في نعي حصة الرقص في المدارس!
لا شيء فيه الروح في الإعلام المصري، إلا هذا الصخب الإعلامي، الذي يرتبط باستفزاز المشاعر الدينية، ومع غياب أصحاب الرأي، فيكون النقاش مع الذين ليسوا على شيء، لإعطاء الجرعة اللازمة من الإثارة، فالجميع يتحدث في الموضوعات الدينية، في بلد يعاني أزمة سياسية، وأزمة اقتصادية جرى تهديد الغرب والشرق بها، وبالقول إن الملايين سيخرجون للهجرة مع بداية العام المقبل، عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وعبر البحر الأحمر إلى الخليج، وعبر الحدود إلى كل من ليبيا، والسودان، وفلسطين!
ولم يناقش المرجفون في البلاد الأزمة المقبلة مناقشة جادة، ولكن طرحها كان لتحريض الخليج على التدخل لإنقاذ مصر والحكم فيها، وهو ما عبر عنه مقال لعماد أديب، وتلاه على المشاهدين شقيقه عمرو، وقام بشرحه والحديث على المكشوف، وقد وجد أهل الحكم في جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، شماعتين جاهزتين لتعليق الفشل والأزمات عليهما، وكأن الأزمة لم تكن سابقة على ذلك، وكأنها لم تكن بسبب إدارة شؤون الدولة، وتبديد الأموال، ومعظمها قروض، على بناء القصور الرئاسية، وعلى شراء الشرعية بصفقات سلاح لا تستخدم، ورشاوى كالتي تدفع في صفقات لا تتوقف مع إيطاليا كلما أثاروا هناك قصة مقتل ريجيني، وأيضاً انفاقها على شق ما سمي بقناة السويس الجديدة بدون دراسة أو حاجة، وبالإنفاق ببذخ على بحر الرمال المتحركة وما سمي بالعاصمة الإدارية الجديدة، وعلى أطول مئذنة وأكبر كنيسة وأفخم مسجد!
في الملهى الليلي
ليظل هذا الاستجداء موضوعاً طارئاً إنما الثابت في النقاش، هو الموضوعات الدينية، التي تناقش مع أنصاف المثقفين وأرباعهم ومعدومي الثقافة، وبدون عمق، فليس من بينهم من هم في حجم فؤاد زكريا، أو سعيد العشماوي، أو نصر حامد أبو زيد، أو فرج فودة، و»الحاضر بالسوق» هو بضاعة كاسدة، فيستدعى كل منهم للقيام «بنمرته» في «الملهى الليلي» المنصوب، وفي قراءة أخرى «وصلته»، وإن كان موقع الملهى يتغير بحسب القناة. وإن ظل الثابت هو ملهى إبراهيم عيسى، الذي لديه مقرر دراسي، ما أن ينتهي منه حتى يعود لدراسته منذ البداية، وبعد أن تحدث عن عظمة البقرة وأهمية عبادتها، وسبق هذا بإنكار الإسراء والمعراج، ها هو يعود إلى أول المنهج بالطعن في البخاري!
أضحكني أحدهم، وهو يقول إن فرج فودة لو عاش لكان مثل إبراهيم عيسى، مع أن الأول صاحب قضية، درس عناوينها ومتنها، ولكن الأخير هو قارئ عناوين، يخطفها بعينه ويقذفها بفمه، ويعوض عدم التمكن بالإثارة، وبثقافة «رغيف الحواوشي»؛ قليل من اللحم، مع كثير من البصل والثوم والفلفل وتشكيلة البهارات المعروفة، وهذه العناوين في معظمها واحدة من المسروقات لمالكها د. أحمد صبحي منصور، لكن إعلام الإثارة ليس مستعداً للوصول للمتون، إنه فقط يجد ضالته في العناوين وتعويض النقص في الموضوع بما يلزم من إثارة هي التي تطغى على أي عرض أو مناقشة!
وهناك شخصيات توضع في «النيش» لوقت الحاجة اليها، ولغير المصريين، فالنيش هذا هو هذا الدولاب الموازي لدولاب الملابس مع اختلاف في الشكل، والأول ضمن حجرة النوم، والثاني جزء من السفرة وتوضع به الأدوات المنزلية؛ أكواب وفناجين وأطباق وأباريق، والتي لا تستخدم عادة في انتظار الضيوف رفيعي المستوى، الذين لا يأتون أبداً، ويظل «النيش» – لهذا- متحف عش الزوجية، الذي يُشترط لإتمام الزواج في مصر الحديثة، توافر السفرة، و»النيش» ركنها الركين، وليس «النيش» وحده الذي لا يستخدم، فقد لا يأكل القوم على كراسي السفرة ومائدتها، ليكتمل المتحف، بحجرة كاملة في انتظار توريثها للأجيال القادمة!
