فريق مستورد، هدف بالصدفة وانتصار عظيم
عثمان أيت مهدي
بداية، أستسمح إخوتي المغتربين بفرنسا الذين أراهم دائما دعامة للوطن في البناء والتطور، وسندا له أيّام الشدة والحاجة، وقد كانوا كذلك بالأمس القريب، حين امتدت ألسنة لهب الثورة النوفمبرية المباركة إلى قلب فرنسا، وأحرقت الفرنسيين في عقر دارهم. كان صدى الجزائري المغترب بفرنسا لنداء الثورة: لبيك يا جزائر، لبيك نحن فداك إلى الحرية والانعتاق من هذا المحتل الظالم. أستسمح إخوتي المغتربين من بعض العبارات التي قد تبدو في ظاهرها خدشا بهم، وهي في الحقيقة غير ذلك، وحاشا لله أن تكون كذلك.
الفريق الوطني الجزائري الذي تأهل إلى المونديال برازليا بفضل هدف جاء عن طريق الصدفة، لم يقنع أحدا في طريقة لعبه ولا في التنسيق بين لاعبيه، ولم يعط صورة مشجعة عن الفريق الذي قد يقابل أكبر الفرق العالية في كأس العالم 2014، وهذا رغم الإمكانيات المادية والمعنوية التي وفرتها الدولة من أجل هذا الفوز الهزيل الذي صنع هذا الانتصار العظيم الذي أخاله حين أشاهد الصور للمرة الثانية لا يقل في حجمه وصراخ الذين ملأوا الشوارع، والأعلام الجزائرية المرفوعة، عن يوم إعلان استقلال الجزائر، ولكم أن تشاهدوا الصور للحكم على ذلك.
فريق مستورد في معظم تشكيلته من فرنسا، لاعبون جزائريون، ولا أحد يزايد عن الآخر في مجال الوطنية، لكن، ما أريد الإشارة إليه، هذا الفريق الذي ولد ونما وكبر بأرض فرنسا، وتعلم أبجديات الكرة بفرنسا وأصبح لاعبوه نجوما بأكبر الفرق الفرنسية والأوروبية، كان بفضل فرنسا، فبأيّ حقّ تستحوذ الجزائر على منتوج لم تستثمر فيه درهما؟ ألا يحقّ لفرنسا أن تفتخر بمنتوجها الذي تأهل لكأس العالم من بوابة إفريقيا؟ ماذا تملك الجزائر في هذا الفريق إذا استثنينا الاسم واللقب؟ وماذا تملك الجزائر في الفريق الفرنسي الذي يلعب في صفوفه جزائريان إذا استثنينا الاسم واللقب؟ للجزائر الاسم واللقب، ولفرنسا مكان الازدياد والأندية التي صنعتهم أبطالا. لو شاركت الجزائر بفريقها المحلي لما بلغت نهائيات كأس إفريقيا، لأنّ مستوى البطولة الجزائرية يتمرغ في الحضيض من كلّ الجوانب، الفنية والبدنية والتنظيمية.. فرق عشّش فيها الفساد وتبييض الأموال، هجرها مناصروها وتوجهوا إلى تشجيع الأندية الأوروبية التي تتميّز بالجدية والصرامة، ولا غرابة إن وجدت جزائريين يتبادلان الشتم والخصومة من أجل، أحدهما دفاعا عن البارصا وثانيهما دفاعا عن الريال.
هدف جاء عن طريق الصدفة والحظ الجميل، حاول أحد مدافعي البوركينابي ردّ الكرة إلى الأمام فاصطدمت بأحد لاعبي الجزائر لتستقر في شباك الخصم. لم تكن كرة عن طريق بناء هجوم، ولا عن طريق كرة ثابتة ولا ضربة جزاء، وإنّما هي قوانين الكرة التي لا تؤمن أحيانا باللعب السديد بقدر ما تؤمن بالحظ السعيد. لا أحد يعلم كم هو مبلغ تسريح اللاعبين الجزائريين المغتربين بالدولارات؟ ولا أحد يعلم كم أنفقت الدولة عن مصاريف تنقلاتهم وإيوائهم وإقامتهم بالجزائر؟ ولا أحد يعلم كم هو ثمن عقودهم في حال الإصابة مع الشركات المختصة في الضمان الاجتماعي؟
تمخض الجبل فولد فأرا، إلا أنّ هذا الفأر أصبح بقدرة قادر أسدا ضخما. خرج الشباب الجزائري الذين في معظمهم تقل أعمارهم دون الثلاثين سنة، إلى الشوارع حاملين الرايات الوطنية واحتفلوا بطريقتهم بهذا النصر العظيم الذي جاء عن طريق هدف فاتر، باهت، سمج، أهدته لنا فرنسا مستعمرة الأمس وصديقة اليوم.
هذا الشباب الذي عجزت السلطة عن إخراجه يوم الانتخاب، ولا حزب من الأحزاب استطاع تجنيده أو تأطيره. هذا الشباب الذي لا يؤمن بالسياسة ولا بالمسؤولين، استطاعت كرة القدم أن تفعل فيه الأعاجيب، يقطع مئات الكيلومترات، يبيت جوعا في العراء، يضرب بالعصي، ويدفع ثمن التذكرة لحضور المقابلة عشر مرات سعرها الحقيقي، ثمّ يهتف بأعلى صوته: وان تو ثري فيفا لالجيري.
هذا الشباب بعد صحوته في اليوم الموالي يبحث عن قارب الموت يشقّ به بحر الأبيض المتوسط هروبا من الجزائر وبحثا عن الحياة في البلاد الأخرى. هل كرة القدم حشيشة من الكيف تمنحك حلما لذيذا إلى حين؟ أو هي كأس من النبيذ ينسيك همومك لفترة قصيرة ثمّ تصحو على واقع أشدّ مرارة وصعوبة؟ أما حان لعلمائنا في الاجتماع والنفس أن يدرسوا هذه الظاهرة دراسة جيّدة ومستفيضة؟ أما حان لعلمائنا في الشريعة أن يحرّموا هذا التعلق الجنوني بكرة القدم حتى وإن كانت من أجل الأوطان؟ أما حان لساستنا أن يخجلوا من هذا التعلق بالفريق على حساب شخصيتهم الكارزماتية الموهومة؟ أسئلة وأخرى أريد طرحها ولكن: أسمعت لو ناديت حيّا غير أنّه لا حياة لمن تنادي.