الإخوان بين خداع الأمريكان وخيانة العسكر!!

حسام مقلد *

[email protected]

فضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري موقف السياسة الأمريكية اللاأخلاقي من الانقلاب العسكري في مصر، ففي كلمة له بالمجلس الاستشاري للأمن الخارجي بوزارة الخارجية الأمريكية قال كيري: "إن فتيان ميدان التحرير لم يتحركوا بدافع من أي دين أو أيديولوجية... كانوا يريدون أن يدرسوا، وأن يعملوا، وأن يكون لهم مستقبل لا حكومة فاسدة تمنع عنهم كل ذلك... إلا أن هذه الثورة سُرقت من قبل كيان كان الأكثر تنظيماً في البلاد... "

وكلام كيري مردود عليه وهو خطأ جملة وتفصيلا فلا الإخوان سرقوا الثورة كما يدَّعي زورا وبهتانا، ولا يمكن تزييف وعي الشعب المصري بمثل هذه الأكاذيب والافتراءات، فما كانت ثورة 25يناير المباركة لتنجح لولا تضحيات الإخوان ووقفتهم البطولية وبخاصة يوم 28يناير 2011م الذي عرف إعلاميا بموقعة الجمل، وهذا باعتراف جميع القوى الثورية (والفيديوهات موجودة على اليوتيوب)...!!

ولكن لماذا الآن؟! لماذا لم يقل جون كيري هذا الكلام قبل ذلك؟! ولو كان الموقف الأمريكي ينطلق من مبادئ راسخة وقناعات أخلاقية فلماذا تعاونت واشنطن مع سارقي الثورة في مصر؟! ألم يستقبل فخامة الرئيس المصري الدكتور "محمد مرسى" السيد "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي مساء يوم السبت 25مايو 2013م، بمقر إقامة فخامته بأديس أبابا؟! لماذا لم يعلن كيري آنذاك تبرؤه من سارقي الثورة في مصر؟!

الحقيقة هي أن أمريكا لا يهمها سوى مصالحها فقط ـ أي مصالح إسرائيل...!! ـ لا يهمها لا الديمقراطية، ولا شباب الثورة وفتية ميدان التحرير، ولا أن يحيا أبناء مصر حياة طبيعية يتمتعون خلالها بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان... كل هذا مجرد شعارات زائفة للدعاية والاستهلاك السياسي، وتجميل الوجه الأمريكي الاستعماري القبيح!!

لقد تظاهرت الولايات المتحدة بالترحيب بثورة 25يناير، لكنها أضمرت شيئا آخر وبحثت عن رجالها الأقوياء في مصر لاحتواء الموقف وإجهاض الحلم وإفشال الثورة... وهنا بدأ التعاون الخفي مع جنرالات الجيش المصري كنز أمريكا الحقيقي في المنطقة الذي غذَّته وأرضعته لبانها وصنعته على عينها، وصاغت بنيته النفسية والفكرية عبر سنوات طويلة من التشكيل والبناء من خلال ما يسمى بالمساعدات العسكرية لمصر...!! وهذا ما اعترف به مؤخرا السيناتور الأمريكي "لينزي جراهام" حين قال: "إن استثمارنا في الجيش المصري لهو من أهم استثماراتنا في المنطقة" (...!!).

 وفي رأيي أن الانقلاب العسكري الغاشم في مصر ما كان ليحدث لولا مباركة أمريكا له، بل إن هذا الانقلاب الظالم هو صناعة أمريكية أوربية بامتياز، ولا يمكن إغفال دور كل من: (كاترين آشتون) وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، و(آن باترسون) السفيرة الأمريكية في القاهرة في تدبير هذا الانقلاب والتخطيط له مع السيسي وكهنة الدولة العميقة في مصر!! وأما تعليق الرئيس الأمريكي باراك أوباما جزءا من المساعدات العسكرية لمصر في وقت سابق بسبب الانقلاب فهذا دليل على المكر والخبث والخداع الأمريكي، وهو فقط من قبيل المخاتلة والتمويه وذرِّ الرماد في العيون .

أما عن خيانة العسكر فهذه أوضح من الشمس، فهم لا يريدون تسليم السلطة للمدنيين، ويرون أنفسهم أوصياء على مصر، بل إن العسكر يرون أنهم من صنعوا جمهورية مصر العربية بعد أخذها من أبناء أسرة محمد علي عقب ثورة يوليو عام 1952م، ويعلم الكثيرون أن خيوط الدولة العميقة في مصر بأيدي حفنة قليلة من كبار الضباط يتمتعون بالسطوة والنفوذ والثروة والسلطة الحقيقية، فمصر هي مملكتهم وإمبراطورتيهم، ولن يتنازلوا عنها بهذه البساطة والسذاجة التي تخيلها البعض عقب إعلان تنحي المخلوع يوم 11فبراير 2011م.

