خرافة "الشأن الداخلي"
خرافة "الشأن الداخلي"
عابدة المؤيد العظم
مَرّت أُمَتنا العرَبية وَالإسلاميّة بِأحوَال مِنَ النّصر وَالهزيمة، وَحَاقَت بِبلادَنا نَكبات وأَرزاء وَلكن الذي تُوَاجِهه اليوم أَشدّ مِن كُل مَا واجَهَته في الدّهر كُله، إِنّ أعدَاءَها يَكيدون لها كيداً شديداً ويُعدّون لحربها خُبراء أَفذاذ بعقول كبيرة وتُرصد لها أموال كثيرة، وَتسندها أَقوى الدّول وأعتَاها.
اجتمعوا كلهم لحربنا، ويقولون في الإعلام إنه "شأن داخلي"!
وكانت الدول الكبرى في حرب باردة أو ساخنة، فلما أُعلنت الحرب ضدّ سوريا كانوا كلهم علينا، وكانوا يختلفون على أشياءَ كثيرة وَلكن اتحدت دُول العَالم كلها للنيل منا. ومَا كان نِظام الأسد ليَقدر وَحده على هذا الجرم، ولا كان جنُوده يَستطيعون ارتكاب شيء مما ارتكبوه لولا من سَاعدهم وأيّدَهم وأعطاهُم السّلاح وسَلّطهم علينا. وهكذا الغرب يُنصّب من أعوانه ومن الخونة، من يحاربُ عَنه دَاخلَ بلادنا، وَمَن يَقتل بسلاحه ومَن يُلوح بالقوة لغرمائه، ومن يجمع خيرات العالم ويوردها له -للخارج- ليتمتع بها وحده من دون الناس جميعاً.
وإن محور الشر يُوجد الأنظمة الفاسدة ويدعمها، ثم يمنع الدول الصديقة من التدخل بحجة "الشأن الداخلي"!
حتى إذا سلبوا أرضنا وهدموا دورنا وقتلوا رجالنا واغتصبوا نساءنا واعتقلوا أبناءنا، وأردنا أن ندفع عن أنفسنا ونرد بالمثل، فحملنا السلاح وانتصرنا بجهدنا وحررنا بعض المدن بعزيمتنا، مدّوا لبعض الدول وعلى رأسها إيران لترسل عتادها ورجالها فتبدل سير المعركة!؟
حلال على الفرس خرق "الشأن الداخلي" والتدخل في شؤوننا، وحرام على بني الدين والعروبة.
واقرؤوا هذين الخبرين المتناقضين:
1- إيران تعارض بشدة التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي السوري وتقف ضد دعم المجموعات الإرهابية المسلحة التي تساهم في تصعيد العنف وتنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية وإن الشعب السوري هو من يقرر مصيره السياسي ومصير بلده في إطار المصلحة الوطنية وتحقيق مطالبه المشروعة والسلمية.
2- قوات إيرانية من بينها وحدات من الحرس الثوري تتدفق على سوريا لدعم قوات الرئيس بشار الأسد. وقالت الصحيفة إن مصدراً في الاستخبارات الغربية أكد بأن إيران لديها الآن أكثر من 1500 عنصر عسكري في سوري...
لقد ثبت تورط إيران، وتزداد لهجة التحذير لمنع التدخل بحجة "الشأن الداخلي"!؟
وهكذا في كل دول الربيع العربي تكلموا عن "الشأن الداخلي" ثم نسمع رؤساء الدول الأجنبية، والوزراء يدلون برأيهم على شاشات التلفزيون ويجتمعون ويتخذون القرارت، وكل يدلي برأيه في مصير البلد المنكوب سوى الدول الإسلامية والأشقاء العرب الذين التزموا أو أُلزموا بقضية "الشأن الداخلي".
وحين يحترم هؤلاء القوانين الدولية التي فُصّلت على مقاسهم وتناسبت مع ضمائرهم وعواطفهم، والتي وُضعت من أجل إبعادهم جميعاً عن صنع القرار وعن التحكم في مصير العالم، فإنهم يمنعون شعوبهم من تقديم المعونات، فيزداد الوضع الإنساني سوءاً، وينذر بكوارث حقيقة.
"الشأن الداخلي" ذريعة وضعتها الدول المستعمرة لتسيطر ما استطاعت على البلاد والعباد، والإنسان المسلم -بل العربي- يمتاز بالنخوة والإنسانية فيقدم العون والمال وكل ما تجود به نفسه لمساعدة المنكوبين والمكلومين والمظلومين... ولكننا أصبحنا تحت رحمة قوم نُزعت من قلوبهم الرحمة، ويسترون على أنفسهم بكلمات سمعناها حتى ألفناها ثم مللناها: "شجب، استنكر، قلق، أدان..." كلمات لا تساوي شيئاً ولا تبدل حالاً.
لقد خدعونا بقولهم "الشأن الداخلي للدول"، وخدرونا بقولهم "القوانين العالمية" ، فذقنا وبال ذلك كله علقماً مر الطعم، فدخل الطغاة إلى سوريا وتغلغلوا في نسيجها ومؤسساتها، وليست قضية "الشأن الداخلي" في سوريا فقط، أو مصر أو تونس، أو سواها، وليست قضية دولة واحدة أو شأن داخلي لشعب منفرد، ولا قضية ربيع عربي. ولم تعد قضية إسلامية وجهاداً مباركاً، لقد أصبحت قضية إنسانية، ودفاعاً عن الحق والعدل، وحراسة للهوية والفضيلة، وحماية للقيم والأخلاق العالية... إنها قضية حق وباطل، عدل وظلم، بقاء أو فناء... فلا يستطيع ذو نخوة إلا أن يكون معها، فأصبح نصرها واجباً وحقاً على كل مخلص وشريف، وعلى كل ذي مروءة، ولكل من كان له قلب أوعقل رشيد.
فلن نخدع بالشأن الداخلي أبداً، وإني كفرت به كفراً صريحاً لا شبهة فيه، وكفرت بالعدالة الغربية.