مركز صنعاء يقدم إحاطة لمجلس الأمن للمرة الثانية

بلاغ صحفي 

الأربعاء - 17 مايو/ أيار 2023

نيويورك -  قدمت ياسمين الإرياني، المديرة التنفيذية للإنتاج المعرفي بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إحاطة اليوم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تناولت فيه المفاوضات الجارية لحل الأزمة اليمنية، والعدالة الانتقالية، وحقوق المرأة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والعدالة البيئية. 

وأشارت الإرياني في كلمتها إلى أهمية وضع مصلحة اليمن وشعبه في صميم أي مفاوضات، بما في ذلك المحادثات الثنائية بين السعودية وجماعة الحوثيين، مشددة على ضرورة انضواء أي محادثات تحت مظلة الأمم المتحدة وتنسيقها مع جهود السلام المحلية. 

وأكدت الإرياني "اليمنيون قادرون تماما على إعادةِ بناءِ بلدِهم وتشكيلِ مستقبله"، مضيفة "هناك مسؤولية دولية مشتركة في إخراج اليمن من أزمته وخلق بيئة تسمح بإعادة دمجه كبلد فاعل في المنطقة والعالم".

وفيما يتعلق بحقوق المرأة، ذكّرت الارياني المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالتراجع غير المسبوق في حريات المرأة وتآكل الحيز المدني في اليمن بشكل عام، محذرة بقولها: "إن لم يتم التصدي لها اليوم، قد نجد أنفسنا في واقع يُمحى فيه دور المرأة تماماً من الحياة العامة سواء في المدارس والجامعات أو أروقة السياسة". 

تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها مركز صنعاء إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي حول الوضع في اليمن، حيث دعا في 2021 إلى ممارسة ضغوط دولية لوضع حد للمعارك القتالية في مأرب وايلاء أولوية للتهدئة الاقتصادية وتخفيف المعاناة عن كاهل اليمنيين. 

 

فيما يلي النص الكامل للإحاطة: 

 السلام عليكم، أشكركم على شرف الدعوة وعلى اهتمام المجلس بالاستماع إلى أصوات يمنية تمثل المجتمع المدني. إن هذا فعلا أمرٌ مهم خاصة أن التطورات الأخيرة في اليمن تؤكد أنه قد حان الوقت لتصمت البنادق ويعلو صوت اليمنيين الذين يتوقون لصياغة مستقبل بلادهم.

اسمي ياسمين الإرياني، أتحدث إليكم اليوم، باسم مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وبصفتي يمنية قبل كل شيء.

لا يخفى على مجلسكم الموقر أن الشعب اليمني يكابد حربا تدور رَحَاها قرابة عقد من الزمن. حربٌ لم تستثنِ أحدا من اليمنيين، صغارا وكبارا. دمرت كل جانب من جوانب الحياة: إنسانيا، واقتصاديا، وتعليميا، وصحيا، وبيئيا، واختطفت من اليمنيين قدرتهم على تخيل غدٍ أفضل.

لكني أؤكد لكم، أن اليمنيين، شبابا ونساء وبكل شرائحهم، قادرون تماما على إعادةِ بناءِ بلدِهم وتشكيلِ مستقبله. وأؤكد في ذات الوقت أن هناك مسؤولية دولية مشتركة في إخراج اليمن من أزمته وخلق بيئة تسمح بإعادة دمجه كبلد فاعل في المنطقة والعالم. وتُعد هذه المسؤولية الأخلاقية مضاعفة على كلِ من تورط بشكل من الأشكال في حرب اليمن خلال السنوات الماضية.

