يومٌ أسودٌ آخر في تاريخ إسرائيل
د.مصطفى يوسف اللداوي
يبدو أن الأيام السود في تاريخ الدولة العبرية في تزايدٍ مستمر، فقد كثرت الأيام التي اعترفت بسوادها، وأقرت بأثرها السيئ عليها، وبنتائجها السلبية على أمنها ومستقبل وجودها، ولم تعد أيامها انتصاراتٌ وفتوحات، ونجاحاتٌ وانجازات، كتلك التي اعتادت على تحقيقها في السنوات الماضية، وكانت تخدع بها شعبها والعالم، بأنها لا تعرف الهزيمة ولا الانكسار، وليس في سجلها أيامٌ سوداء، ولن تكون، ولن يأتي اليوم الذي تلبس فيه السواد، وتتوشح فيه بالحزن، وتبكي فيه على حالها، أو تخاف فيه على مستقبلها.
لكن الحقيقة الأكيدة أن الأيام السود في تاريخها باتت تترى، وتتوالى تباعاً، وتأخذ بأذيال بعضها وتتواصل ولا تتوقف، وأخذت، شاءت أم أبت، تترك آثارها السلبية عليها وعلى شعبها، الذي بدأ يتهيأ لمزيدٍ من الأيام السود، ويتحضر لما هو أسوأ منها، وما هو أكثر ظلمةً وأشد سواداً مما شهدوا، فما من يومٍ يوم إلا ويخسر فيه الإسرائيليون أكثر، وتكسب المقاومة بالمقابل أكثر، وقد بدأت صفحاتها السود ترتسم منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، إثر معركة الكرامة في الأردن وحتى اليوم، حيث بات من العسير عليها تحقيق نصرٍ ناجزٍ، أو إنزال هزيمةٍ ماحقة بخصومها وأعدائها.
وما هالاتُ القوة التي تدعيها، وترساناتُ السلاح الذي تراكمه، والمناوراتُ الضخمة التي تقوم بها، والتهديداتُ التي تطلقها، والمناوشاتُ التي تقوم بها، والاعتداءاتُ المتكررة التي تنفذها، إلا محاولة المرعوب، ومبادرة الخائف، سعياً منها لصد الهجمات، وتحصين نفسها أمام قوة المقاومة التي تتعاظم وتزداد، ومحاولةً منها لطمانة شعبها الخائف، وشارعها القلق، ومستوطناتها الحدودية وغيرها التي باتت تستعد للرحيل، وتتهيأ لمواجهة جديد المقاومة، بعد اكتشاف أنفاقها، والتعرف على نيتها الجديدة بنقل المعركة إلى داخل الكيان الصهيوني، وعدم الاكتفاء بصد العدوان داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية.
نجاحُ الجمهورية الإسلامية في إيران في إبرام اتفاقٍ مع الدول الست الكبرى حول برنامجها النووي، وتمكنها من تصديعِ الجبهة الدولية، وتفكيكِ أطرافها، والمباشرةِ في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، والبدء في تسييل الأموال المجمدة، والسماح بتحويلها إلى طهران، بالتزامن مع إعادة التعامل مع البنوك الإيرانية، وتحرير ودائعها المحتجزة، فضلاً عن السماح بإعادة تأهيل وتطوير شركات الطيران الإيرانية، وتحديث طائراتها، والموافقة على عقد صفقات شراء طائرات جديدة، بالإضافة إلى رفع العقوبات عن كافة أشكال التعاون التقني والمعلوماتي، وغيرها الكثير من المناحي والمرافق التي كانت تطالها العقوبات الدولية، لهو واحدةٌ من أشد الصفحات السوداء إيلاماً في تاريخ الكيان الصهيوني.
إسرائيل باتت اليوم خائفة وقلقة، وقد اعتبرت هذا اليوم من أسوأ الأيام التي مرت بها، ومن أكثرها شؤماً عليها، وأنه سيكون له ما بعده في تاريخها، واعتبرت الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي كارثة تاريخية، وأكبر خطأ يرتكبه المجتمع الدولي، وأنه سيعود بالضرر على الجميع، وسيدرك الذين أبرموا الاتفاق معها أنهم ارتكبوا خطأً فاحشاً، ومكنوها من الانتقال إلى نادي الدول النووية، وذلك باعترافهم بحقها في امتلاك التقنية النووية السلمية.
ووجه رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بصوتٍ خائفٍ، وبكلماتٍ مرتجفة مترددة، وبثقةٍ مهزوزةٍ، تحذيره إلى المجتمع الدولي، بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الاتفاق، وأنها لن تسمح لإيران بامتلاك القوة النووية، ولو اضطرت أن تقف وحدها في مواجهتها، مؤكداً أن إيران تهدد بتدمير بلاده، بل وتسعى للوصول إلى هدفها، وأنها نجحت بالفعل في خداع المجتمع الدولي، واقناعه بأنها ستوقف برنامجها النووي، في حين أنها ماضية في مشروعها، وقد قطعت فيه شوطاً كبيراً، وأنها ليست بحاجة إلى أكثر من المال، لتستكمل به ما بدأت، وتصل به إلى النهايات التي ترجو.
لعل إسرائيل أكثر من يحسن تقدير حجم النصر الذي حققته إيران على خصومها ومفاوضيها، فهي تعرف يقيناً أن إيران قد نجحت بعد أكثر من عشر سنوات على انطلاق مشروعها النووي، على إرغام العالم على الجلوس معها، والاستماع إلى مطالبها، والقبول بشروطها، بل والمبالغة في استرضائها، في الوقت الذي باتت فيه قادرة في أي وقتٍ تشاء على استئناف أبحاثها النووية، ومواصلة مشروعها الذي بدأته، طالما أنها أصبحت تمتلك القدرات التقنية والمالية لمواصلته، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضعف الدول الكبرى، ويجعلها تخضع دوماً للشروط أو المطالب الإيرانية، التي ستكون في حقيقتها عملية ابتزازية متواصلة، تستنزف الغرب وتجبره على القبول والموافقة، والتي قد تكون نتائجها في مجملها أشد خطراً على إسرائيل من المشروع النووي.
إن هذا اليوم مهما اختلف عليه العرب والمسلمون، وحاروا في تقديره، تأييداً أو انتقاداً، فإنه بلا شك أحد أكثر الأيام سوءاً على إسرائيل، وسيكون مع الأيام أكثرها سواداً، وأشدها عفرةً وغباراً، وهي ستبقى تذكره ما بقيت، وستنساه حتماً يوم أن تشطب وتزول من الوجود، فهي تدرك أنها تواجه عقيدةً قتالية صادقة، وعزماً على مواجهتها أكيد، يتخطى الشعارات، ويتجاوز القول إلى الفعل، ويتهيأ إلى هذا اليوم دون خوف، ويستعد للمواجهة بشغفٍ وشوق، وأنها مهما طال الزمن أو قصر، فإن اليوم الأسود في تاريخها قادم، والشتات الجديد في حياتها لا محالة آتٍ، والرحيل الأخير عن بلادنا حتماً وقريباً سيكون، فلتتهيأ له ما استطاعت، ولتستعد لمواجهته بما تريد.