تشيئة المغرضين لمن تكون لهم فيهم مصالح من الناس سبة ومعرة
التّشيئة أو التّشييء في اللسان العربي من فعل شيّأ ، ومن دلالته قولهم: " شيأ الله وجهه " إذا قبّحه، وقولهم: " شيّأه على الأمر " إذا حمله عليه ، والدلالتان معا توحيان بأن هذا الفعل إذا وقع على الإنسان ساءه بوجه أو بآخر ، فهو مقبّح إذا شيأ الله عز وجل وجهه ، وهو مستعمل ومستخدم إذا شيّأه غيره من الخلق .
والمعروف عن أصحاب المصالح على اختلاف أنواعهم أنهم يشيّئون من لهم فيهم مصالح بحيث لا يرعون فيهم إلا ولا ذمة ، علما بأن الإل يطلق على الحلف أو العهد كما يطلق على النسب والقرابة أيضا ، أما الذمة فتطلق على أواصر من الخلة أو الصحبة أو الجوار مما يجب أن يحفظ ويحمى مروءة، لذلك يقال : " في ذمتي كذا " أي أتعهد بالتزامه وحفظه .
والمغرضون من أصحاب المصالح بتشيئتهم لمن لهم فيهم مآرب يجعلونهم مجرد أدوات يودعونهم في صندوق أو حاوية تماما كما يفعل الصناع إذا حان وقت استعمالهم استعملوهم . والمشيئون من خلق الله عند أصحاب المصالح فيهم الشقي الذي يكثر استعمالهم ، وأحسنهم حالا من تقل أو تندرالحاجة إليه ومع ذلك قد تدعو مصلحة ملحة إليه ، فيلتمسونه ويبحثون عنه بين ما في حاويتهم من أدوات خصوصا إذا كان هو الأداة اليتيمة والوحيدة والنادرة التي تتحقق بها تلك المصلحة .
وقد يكون هذا الفرد الأداة واعيا بتشيئة أصحاب المصالح له ، وهو أفضل حالا ممن لا ينتبه إلى ذلك، فيظن بهم خيرا ، ويرى في التماسهم له عند الحاجة مفخرة له مع أنهم سرعان ما يعيدونه إلى حاوية الأدوات ليمكث فيها دهرا طويلا حتى يعلوه الصدأ وإلى أن تدعو المصلحة إليه من جديد فيظهر له المغرضون الاحترام والتقدير المغشوشين حتى إذا ما قضوا منه وطرهم ألقوه جانبا في الحاوية تارة أخرى ، وقد يستغنى عنه تماما إذا لم تعد لديهم حاجة إليه ، وربما صادفوه في طريقهم فتنكروا له كأنه لم يكن في يوم من الأيام مشيّأ عندهم وأداة طيعة في أيديهم .
ولخسة المغرضين حين تدعو مصلحتهم إليه، وقد أهملوه دهرا طويلا ربما جددوا الصلة به من جديد والتمسوه حيث يكون وإن عزّ مطلبه ، فإن كان غافلا عن سوء طويتهم عاد إلى تقديم ما يرجون منه من خدمة بحسن نية ، وإن كان واعيا بخستهم أعرض عنهم ولعنهم ، وسخر منهم وهم يستجدونه لمصالحهم .
ومهما ظن أصحاب المصالح أن أمرهم سيخفى على من يشيئونهم من خلق الله فإنه لا محالة يفتضح في يوم من الأيام ، ومما يفضحه قلة التواصل منهم مع من يستغلونهم في قضاء حوائجهم إذ لو كانوا يصدقون فيما يدعونه لهم من ود أو خلة أو صداقة أو احترام ... لاستمرت صلتهم بهم في غير حاجتهم إليهم .
وقد يكون الإنسان المشيّء عند أصحاب المصالح أكثر من أداة واحدة حسب مصالحهم بحيث يكون مفتاحا، ومغلاقا ،ومزلاجا، و مفكا ،و زردية ، و مطرقة، ومنفاخا ، و رافعة، وحبلا ، وسلسلة ، أو بكرة .... في نفس الوقت ،والمصيبة ألا يكون واعيا بكل هذه الأدوار التي يقوم بها لصالح المشيّئين له .
ومما يحز في نفس الإنسان المشيّء أن تصدر تشيئته عمن يوقرهم ويجلهم ويكن لهم الاحترام الكبير لمكانتهم في المجتمع تعزى إما لفضل يظن بهم أو لعلم يشتهرون بهم ، فيندم الندم الشديد ،ويتحسر الحسرة القاتلة على ما أسدى إليهم من خدمة منخدعا بحسن ظن فيهم لا يستحقونه .
وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، فعلى من وقع ضحية تشيئة المغرضين ألا يسمح لهم مرة ثانية بتشيئته صيانة لإيمانه .
وسوم: العدد 996