وعليه، أخاطب اليوم مجلِسَكم الموقر عن الأولويات الملحة لإرساء سلام شاملٍ ومستدام. ومع التنويه بأهمية المحادثات الجارية بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثيين، اسمحوا لي أن أؤكد على ما قاله المبعوث الأممي، هانس جروندبرج، في إحاطته الشهر المنصرم، إن أي عملية سلام في اليمن لا يمكن أن تتم إلا برعاية أممية. فبينما نحن نرحب بأي محادثات بإمكانها خفض حدة الصراع وفتح مسارات سياسية، إلا أننا نرى أهمية أن تراعي هذه المحادثات مصالح البلد وشعبه ككل، وأن تنضوي تحت مظلة أممية تتكاتف مع جهود سلام محلية.

في هذه المرحلة الحاسمة، يقع على عاتقنا كمجتمعٍ مدني التوقف لتذكير الجميع بأن اليمنيين الذين عانوا ويلات الحرب هم الأحق بالتعبير عن مظالمهم، ومن الضروري الاستماع لأصواتهم والتعامل مع مخاوفهم بإنصاف. إن أي اتفاق سلام متعجل لا ينصف اليمنيين، لن ينهي الصراع أو يعزز الاستقرار الإقليمي. ونشيد هنا بأهمية مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين الأخيرة وأثرها الإنساني الواسع لكننا نذكر أنه في هذه اللحظة يظل هناك آلاف المعتقلين والمعتقلات ينتظرون من يفك أسرهم.

***

لا يجب أبدا مقايضة العدل بالأمن لأننا بهذا نخسر الاثنين.

إن أي تسوية تتجاهل أسس العدالة الانتقالية وتعفي الأطراف المنخرطة في الحرب من مسؤولياتها، ليست فقط خذلانا للضحايا، ولكنها أيضًا تخلق تهديدا بتجديد حلقة الصراع والانتقام. ذلك أن معالجة المظالم والتعامل معها يبقى دائما الخيار الأكثر حكمة والأقل كلفة على المدى الطويل. 

سيدتي الرئيسة، السيدات والسادة الكرام، من المهم التذكير بأن اليمن يعيش منذ عقود سلسلة من موجات العنف بسبب التسويات الناقصة وغير المنصفة. لذا، فإن مفهوم العدالة الشاملة الذي أشير إليه يستدعي هندسة عملية سلام تستوفي المبادئَ الأساسيةِ للعدالةِ وتمنح المواطنين الحق في العيش الكريم، والحصول على نصيبِهم العادل في الثروة، والمشاركة في السلطة، وحماية بيئتهم، وتكافؤ الفرص تحت مبدأ مساواة يرفع أي تمييز بينهم - وهنا نذكّر بحقوق الأقليات المهمشة والدينية والفئات الأكثر ضعفا.

اسمحوا لي هنا أن أثير أمرا آخر في غاية الأهمية وآمل أن يصب المجلس والمجتمع الدولي جهوده نحوه، وهو حريات النساء ومناهضة كافة أشكال العنف ضدَهُن. ففي ظل تقلّص الحيز المدني بشكل عام، شهد اليمن تراجعا غير مسبوقٍ في حريات النساء التي اكتُسِبت بشق الأنفس. يشمل هذا حق النساء في دخول سوق العمل ولعب دور محوري في تنشيط الاقتصاد مع ضمان حمايتهن من أوجه الاستغلال وسوء المعاملة، وكذلك حق الانخراط في السياسة ضمن صناعة القرار وليس المشاركة التمثيلية فقط، إضافة لحق التنظيم وتشكيل الحيز المدني دون تحريض ضدهن، وحق الحصول على التعليم الجيد والنمو والازدهار، وحرية التنقل والحضور في جميع مناحي الحياة العامة. لا ينبغي أبدا توظيف هذه الحقوق الأساسية كأداة للضغط أو فرض النفوذ، فهي ليست للمساومة.