غير أن «نيش» أهل الحكم يستخدم كثيراً، وتستدعى هذه الشخصية أو تلك لهذا البرنامج أو ذاك، ومن فريدة الشوباشي، إلى الهام شاهين، ولميس جابر، ويوسف زيدان، فيبدو بحكم كونهم من القواعد من النساء والرجال، كمن خرجوا من الأجداث إلى الاستوديوهات ينسلون!
سلوى بكر على «تن»
بيد أن قناة «تن» الإماراتية، اجتهدت وجاءت بشخصية من خارج الصندوق، أو من خارج «نيش» أهل الحكم، فكانت سلوى بكر، وهي أديبة وكاتبة رواية، تذكرت بهذا الحضور، أنني لم أقرأ لها رواية واحدة، وهذا لا ينقص من قدرها، فلست قارئاً محترفاً للأدب، بل قارئ هاو، صحيح أنني قرأت للبعض من الروائيين أعمالهم الكاملة، وقرأت روايات بترشيح من أدباء كبار أو استناداً إلى حصولها على الجوائز وتبين إنها تافهة، لكن سلوى بكر ظلت دائماً بالنسبة لي بعيدة عن العين، وقديماً قال الفلاسفة البعيد عن العين بعيد عن القلب!
فهي ليست مشتبكة مع الحياة العامة، وليس لها حضوراً في المجال العام، وليست من اللاتي يحضرن في الصحافة أو القنوات التلفزيونية طول الوقت، ومع هذا فقناة «تن» الإماراتية، تذكرتها، وكان لها معها هذا الحوار، الذي كان بعيداً عن مجال تخصصها وهو الأدب، فلم يناقش معها أزمة الرواية العربية، أو محنة الابداع في الوطن العربي، أو إشكالات تحويل النص الأدبي إلى عمل درامي، أو احتكار السلطة لإنتاج المسلسلات والأفلام، وتأثيره على الأدباء في مصر!
فقد ناقشت معها القناة الإماراتية الموضوعات الدينية المثيرة للجدل، مع أنها لم تعط إشارة في أي وقت أنها تقع ضمن اختصاصها، فكان الصخب هو سيد الموقف، فهاجمت تحفيظ القرآن للأطفال وأنه سرقة لطفولتهم، بحجة انهم لا يفهمونه، وهل يفهم الأطفال شعر السلطة، ومنهج السلطة، والأسئلة التي تأتي في الامتحانات للصغار والكبار عن إنجازات عبد الفتاح السيسي؟
وحملت على حجاب بنات القرى، وتحسرت على الزمن الذي كانت فيه حصة في المدارس للموسيقى والرقص، ومع أني من جيلها تقريباً إلا أن مادة الموسيقى لم تكن أكثر من كراس يوزع علينا، فلا مدرس للمادة ولا منهج، وهذه أول مرة أسمع عن حصة الرقص، الأمر الذي يؤكد أنني لست من جيلها، وأنها من الأمم الغابرة التي درست الرقص في المدارس، فجيلي تفتق وعيه على أن المرادف للرقص هو الهز، فيقال للراقصة: هزي، وهي جلافة في مواجهة هذا الفن الخلاق الذي افتقدته الأمة، فتداعى عليها أعداؤها نفراً نفرا!
اللافت هنا أنها رقصت على إيقاع العصر، فقالت إن حجاب بنات القرى وإلغاء حصة الموسيقى والرقص أنه تجهيز لإنسان داعشي. وحملت على حصة الدين في المدارس، مع أنها لم تنتبه إلى إلغاء مادة الدين، واللافت أيضا هو قولها إن مسجداً بجوارها يفتح القرآن عبر مكبرات الصوت قبل الصلاة بنصف ساعة وبعد الصلاة بنصف ساعة، وكان على وزير الأوقاف أن يتحرك للتحقيق في هذا الأمر، وهو الذي يعد الأنفاس داخل المساجد ويديرها، كما لو كانت وحدة عسكرية بالضبط والربط، فلا تفتح إلا قبل الآذان بدقائق مع إغلاقها بعد الصلاة فوراً، ربما يعلم أن الأديبة الكبيرة لا تقول الحقيقة، وأن عدم التحقيق هو لحماية ما قالته وهو مطلوب لذاته في مسلسل الإلهاء طويل الحلقات!
لقد قال قائلهم إن هذا الكلام وغيره يدخل في إطار حرية الرأي، ولا بأس، انما البأس الشديد أن هذا الكلام يقال في غياب الرأي الآخر، وتبدو السلطة التي تحتكر الإعلام هي التي تتبنى هذه الخزعبلات، في وقت يشكو فيه شيخ الأزهر من أنه ليس مسموحاً لهم الدفاع عن الدين في الإعلام!
ألا يمل أهل الحكم؟!
وسوم: العدد 985