نار القلمون تلسع لبنان

فادي شامية

قبل نحو شهر من الآن؛ كان يُخشى من اندلاع معركة القلمون، وأن تنتقل نيرانها إلى لبنان، أما وقد اندلعت المعركة، وتدفق عشرات آلاف النازحين، ووقع التفجيران المزدوجان قرب السفارة الإيرانية في بيروت؛ فقد بات واضحاً أن نيران المعارك السورية باتت في لبنان بالفعل

تمتد منطقة جبال القلمون بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية من عرسال حتى زحلة، وتضم نحو 17 بلدة أهمها: صيدنايا، ومعلولا، ورنكوس، والنبك، ويبرود، وقارة، وعسال الورد وغيرها، بما يزيد تعداداً على مليون نسمة. كما أنها تشكل جبهة خلفية للمقاتلين في دمشق وريفها، فضلاً عن التواصل الذي تؤمنه مع عرسال، الداعمة للثورة (خط عرسال-النبك). 

في القلمون مناطق محمية للثوار، لكن كثيراً من الطرق الرئيسة يسيطر عليها جيش النظام. وسقوط المنطقة بيد الحزب وجيش النظام واللجان الشعبية (الشبيحة) ضربة قوية للثوار، لكنها غير قاصمة للثورة، تماماً كما حصل في معركة القصير سابقاً (يوجد اتفاق غير مكتوب سعى إليه وجهاء يبرود؛ يلتزم فيه الثوار بعدم قطع خطوط إمداد النظام مقابل عدم قصف معاقل الثوار لا سيما في يبرود).

تعتبر نهاية عاشوراء بداية الهجوم الفعلي على القلمون، بعد مدة غير قصيرة من القصف المتقطع، والاستطلاع بالنيران. اختيار الهدف الأول للحملة كان واضح الدلالة؛ فلطالما شكّل قطع التواصل بين عرسال والداخل السوري هدفاً مشتركاً للنظام ولـ "حزب الله"، ولذلك بدأ الهجوم على بلدة قارة (ومن المرجح أن تكون يبرود الهدف التالي لقطع التواصل مع عرسال نهائياً). 

ما حصل في قارة (على بعد 100 كلم من دمشق) هو الآتي: تعرضت البلدة إلى قصف همجي؛ ألقت الطائرات براميل المتفجرات، وقُصفت بصواريخ (سكود) ومدفعية الدبابات، على مدى خمسة أيام، بعد تهدم معظم البلدة، ما دفع الأهالي للطلب من الثوار إلى المغادرة، على أن تبرم فعاليات البلدة اتفاقاً مع جيش النظام يتضمن دخوله البلدة دون التعرض للمدنيين، وبناءً على هذا الاتفاق دخلت قوات الأسد والشبيحة إلى البلدة، ويبدو أن سوء التنسيق بين المقاتلين أسهم في تسريع قرار خروجهم من قارة. 

سبق ذلك وقوع خسائر كبيرة لجيش النظام وميليشيا أبي الفضل العباس و"حزب الله"، كما استهدف الثوار رتلاً عسكرياً بين قارة والنبك وحققوا فيه إصابات واضحة. كما أنهم استهدفوا بعد سقوط قارة، بعمليات فدائية، حاجز الجلاب في النبك، ومبنى الأمن العسكري، ما أدى إلى مقتل العشرات. وتندلع اشتباكات منذ ليل أمس في بساتين النبك، ودير عطية، وطريق الأوتوستراد الدولي في منطقة القلمون في ريف دمشق. 

ويسعى النظام السوري إلى تحقيق مكاسب متتالية على الأرض لتعزيز وضعه التفاوضي على طاولة المفاوضات المرتقبة في جنيف، بما يحقق لبشار الأسد الاستمرار في السلطة، وتحقيق "الحل السياسي" وفق منظور النظام وحلفائه. 

الأكثر أهمية لبنانياً؛ أن نيران معركة القلمون باتت في لبنان، ومن رفع شعار القتال في سوريا دفاعاً عن لبنان، وكي لا تمتد النيران السورية إليه، هو فعلياً نقل الحرب السورية إلى لبنان وجلب نيرانها إليه. 

إلى ذلك فإن البيئة الاجتماعية الحاضنة للنازحين تكاد تنفجر بالأعباء الملقاة على عاتقها، كما أن البلد كله لم يعد يتحمل عبء استمرار النزوح السوري، والأكثر خطراً هو التفجيرات الانتقامية التي تأتي على خلفية تدخل "حزب الله" في سوريا، واحتمال الرد عليها في مناطق أخرى، كما حصل فعلياً في تفجير المسجدين في طرابلس، ما يعني حرباً أهلية على النموذج العراقي. 

ومن غير المستبعد ارتفاع منسوب التوتر بين عرسال وجوارها وتزايد أعمال الخطف والانتقام، فضلاً عن أن تدخل الحزب في سوريا بالشكل الذي هو عليه يعمق الشرخ بين اللبنانيين، ويعطل الحياة السياسية أكثر. 

من العجيب بعد ذلك كله؛ أن يبرر أحد في لبنان تدخله في سوريا بالدفاع عن لبنان، أو أن يخبرنا أن ثوار سوريا قادمون لمقاتلة "حزب الله"، جاعلاً النتيجة سبباً، فيما الوقائع تحكي عن نفسها.