لا أخفيكم إحباطي من موقف الفاعلين الدوليين تجاه السياسات الممنهجة ضد النساء. حيث يظهر أن المجتمع الدولي يتعامل معها كعقبات إجرائية تطال فقط النساء العاملات في مجال الإغاثة الإنسانية ويمكن التفاوض عليها. في الحقيقة هذه سياسات ممنهجة تعيد تشكيل المجتمع بأسره، وإن لم يتم التصدي لها اليوم، قد نجد أنفسنا في واقع يُمحى فيه دور المرأة تماماً من الحياة العامة سواء في المدارس والجامعات أو أروقة السياسة. واكتفاء المجتمع الدولي بموقف المتفرج فيه قدر كبير من التخاذل أو حتى التواطؤ.

***

اسمحوا لي أيضًا أن أشير إلى أهمية شمول أي عملية سياسية لحزمة أولويات اقتصادية، فبالرغم من تقلص حدة الصراع إلا أن غالبية اليمنيين لا زالوا ينامون غير مطمئنين بسبب التهديدات المتعلقة بأمنهم الاقتصادي.

يُعد التوزيع غير العادل للموارد الاقتصادية أحد الدوافع الرئيسية للصراع في اليمن. فالتنافس على هذه الموارد الشحيحة بين مختلف القوى وصل حد فرض أعباء وجبايات مالية تفوق طاقة الشعب الذي يعاني أساسا من الفقر المدقع، في ظل تسخير الأنشطة الاقتصادية لخدمة اقتصاد الحرب، بما في ذلك المساعدات الإنسانية.

هذا يُحتم سيدتي الرئيسة، على المجتمع الدولي عامة ودول الجوار الخليجي بالأخص لعب دورٍ رياديٍ في تنشيط حركة اقتصادية شاملة عبر استثمارات وبرامج دعم مستدامة وتأهيل اليمن لإدماجِها اقتصاديا في المنطقة وفي النظام المالي العالمي، وتسهيل إجراءات دخول اليمنيين إلى أسواق العمل في بلدان الجوار.

هناك أيضًا قضية مهمة أُهملت لعقود رغم ارتباطها المباشر باقتصاد ومستقبل اليمن، وهي العدالة البيئية. نشهد في خزان صافر المتهالك مثالا سافرا عن التوظيف العسكري والسياسي لتهديد بيئي قد يمس الملايين من سكان المنطقة ويفتك بالتوازن البيئي الهش للبحر الأحمر. وبينما تُبذل الجهود حاليا لنقل الوقود من خزان صافر إلى ناقلة بديلة، يتساءل العديد من اليمنيين عما إذا تم الحصول على ضمانات كافية بأن الأطراف المسلحة لن تهدد باستهداف الناقلة الجديدة مستقبلا.

 تستمر أيضًا استثمارات شركات النفط دون اكتراث للبيئة وصحة المواطنين والمزارع والمراعي المجاورة وبدون رقيب. إضافة إلى هذه الممارسات المهددة للبيئة، فقد بات اليمن -الذي يعاني من أزمة مياه حادة، أحد أكثر الدول عرضة لتبعات تغير المناخ. ومع تكرّر الظواهر المناخية المتطرفة كالسيول والأعاصير وموجات الجفاف، تأثرت سبل عيش ومساكن المواطنين وأدت في كثير من الأحيان إلى نزوح متكرر. وبالرغم من هذا يظل اليمن خارج المفاوضات الدولية حول العدالة البيئة وبقدرة محدودة للوصول لصناديق التكيف المناخي.  

لذا فإن تخصيص برامج لحماية البيئة والتكيف على تغير المناخ تعتبر ضرورة ملحة لتنشيط وتعافي قطاعات إنتاجية حيوية يعتمد عليها معظم اليمنيين، كالصيد والزراعة وتربية النحل.

سيدتي الرئيسة، لقد واكب هذا المجلس الأحداث الجارية في اليمن منذ العام 2015 وما قبله، ومن المهم استمرار انخراطه لضمان انتقال اليمن إلى مرحلة آمنة تنطوي على عملية شاملة تُرسي السلام على أساس متين وتتيح لليمنيين السير على خطى التعافي وإعادة بناء بلدهم.

وسوم: العدد 1032