!!

ولم يستمع أحدا ممن أصدروا مراسيم التجميدات والفصل لصوت القاعدة الجماهيرية..  التي حذرت من الوصول إلى الكارثة في ظل استمرار سياسة التهميش والإنتقام..  وسياسة إلغاء الآخر وغياب المؤسسة..!!

فهل يقتنع البعض اليوم..  بأن الحلول يجب أن تكون جذرية استنادا وانحيازا للمؤسسة  وللدساتير والنظم واللوائح والمبادئ الأخوية..   خوفا من أن يتطور الوضع إلى ما هو أسوأ..  بعيدا عن شطب الآخر والتعصب الأعمى...؟!

فقد نادى  المنادي مرارا..  ولم يكن هناك من يستمع ولا من يجيب..  وأما أن تصل المواصيل إلى ما وصلت اليه..  بجسد حركة بحجم حركة "فتح"  .. فهذا  أمر لا يليق..  عراك ولكمات وكدمات واشتباكات بالألسنة والأيدي .. إنه أمر يندى له الجبين..  وما هو إلا  نتيجة لما تلبد في الأفق من غيوم في الحركة..  وحجم التطنيش  لواقع مر أليم لم يبقي ولم يذر..  وهو نتيجة لإنحراف الحركة عن المسار الذي انطلقت  من أجله .. وأصبح جمع الغنائم الشخصية هو العنوان .. فلا وجود للمؤسسة ولا للمرجعية ولا للبرنامج السياسي  الذي يلبي طموحات شعبنا ولا محاسبة  ولا إطار للحركة..  كل هذه الأجواء مهدت لخلق هذا الواقع .. فانشغل البعض بالبعض واتكأ على الآفاق الموجودة .. بعيدا عن حياة الحركة التي وجدت للتصدي للعدوان ومن أجل تحرير الأرض والإنسان ..!!

فقد أصبح  علاج الإختلاف في الرأي.. هو العداء لمن يخالف الرأي..  وأصبح  الدواء للعلات هو التهميش والتجميد والفصل .. وقطع الرواتب والنقل التعسفي..  وإلى غير ذلك من قائمة البطش بأبناء الحركة..  ممن يخالفون الرأي ولا يسيرون في الركب ولا يذعنون لأوامر الآمر الناهي.. وعلاج المعضلات السائدة  حاليا عند جهابذة الفقه  في الحركة..  هو كسر العظم وإلغاء وجود البشر..  وهذا هو السائدا ..  تجميد وفصل..  كما حصل مؤخرا لمن حضر مؤتمر اتحاد الجاليات والفعاليات الفلسطينية في أوروبا الذي انعقد في بودابست على مدار يومين وحضرته منظمة التحرير .. ولأنه لم يخرج من تحت عباءة البعض ولم يرق لهم ذلك .. قاموا من خلف شاشات أجهزة الحاسوب بقصف من لم يأتمر بأمرهم بقرارات تجميد عابرة للقارات..  ومنهم الدكتور محمد أبو عياش والأخ محمد شريح والأخت امتثال النجار على سبيل المثال وليس الحصر ..!!

هذه  هي العقلية الموجودة للأسف الشديد.. دون من يحاسب ويناقش ويستمع .. وعشت لحظة لن أنساها عندما قال أحدهم لآخر " انت أتيت بشخطة قلم .. وبتروح بشخطة قلم .. طبعا هو تناسى أيضا بأنه أتى بشخطة قلم " .. هذه العقلية السائدة لن تحرر الأوطان ولا الإنسان .. هي عقلية إلغاء من يخالفني الرأي .. وكأنهم يعتقدون بأن لا وجود  على الأرض لمن لا يحمل جواز سفرهم..  وكأن العلاج دوما هو الكي والسوط ومحاربة الخلائق في أرزاقهم ...!!

 فما حصل مؤخرا في الوطن المحتل من فصل للأخ  جمال أبو الرب.. عضو المجلس التشريعي .. أي النائب المنتخب من الشعب..  ويمثلهم  في البرلمان الفلسطيني..  وهو أيضاً عضو في المجلس الثوري الذي لم يثور يوما..  كان قرارا متسرعا.. وتعسفيا.. ولا يؤدي إلى فكفكة ما حصل..  سيما وأن المعضلة قائمة منذ فترة ولم تحل..  والنتيجة كانت متوقعة في مجتمع مثل المجتمع الفلسطيني..  وكانت تراكمات أدت الى تفاقم المعضلة حتى انفجرت ...!!

