داعش والغرباء وداحس والغبراء
كاظم فنجان الحمامي
لا شك أنكم سمعتم عن حرب داحس والغبراء, فهي أشهر من نار على علم, وكانت من أطول وأسخف حروب العرب في الجاهلية, احتدمت نارها أربعين عاماً بين قبيلتي عبس وذبيان, وقيل أن داحساً كان مهراً أصيلاً من خيول بني يربوع, أما الغبراء فكانت فرساً لحمل بن بدر. الغبراء في اللغة هي الأرض, وجاء في الحديث: ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر.
لكنكم لم تسمعوا الكثير عن (داعش) وما فعله الغرباء في العراق والشام, فداعش هو الاسم الرمزي للدولة الإسلامية المزعومة في العراق وسوريا, وهي دولة افتراضية نشأت بتمويل القاعدة بين كثبان الصحراء الغربية في العراق, وامتدت نحو البوكمال ودرعا ودير الزور والرقة في سوريا.
لقد ظهر هذا التشكيل المسلح لأول مرة في نيسان (أبريل) 2013, بعد اندماج تنظيمات القاعدة في العراق وسوريا في كيان مسلح يقوده أبو بكر البغدادي, وكلمة (داعش) مشتقة من الأحرف الأولى لعبارة:
دولة إسلامية عراقية شامية
أما الغرباء فهم مجاميع المرتزقة, من الشيشان والأفغان والباكستان والعربان والغربان, الذين حذفتهم علينا رياح الفوضى السياسية بتدبير وتحريض وتوجيه من القوى الظلامية الغاشمة, فارتبطوا منذ قدومهم إلى الشام بعلاقات دموية متوترة مع سرايا (الجيش السوري الحر), ومع سرايا (أحرار الشام الإسلامية), ولا يخف الناس في الشام مخاوفهم من دخول غرباء (داعش) في معارك طاحنة مع الميلشيات السورية المسلحة, الأمر الذي قد يحول الصراع هناك إلى نسخة معاصرة لحرب (داحس والغبراء), وما المعركة الطاحنة التي دارت رحاها في مدينة (أعزاز) شمالي حلب, على خلفية جريمة مخلة بالشرف ارتكبتها عناصر (داعش), إلا صورة شديدة الوضوح للتعبير عن حقيقة المأساة المؤلمة.
لقد شهدت المرحلة الماضية سباقاً محموماً بين (الجيش الحر) و(داعش) للسيطرة على المواقع الإستراتيجية في الشام, فأصبحت المنافذ الحدودية, والمطارات العسكرية, والحقول النفطية, هي الأهداف الخاضعة للتدمير والتخريب, كان آخرها فرض السيطرة المسلحة على المحطة الحرارية في مدينة حلب الصابرة, بعد اشتباكات عنيفة مع المكلفين بحمايتها من أبناء البلد.
تأتي سيطرة (داعش) على المحطة الحرارية بعد أيام من سيطرة الجيش السوري على مدينة (السفيرة) الإستراتيجية شرقي حلب, وتعد هذه المحطة المصدر الرئيس لتوليد الطاقة الكهربائية, وتعيش حلب الآن بلا كهرباء بانتظار أن تجود عليها مافيات (داعش) ببعض الأمبيرات الفائضة عن حاجتها.
أما في العراق فقد تقلصت رقعة (داعش) وانحسرت سيطرتها بعد المعارك المتفجرة بين عناصرها وعناصر الميليشيات الكردية المسلحة.
الغريب بالأمر أن القواسم المشتركة العظمى للتشكيلات (الجهادية) المتناحرة على الأرض السورية هي شعاراتهم الفقهية الموحدة, وأزيائهم القتالية الموحدة, وملامحهم الخارجية الموحدة, وراياتهم الموحدة, لكنهم يتنافرون تنافراً مروعاً ضد بعضهم البعض, فيكفر بعضهم بعضاً, ويذبح بعضهم بعضا من دون سبب, أو لأسباب تافهة في معظم الأحيان, وكما يقول المثل الدارج: وجوه متآلفة وقلوب متخالفة.
ختاماً نقول: أن ما يجري الآن على أرض الواقع ما هو إلا إعلان (جهادي) لتأجيج حدة المواجهات المسلحة بين الكتائب (الجهادية) نحو الاستيلاء الفعلي على مكامن الثروات السورية, تمهيدا لنهبها وسرقتها والتصرف بها, أو العبث بها, ومن ثم العودة بمدن الشام إلى العصور الحجرية الأولى, في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب السوري للاضطهاد والإبادة الشاملة, وتتعرض مؤسساته إلى التعطيل التام, وربما نقف اليوم على مشارف صورة رقمية ثلاثية الأبعاد لكوارث داحس والغبراء رسمتها هذه المرة (داعش) بخناجر الغرباء.
والله يستر من الجايات