لقد أخطأت كل القوى الثورية عندما غادرت ميدان التحرير قبل أن تنجز أهداف ثورتها، ورغم أن الجميع قد أخطأ في ذلك لكن من حقنا أن نتساءل عن موقف الإخوان المسلمين باعتبارهم الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما: لماذا لم يرابطوا في الميدان حتى يتم استئصال دولة العسكر العميقة تماما؟! لماذا وثقوا في العسكر إلى هذه الدرجة؟! لماذا أفرطوا في حسن النية لحد الدروشة؟! وهل الإخوان المسلمون بذلك هم الحل أم هم جزء من الأزمة والمشكلة؟!

هناك شريحة ضئيلة من الثوار الشرفاء فقدوا الثقة في الإخوان، بل ذهبوا للظن ـ و(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]) ـ بأن الإخوان أبرموا صفقة مع العسكر، وأنهم لم يفكروا إلا في فصيلهم وأنهم باعوا الثورة من أجل طمعهم في الحكم، وهذا الظن خطأ في الحقيقة، والوقائع كلها تثبت كذب وافتراء مثل هذه المزاعم!!

ولكن ينبغي ألا نلوم هؤلاء الشباب الشرفاء ـ على قلتهم فالغالبية تم شراؤها ...!! ـ فعدم وضوح وشفافية بعض تصرفات الإخوان هي التي زرعت هذا الظن السيئ في النفوس، ورغم التأكد من نزاهة الإخوان والثقة الكبيرة فيهم إلا أنه يجب الاعتراف بأنهم قد وقعوا دون قصد في عدة أخطاء إستراتيجية (وهم في النهاية بشر خطَّائين كغيرهم وليسوا ملائكة معصومين ...!!) أفضت مع أخطاء القوى السياسية الأخرى إلى ما نحن فيه الآن، وأزعم أن من أبرز أخطاء الإخوان ما يلي:

1.    الإفراط في الثقة بالعسكر (وهنا أؤكد على التفرقة بين المجلس العسكري وجيشنا العظيم الذي نعتز به جميعا ونحميه بأنفسنا لأنه صمام أمان الوطن كله... ) رغم أن غدر العسكر بالثورة وخيانتهم للثوار كان منهجا واضحا لكل ذي بصيرة، فكل الجرائم التي ارتُكبت ونُسبت للطرف الثالث كانت من تدبير هؤلاء العسكر!!

2.     تحالف الإخوان مع حزب النور يعد خطأ فادحا، فهذا الحزب لا يمتلك في الحقيقة أي خبرة أو نضج سياسي، ولا يمتلك أي مشروع حضاري متكامل جدير بالثقة والاحترام لبناء دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وأداء حزب النور كان انتهازيا بل كان تخريبيا لثورة 25يناير، وذلك أوضح دليل على فحش خطأ الإخوان بالتحالف معه؛ فقد وفروا بذلك الذريعة التي أغضبت القوى الليبرالية ودفعتها للارتماء في أحضان العسكر!!

3.     انخداع الإخوان بالوضع الدولي، فقد توهموا أن الدول الغربية وأمريكا على وجه الخصوص ترحب بهم وبمشروعهم!! ولم يتعظوا بانقلاب (بينوشيه) العسكري في شيلي الذي صنعته الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض تجربة شيلي الديمقراطية وإبقاء دول أمريكا اللاتينية في الحظيرة الأمريكية. (كان الجنرال "أوغستو خوسيه رامون بينوشيه" قائد الجيش في شيلي فانقلب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا "سلفادور أليندي" وحاصر القصر الرئاسي بدباباته، وقتل الرئيس واستولى على السلطة في 11 سبتمبر عام 1973م، وحكم البلد بالحديد والنار على مدى سبعة وعشرين عاماً بتأييد ودعم ورضا تام من الولايات المتحدة الأمريكية ...!!).

4.    لم يتعلم الإخوان جيدا من درس حماس والدروس التي سبقته في السودان وأفغانستان والجزائر ... ورغم الانبهار بالأداء الجيد للدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس محمد مرسي للعلاقات الخارجية إلا أنه بوسعنا القول: إن الحيلة الدولية انطلت على الإخوان فظنوا أن العالم مستعد لإدماج الإسلاميين كعنصر فاعل في السياسة الدولية... ونسوا أو تناسوا أن هذا هو القرن الأمريكي ولن تقبل أمريكا أحدا إلا كتابع فقط!!