كان الأحرى بالعقلاء أن يقوموا  بتشكيل وفد من كل الشرائح المجتمعية الموجودة للبدء بحل الخلاف.. بعد فشل اللجنة التي تم تشكيلها ولم تنجز شيئا يذكر..  وغياب الحياة   في الحركة الذي  أدى إلى ما شاهده الجميع من انفجار..!!

وبدل من العمل على رأب الصدع ولملمة الجراح .. ذهب البعض إلى أشهار سلاح القرارات غير المنصفة .. وأتى الحل بالفصل من الحركة .. وذلك  دون السير بخطى تسبق الوصول إلى خطوة اتخاذ قرار الفصل.. وتم ذلك بسبب غياب المؤسسات الحركية وارتهانها..  لأنه فصل تعسفي  وغير دستوري.. وهو غير  قانوني..  وذلك لعدم عرضه على القنوات المختصة والإستماع للتفاصيل ومناقشتها بكل جوانبها.. لكي تعرض بعد ذلك على الجهات الحركية المختصة وذات الصلة.. ولكي يتم اتخاذ الإجراء المؤسساتي الحركي اللازم ..  ويحق أثناء وبعد ذلك  للفرقاء الدفاع عن أنفسهم..  ويتم بعد ذلك الإلتزام بما يتفق عليه الأغلبية النزيهة .. ويتم اتخاذ الإجراء  الحركي النهائي الملزم للجميع.. ولكن بعد مراعاة الأصول الحركية والسير على الطريق الدستوري السليم الذي يحفظ حق البشر .. ولا يظلم من خلاله أحدا.. وعدم قانونية وشرعية تلك القرارات هي استمرار لخرق النظم واللوائح في الذهاب لبيت لحم ...!!

 إن قرار الفصل للأخ جمال أبو الرب .. هو قرار متهور ومتسرع وغير قانوني ويزيد الطين بلة.. وأن قرارات أبطال مسلسلات التجميد والفصل.. تزيد من  التفاف الجماهير الشعبية  وأبناء فتح  حول الأخ الذي يتخذ بحقه مثل هذه القرارات والإجراءات التعسفية..  وتزداد شعبيته بين ضفوف الجماهير.. وهو لا  يفقد بذلك  شيئا  أو مكتسبا.. لعدم وجود الحياة التنظيمية في الحركة والأفق والمشروع الذي انظلقت فتح من أجله .. والساحات والأقاليم في الداخل والخارج ودول الطوق تشهد على ذلك دون الخوض في التفاصيل ...!!

هذه نتائج المكابرة وإنكار الوجود.. وهذه نتائج الخلل الذي تعيشه الحركة.. وهذه نتائج ما حصل في  بيت لحم.. وما تمخض عنه..  قبل وأثناء وبعد انعقاده .. فزاد ذلك من حجم الهوة الموجودة أصلا في صفوف الحركة.. وأفرزت شلل  وتكتلات وعصبويات بشتى أنواعها..  وتم تهميش كم هائل من أبناء الحركة المخلصين.. وذلك  لعدم الإذعان لبيت لحم  وما سبقه من إفرازات.. مما أدى إلى تراجع الحركة..  وتم الذهاب ببعضهم إلى التقاعد والبعض الآخر  تم إيقاف راتبه ورتبته .. لأنه حسب موازينهم ومقايسهم "يشاغب ويعترض ويحرض " ... هذا كله أوصلنا إلى ما شاهدناه من استخدام الأيدي في فض الإختلاف بوجهات النظر.. ولسنا من مشجعي ومؤيدي هذه اللغة إطلاقا ...!!

فهل سيمسك الشعب قريبا بدفة الأمور وزمامها .. وينطلق انطلاقة حقيقية .. تعيد الأمور إلى نصابها .. ويكون الهم الوحيد هو دحر الإحتلال والذود عن الاهل والوطن وتحرير الأسرى والمعتقلين .. ورأب الصدع وتوحيد جناحيي الوطن .. وبث الروح في منظمة التحرير وإعادة تشكيلها لتضم الجميع ...؟!

هل سيطول انتظار شعبنا ولادة الإنتفاضة الفلسطينية التي لن تبقي ولن تذر ...؟!