في منزل الأسير عبد الخالق النتشة وحديث مع الصابرات

في منزل الأسير عبد الخالق النتشة

وحديث مع الصابرات

فؤاد الخفش

لكل شيء في هذه الدنيا حدود، حتى الصبر له حدود وهناك طاقة لاحتماله. إلا عند الصابرات لا حدود للصبر ولكلمة (الحمد لله) وقع خاص في النفس حين تخرج من فم صابرة محتسبة (كأم الجبير) زوجة الأسير الحبيب عبد الخالق النتشة.

تعجز الكلمات عن وصف ما انتاب قلوبنا حين جلسنا في بيت هذا الرجل مع الزوجة المجاهدة الصابرة (أم جبير) وهي تتحدث عن زوجها ومآثره وعن بطولاته ومحبته لها، وعن مدى حنانه وروعته، وعن صبره واحتسابه.

الزوجة التي استطاعت أن تعيد بناء منزل هدمه الاحتلال في انتفاضة الأقصى، وتعيده أجمل مما كان، حرصت خلال سنوات غياب زوجها الطويلة أن تصنع منزلا جميلا أنيقا غاية في الروعة كل قطعة موضوعة بعناية تدخل للنفس السرور والراحة والطمأنينة الامر الذي يدل على روعة ونقاء صاحبة المكان.

أم جبير التي رحبت بنا أجمل ترحيب وحيتنا وكأن زوجها حاضر بيننا، وقدمت ما لذ وطاب من فاكهة وما شابه، قالت لنا إنها غير قلقة أبدا على نفسها وأن كل خوفها على زوجها الذي اقترب من عامه الستين، وهو يتنقل من سجن لآخر ومن معتقل لمعتقل وأن الاعتقال الإداري سيف سلطه الاحتلال على رقبة زوجها الذي أمضى ما يقارب العقدين في سجون الاحتلال.

أم جبير كل ما تريده أن تمضي ما بقي من عمر بجوار زوجها قد تكون أمنية عادية لأغلب نساء الأرض، ولكن في فلسطين تحت الاحتلال ليست كل الأماني محققة فمنها ما هو مستحيل ولعل أهمها الاستقرار الذي لا تنعم به عائلات الأسرى والمجاهدين.

لم ترزق أم جبير أطفالا، وحرم الشيخ من هذه النعمة ولم يسمح له الاحتلال البقاء في الخارج لأخذ العلاج اللازم لكي يتغلب على هذه المشكلة. ورغم كل ذلك بقيت أم جبير صابرة مصابرة تمضي بها سنيُّ العمر محتسبة وتقول "ما عند الله خير وأبقى" فأي امرأة هذه التي تقبل بهذا الوضع إلا امرأة كأم جبير.

قلت وأكرّر، لوقع كلمة (الحمد لله) أثر خاص في النفس حين تخرج من ثغر امرأة سطرت بصبرها ملحمة من ملاحم البطولة والفداء وقصة من قصص التضحية والصبر.

الحمد لله، والرضا بقضاء وقدر الله، والصبر ليست أمور تقال وينطق بها اللسان إنها حالة تأتي من إيمان عميق كذلك الذي وجدناه في وجه هذه المرأة الوقورة الصابرة المنتظرة عودة الزوج الغائب بفارغ الصبر وبكل الحب والرضا.

أمام عظمتها وصبرها وجَلَدها تكتب القصائد، ولهذا النوع من الصابرات المرابطات في أكناف المساجد، وسط مدينة الخليل الصابرة، لهنّ كل التقدير والاحترام، ونكتب قصصهن ليعلم العالم ومن قبله نساء فلسطين أن لدينا نماذج (كأم جبير) تحملت البعد عن الزوج والبقاء دون أولاد مقابل الوقوف بجوار رجل قدم سنوات عمره لأجل الوطن، فهي مرابطة رباطا لا يقل عن رباطه وصبرت صبرا لا يقل عن صبره وضربت أمثلة غاية في الروعة والبطولة والفداء .

لك أختنا وفاضلتنا ومربيتنا على الصبر والثبات أم جبير كل الوفاء والتقدير والاحترام فمنك تعلمت معنى كلمة (الحمد لله) وتعلمت معنى الرضا والصبر، فرّج الله كرب شيخنا عبد الخالق ولمّ الله شملكم يا معلمتنا معاني الصبر والفداء.