5.    تغافل الإخوان عن الوضع العربي والإقليمي، وأفرطوا في حسن النية تجاه الأنظمة العربية وتوهموا أنها ستتعامل مع نظام الإخوان تعامل الأشقاء المخلصين الحريصين على مصلحة الأمة كلها، وانطلاقا من ذلك الوهم لم يعيروا التربص بهم (راجعوا تصريحات ضاحي خلفان...!!) والمؤامرات الواضحة عليهم أي اهتمام ظنا منهم أن أمريكا صادقة في تقبلهم وإدماجهم في المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية الحالية!!

6.    بالغ الرئيس مرسي في الثقة بالسيسي، وآمن الإخوان للعسكر وركنوا إلى وهمهم بأن الوضع الدولي مستعدٌ لتقبلهم، وركزوا على العمل الميداني لخدمة الجماهير في مختلف المجالات وهذا صواب دون شك، ولكنهم أهملوا الجانب الإعلامي، ولم يفطنوا لسحب البساط من تحت أقدامهم وشيطنتهم المستمرة في وجدان الجماهير... وبدلا من أن يتقاربوا مع شباب الثورة والشرائح المختلفة من الشعب تركوا الساحة لـ (تمرد) ولقبيلة الإعلاميين الكذابين من سحرة فرعون فسحروا أعين الناس واسترهبوهم... فتدنت شعبية الإخوان وأصبحوا مكروهين من الكثيرين!!

7.    لم يحسب الإخوان حسابا دقيقا لقدرة دولة الفساد التي خلَّفها المخلوع، وتناسوا ثأرها مع الثورة والثوار... فتوهموا أن القضاء الفاسد سيتركهم، وأن الداخلية ستنسى ظلمها وجبروتها وتتحول لحارس أمين يحفظ الدولة ويحمي الديمقراطية الوليدة، وأن إعلام رجال الأعمال الفاسدين سيكون منصفا وبناءً ووطنيا، وأن فلول مبارك سيستسلمون للأمر الواقع ويتحولون بقدرة قادر إلى أعوان مخلصين لمشروع النهضة...!! وكأن أجهزة الدولة لم تكن معطوبة كلها، والفساد ضارب فيها حتى النخاع... وبدهي أن كل تلك الجبهات كانت ستتحد لتشكل قوة الثورة المضادة التي سيضرب بها العسكر الإخوان وتجربتهم في مقتل!!!

8.     ومن أخطر الأخطاء التي ارتكبها الإخوان أنهم لم يصارحوا الشعب، ولم يشركوه أولا بأول فيما يٌدّبَّرُ لمصر وثورتها من مكائد ... وبقي الكلام عن المؤامرات على مصر وثورتها مجرد كلام مرسل بغير دليل... نعم الأدلة على هذا التآمر واضحة لكل ذي عينين، لكن السياسة لا تعرف حسن النوايا، ولا تفترض أن الناس خبراء، فكان لابد من المكاشفة والوضوح والاصطفاف إلى جانب الناس وكسب تعاطفهم وتبصيرهم المستمر بالحقائق.

وبعدُ:

فإنه ومن باب الإنصاف يجب أن نقول إن الإخوان المسلمين قد دفعوا غاليا جدا ثمن أخطائهم (أو بالأحرى ثمن طيبتهم وحرصهم على دماء المصريين ووحدتهم وتماسكهم...!!) وأحسب أنهم قد أدركوا مدى فداحة هذه الأخطاء واعترفوا بها بشكل أو بآخر، والآن وبعد أن ظهر للجميع بما لا يدع مجالا للشك أن ما حدث في مصر يوم 3يوليو هو انقلاب عسكري وثورة مضادة عادت لتنتقم بكل جبروت وقسوة من ثورة 25يناير ومن كل صنَّاعها؛ لأن العسكر يرون أنفسهم السادة والشعب عبيد لديهم (وفي نظرهم يجب أن تقطع يد العبد التي تمتد لسيده كما قال مدير أمن محافظة البحيرة عقب ثورة يناير، ولم يحاسبه أحد!!)... بعد كل ذلك أما يجدر بالقوى الثورية الحقيقية التي لم تبع أنفسها لأحد أن تعيد توحدها وتجلس مع الإخوان والتحالف الوطني لدعم الشرعية ليتحاور الجميع مع بعضهم البعض، لوضع أسس جديدة لاستكمال الثورة وإنقاذ مصر من أعدائها المتآمرين عليها في الداخل والخارج؟!!

               

 * كاتب إسلامي مصري