ألا تحتاج الثورة إلى وقفة مراجعة ؟؟....

عقاب يحيى

الشمس لا تغطى بكل غرابيل التبرير.. وواقع الحال الذي وصلت إليه الثورة ينشر الكثير من اليأس، والسلبيات.. ليس بسبب العوامل الخارجية عنها، بشقيها : النظام وحلفائه، والمجتمع الدولي وأثره فقط.. بل : انطلاقاً مما يجري على الأرض باسم الجيش الحر.. والقوى المسلحة المحسوبة على الثورة، أو عبر أداء كل من المجلس الوطني والإئتلاف ..

ـ يمكننا الحديث طويلاً عن العوامل الموضوعية التي تقود إلى كثير من الوقائع والنتائج الحالية، والتي يحلو لكثير البارزين على السطح أن يُرجعوا إليها مختلف التطورات التي تجري منذ أشهر ..

ـ هناك من يريد وضع اللوم كله على داعش وأخواتها.. ويكتفي بأنها اختراق للنظام، ومعه عراق المالكي وإيران ..

وهناك من يعزي التراجع، وحتى السلبيات.. إلى مواقف الدول المحسوبة على أنها أصدقاء سورية وخلبية وعودها، وتملصها من القيام بواجبها، أو المجتمع الدولي : استهتاراً، أم تواطؤاً، أم تآمراً..

ـ ونجد كثيرين يضعون اللوم على ضعف التسليح، وعدم مدّ الجيش الحر بالأسلحة النوعية التي كان من شأنها أن تعدل ميزان القوى.... بل وأن تحسم المعركة مع النظام من زمااااان ...

ـ وفي جانب التحليل المظهري.. تنمو الآن المواقف الذرائعية التي تريد وضع مسؤولية التطورات ـ جميعها ـ على الدعم الكبير الذي يلقاه النظام من الخارج... بدءاً بالمواقف الروسية السياسية، والدعم اللوجستي وبالسلاح، ووقوفاً عند ما يشبه الغزو الإيراني المدجج بقوات من الحرس الثوري، وقيادة غرفة العمليات.. وغيرها.. إلى أحزاب الله.. خاصة حزب الله اللبناني، ولواء أبو فضل العباس.. وغيرهما.. وأنهما من رجّح ميزان القوى، وأن هذا الوضع هو الذي يقود للتراجعات الميدانية الملحوظة.. وما تشكله من تهديد على الثورة.... عبر استعادة المناطق " المحررة"، أو بالأدق : تلك التي خرجت عن سيطرة النظام

                                               *****

هذه العوامل: مجتمعة، ومتداخلة.. كان لها دورها، وتأثيرها، لا شك في ذلك، لكن ما يهمنا هنا الجانب المتعلق بالثورة والمحسوبين عليها، خاصة ما يتصل بالعمل العسكري، وعنوان الجيش الحر الفضفاض..

ـ لقد تناولنا مراراً كيف فرض التسلح أمره الواقع بدءاً.. وانتشاره الملغوم حين دخلت عليه أطراف ودول وأجهزة شتى.. راح كل منها ينشيء لنفسه مليشيا خاصة.. تحت مسميات كتيبة أو لواء.. يربطها به، ويقيدها بالمال والسلاح، ويجذب عديد المحتاجين، أو المتلهفين إليها.. في تنافس لا يخفي تعدد المشاريع وتنافسها واصطراعها.. وفي استخدام أساليب كثيرة لا أخلاقية، أو أمنية مخابراتية لترغيب ما هبّ ودب..وصولاً إلى ما يشبه استحالة توحيد العمل المسلح : ارتباطاً بتعدد أطراف التمويل وجهاتها الرسمية..

ـ ثم صعود الحركات المتشددة، والأسلمة التي تأكل جوهر الثورة ومطالبها بالحرية والديمقراطية، واعتبار كثير من هؤلاء أن الديمقراطية بدعة وكفراً، وأن " الحاكمية لله وحده" ، ومدى ردود الفعل على عمل فئوي، طائفي يمارسه النظام بشبيهه.. لحرف الصراع وتوجيهه نحو هذه الوجهة.. بما يشبه الانقسام العمودي.. وبما يضع عديد القوى المؤمنة بالثورة : اتجاهات سياسية وقوى محسوبة ـ بشكل ما ـ على المكونات الدينية والمذهبية غير السنية.. والتي وجدت أنها تقف على حدّ السكين.. وبين مطارق النظام الذي عارضته، ووقفت مع الثورة أملاً بالحرية، وبين سندانات هذه القوى الصاعدة.. والتي صارت داعش بفكرها المتطرف، وممارساتها العجائبية : العنوان ..

ـ لكن لنعد إلى الجوهر : الحاضنة الشعبية وتحولاتها...

فحين اتجهت المجاميع العسكرية نحو المدن.. فيما عرف ب"تحريرها" استقبلت ، بداية بالترحاب   والأمل بالخلاص.. وعلى أنها ستكون بديلاً نوعياً لنظام القهر والنهب والفساد والفئوية والاغتيال المنوّع.. وكان السؤال الكبير : ترى هل دخلوا المدن والمناطق الآهلة بناء على خطط مسبقة تعرف ما هي الخطوة التالية ؟؟

ـ هل يملكون برنامج عمل للتطبيق.. يكون مختلفاً عن الذي كان سائداً، ويلبي آمال الناس، ويوفر لها الأمن والأمان ووسائل الحياة؟؟..

ـ هل توجد تصورات مسبقة عن طريقة غدارة تلك المناطق بكل التفاصيل المهمة المتعلقة باليوميات، والعدالة، والشرطة، والتعامل مع المواطنين واحتياجاتهم؟؟..

ـ وإن كان المجال لا يسمح بالاستفاضة.. يجب الإقرار بأن الممارسات ـ على عمومها ـ وبعضها صارخ في السلبية ـ كانت الأكثر سوءاً من أفعال النظام السابقة.. وقد فتحت كل الأبواب لجميع الموبقات، والتجاوزات وعمليات النهب والفوضى، والسلبطة على حياة الناس وأملاكها.. وكثير من تفاصيل تروي يومياً بعض ما يجري..

ـ هذه الأسباب مجتمعة، ونخصّ منها المتعلقة بالسلوك لتلك الجهات التي وضعت يدها على مقادير المدن والمناطق" المحررة"  .. تكمن في جوهر الانزياح الشعبي، وتراجع الحاضنة الشعبية درجة خطيرة.. تؤدي إلى التحاق فئات مختلفة بالنظام، ودعوته للعودة، بل وتقديم العون له في ذلك.. لأنه ـ على القل ـ كان يوفر لها الأمن، ووسائل الحياة المعدومين..

 ـ لهذه السباب، ولتلك الأخرى المتعلقة بالملف السياسي والتطورات، وآفاق الثورة والتحديات.. فإن وقفة مراجعة مطلوبة الآن بإلحاح قبل حدوث الانهيار.. وقبل أن تفقد الثورة معظم استناداتها .. ولعل الإئتلاف، باعتباره الجهة المعارضة الأقدر، يدعو إلى لقاء تشاوري مع جميع القوى السياسية والفاعلة لبحث الواقع وسبل الخروج منه، واقله أن يخصص دورة اجتماعات لهيئته العامة لوضع الواقع على مشرحة الدراسة والاستنتاج..