الله عليك يا أبو جنكو أيقظت لي ذاكرتي ..
نفذنا المهمة بنجاح
خالد عكاش ميقري
في صباح يوم ممطر من صباحات دمشق لعام 1972 م كانت مناشير البارتي اليساري * قد ملأت أزقة الحارات الشعبية ، والشوارع الرئيسية في مدينة دمشق .. مناشير * * رفضت اجراءات النظام القمعي في الجزء الكردستاني من سورية ، واستنكرت إجراءه في تجريد 120 ألف مواطن كردي من جنسيتهم السورية ووصفهم بالأجانب غير السوريين ..
كنت أنا من وزع المنشور ، ومعي الأخ ربحان رمضان " أبو جنكو" حيث أنه و قبيل توزيعه بيوم واحد كنا في اجتماع لهيئتنا الحزبية التيي كانت تضم حينها كل من المهندس عبد الباقي اليوسف ، " م. د . ب " ، ربحان رمضان ، " ابن أخي " مزكين ميقري ، وأنا .
طلب منا : أنا وربحان رمضان الخروج من الاجتماع للحظات ، خرجنا إلى أرض الدار التي كنا نجري فيها الاجتماع ليعطينا الأستاذ محمد نيو عضو المكتب السياسي " مسؤولنا الحزبي " أمر مهمة يجب تنفيذها في اليوم التالي ، وهي نشر البيان الرافض لمشروعي الاحصاء الاستثنائي والحزام العربي الجائرين .
في الليلة التالية ، وضعنا المناشير في بطوننا تحت الملابس ، شوالا من القمح كنا قد حضرناه بشكل مناسب وكأنه معبأ بالحنطة أو العدس ليتسع بقية المناشير .
انطلقنا من بيت الرفيق ربحان نحث الخطى إلى شوارع القابون شمال دمشق لنرمي تحت كل باب منشور ، وفي كل زاوية منشور .
ثم دخلنا حي مساكن برزة ومنها إلى أزقة حي الأكراد الذي يضم أكثر من ثلاث مئة ألف نسمة غالبيتهم من الكرد ، ومنه إلى حي الصالحية ، ثم المهاجرين حتى أشرفنا على مقربة من القصر الجمهوري .
من هناك اتجهنا نحو مركز المدينة مرورا بالعفيف ، فزقاق الصخر " الشارع الموازي لطريق الصالحية " حتى وصلنا إلى مركز الحجاز ، فدخلنا بشارع خالد بن الوليد ووزعنا بعض المنشورات ، ومن هناك اتجنا إلى باب توما لنكمل مهمتنا في توزيع المنشورات .
انتهينا من نشر البيان حوالي الرابعة صباحا .. عدنا بعدها مشيا ً على الأقدام إلى بيتنا في حي الأكراد عبر بساتين أبو جرش ، مرورا بطاحونة شنان ..
لم ننم يومها .. بقينا متخفيين في بيتنا حتى اليوم التالي ..
ثم غبنا عن بعضنا ، لم يكن في بيتي هاتف ، ولا في بيت أبو جنكو للتواصل .. التقينا بعد ايام وعرفنا أن جهاز أمن الدولة الواقع في منطقة السادات بحي القصاع قد استدعى رفيقنا " م. د . ب " معتقدا أنه هو الذي وزع المنشور .. لكنهم أخفقوا في نزع أي اعتراف منه لأنه لم يكن على علم بتوزيع المنشور أساسا ً .
بقي الفاعل مجهولا ، لم أتمكن من الحديث عنه حتى نفذتت بجلدي من أجهزة النظام إلى خارج البلاد وأصبحت في مأمن منه .
لم يكن ببالي أن أكتب شئ عنه حتى ذكرني به أبو جنكو الذي افترقت عنه لمدة تزيد عن الثلاثين عام .
تنفست الصعداء وأنا بعيد عن بلد ساده القمع لفترة طويلة من الزمن .. ابتسمت للحظات ، سعيدا بذكرى نجاح المهمة .
= = = = = = = = == = = = = = = =
* البارتي اليساري تحول اسمه في مؤتمره الخامس عام 1980 إلى حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية .
* * في منطقة الجزيرة قام المرحوم الرفيق عادل اليزيدي ، والأستاذ يوسف ديبو بتوزيعه ، اعتقلا بعدها ، تطوع الدفاع عنهما الأستاذ المحامي جريس الهامس الذي كان أمينا عاما للحزب الشيوعي العربي الماركسي - اللينيني .