المهرجــان العربي في جويلف ـــ كندا
د . سندس الــلامـي
يعتبر التراث في أي أمة من الأمم وثيقة كريمة لإبداعات تلك الأمة على مختلف الأصعدة . ومظهرا حيًّـا من مظاهر القدرات لدى أبناء تلك الأمة ومواهبهم . سواء أكان الإبداع فرديا أو جماعيا . ويكون هذا التراث محفوظا في الصحف التاريخية التي تشير أيضا إلى مجد الأمة ، وإلى مكانتها العالمية بي الأمم والشعوب وكم يشير إلى هُـويتها العلمية والثقافية والإبداعية ، ويعبر عن ذات الأمة ومدى تقدمها في مجالات الفكر والثقافة وغيرهما من أوجه الوعي الذي يبحث أهلُه دائما عمَّـا يكتنزه هذا الوجود الإنساني على وجه الأرض .
ومما لاشك فيه أن تراثنا العربي زاخر بالقيم الإنسانية العالية التي عادت على الإنسانية بأنواع العلوم والمعارف ، وأغنى هذا التراث مكتبتنا العربية بكمٍّ كبير وواسع من المجلدات التي استفاد منها المهتمون بالتراث وبالقيم التراثية في دراساتهم ، وفي تبحرهـم بمختلف العلوم والمعارف . وما أجمل التراث حين يكون إرثًا نافعًا ومفيدًا وقيمًا لأبناء الأمة، تتناقله الأجيال ليبقى حيًّا ومؤثرًا... لقد كان لتراثنا العربي دورٌ بارز في إحياء هِمَم الشباب على مرّ العصور، إذ دفعهم إلى طلب العلم والإقبال على مختلف العلوم الكونية، ولم يعد للأمية من دور في مجتمعاتنا لأن طلب العلم فريضة كما نعلم . فظهر الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين في شتى العلوم والمعارف، وانتشرت المكتبات التي زخرت بالمجلدات العلمية والمعرفية..
ولا يمكن لأي منصف في الماضي أو الحاضر أن ينكر أن تراث أمتنا أسهم في تأسيس حضارة إنسانية راقية، ما زلنا نفخر بها ونساهم بها في إثراء الحضارة الإنسانية العالمية، القائمة على المحبة والتعارف والتآلف والإيثار والرحمة بين جميع البشر.
وفي هذه الأفياء الجميلة ، وفي أجواء من الأُلفة والمودة نقيم مهرجاناتنا التي نود أن تخدم الناس ، وأن تحفظ لأجيالنا الجديدة هذه الروح المباركة التي يهب أصحابُها لجميع الناس مالديهم من قيم عالية ، ومشاعر صادقة ، وإيثارٍ يَـنُمُّ عن تقديم الخير لجميع الخلق . ففي هذا المهرجان، الذي سنقيمه يوم الأحد الموافق 13/4/2025م في مدينة جويلف في كندا، بتنظيم من جمعية المرأة العربية في جويلف، تتجلى العديد من صور الثقافة والمعرفة ، ومن عروض تعليمية ، وإبراز التحف الفنية ، وفي أجنحة هذا المهرجان تأتي بعض الأجنحة التي تذكر بعاداتنا الأصيلة ، وأزيائنا التقليدية للكبار وللأطفال ، وجناح للحجــاب وآخ للتطريز ، وآخر للخــط العربي . كما سيكون هناك بازار الحرف اليدوية ، علما بأن رجال الأعمال المحليين سيشاركون بعروضهم في هذا المهرجان ، كما أن هناك منصَّة للحوار الثقافي والتواصل المجتمعي . وفي هذا الإطار، كتب الأديب الراحل الأستاذ عصام الشنطي رحمه الله عن تراثنا العربي وأثره في إثراء الحضارات الإنسانية ، وعن أهمية هذا التراث في نهضة الأمة، ومقوّمات ازدهار حضارتها، فقال : ( ولا نغفل عاملًا كان معينًا على تفوق دور العرب الحضاري، وهو ما عرف عن الإسلام من تسامح وحرية رأي، ومعاملة طيبة للمواطنين الجدد، سواء الذين اعتنقوا الإسلام أو بقوا على دياناتهم، فهذا التسامح وهذه الحرية جعلت المواطنين الذميين يشاركون في بناء الحضارة الجديدة، جنبًا إلى جنب مع المسلمين، وقد ذكرنا دور السُّريان في الترجمة من الإغريقية إلى السريانية فالعربية،وكذلك إلى ابن المقفّع الفارسي الذي، رغم تأخر إسلامه، ترجم العديد من الكتب السياسية والأدبية من الفارسية إلى العربية بأسلوب بليغ وفصيح، حتى غدا نموذجًا يُحتذى. وكان العديد من أطباء العصر العباسي من أصول فارسية، أما البيروني (ت 440هـ/1048م) فقد تميّز بإتقانه للغة العربية والهندية، وترجم منها علومًا متقدمة. ولا ننسى كذلك مساهمة اليهود في الأندلس الإسلامية، الذين نالوا عدالة لم يعرفوها من قبل، وكانت مشاركتهم في الحضارة فاعلة وبنّاءة." وتابع الأستاذ الشنطي حديثه قائلًا: "بفضل هذه العوامل جميعًا، كان للدور الحضاري للعرب المسلمين أثر بالغ، إذ لم يقتصروا على ترجمة علوم الأمم الأخرى، بل استوعبوها ودرسوها بعمق، وصححوا كثيرًا من أخطاء العلماء الإغريق كجالينوس وبطليموس، في الفلك والرياضيات وغيرهما، ثم طوّروا هذه العلوم وأضافوا إليها إسهامات جديدة طيلة تسعة قرون كاملة. وتُعد حضارتهم من أطول الحضارات عمرًا في التاريخ، إذ امتدّ إشعاعها من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا. وكما هو معروف، فإن العلوم بطبيعتها تراكمية، تبني أمة على ما قدّمته أخرى، حتى إن الإغريق أنفسهم استفادوا من حضارات أسبق كالبابلية والآشورية والمصرية القديمة."
د . ســـــندس الـــــــلامي
رئيسة جمعية المرأة العربية في جويلف
مديرة أكاديمية القلم
وسوم: العدد 1123