وهم التفسير (الثوري) في بلاد الربيع العربي

بدر الدين حسن قربي

وهم التفسير (الثوري) في بلاد الربيع العربي

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

أتذكّر أسطورة قديمة قرأتها في طفولتي، ولم يكن يخطر ببالي البتة أن أحداً مازال يعتقدها، لا لسبب بل لأنها خرافة تُحكى للضحك والتسلية، في تفسير سبب الزلازل وغيرها من حوادث الطبيعة، مفادها: أن أرضنا الجميلة بما فيها وماعليها محمولة على قرن ثور، وعندما ينال منه التعب يقذف بها إلى الأعلى قليلاً بحركة خفيفة منه، تتسبّب بنقلها إلى قرنه الآخر.  ومع هذه الحركة والنقلة معها تهتز الأرض فتحصل الكوارث والزلازل، والتي تختلف شدتها أيضاً تبعاً لقوة النقلة وسرعتها ونشاط الثور ابتداءً، مما يمكن معه اعتبار هالقصة ومافيها بما يمكن تسميته بالتفسير الثوري للكوارث أو للتغيير.

حكاية ثور الأرض كانت عندي على الدوام مثار شكوك وتساؤلات، لو أنّ هالثور وهَنَ منه العظم وأدركه الموت من بعد عمر طويل، كيف سيكون حالنا والأرض، ومصيرنا بدون ثور.

كبرتُ، ونسيت القصة كلها، وبالثور اللي فيها، غير أن بعض مداخلات إعلامية مكرورة، وتحليلات خنفشارية، أسمعها بين الفترة والفترة عن بلدان الربيع العربي وما حصل فيها من كوارث وهزّات، بأن سببها تغيير زعمائها رحيلاً وتنحيةً ونحنحةً وتشويلاً، لأنهم كانوا عنصر أمنها وثباتها واستقرارها.  وكي لاندخل في سوء الظنّ وعطل النية لاسمح الله، فكم وكم من التونسيين والمصريين والليبيين واليمنيين وخصوصاً السوريين يعتقدون بأن مصيبة الشعب المعتّر والمشحّر والمصخّم ليست في رئيسه وحاكمه بل هي حقيقة في موته، أو في محاولة الجماهير المقموعة والمنهوبة تغييره أو الثورة عليه، لأنهم سيكونون من بعده أيتاماً، يمضون سراعاً إلى حتفهم، ولاسيما أنهم مُتَوَعّدون بالفناء والدمار فيما لو فكروا بهكذا مسألة، ومن ثمّ يكونون بلا جدل سبب حرق البلد ودمارها ومذابحها، بل ويُبرِؤون بما فعلوا، ذمة ثورهم ليفعل بهم مايشاء.

ومع قصة الثور، تماشياً معها وابتعاداً عن أي نية سيئة لاسمح الله، ومع ملاحظة حفظ الألقاب واحترام المقامات، يمكن اعتبار الرئيس أي رئيس بلا مواخذة، بمثابة الثور (اللي شايل) البلد على قرنه، بنفس طريقة التور بتاع الأرض.  وإنما يحضر السؤال الدائم: ( ليش ثيرانّا) والعياذ بالله غير شكل عن ثيران غيرنا من العالم (لييش)؟  فمثلاً، خلال أربعين سنة مضت، تمّ تغيير ثماني ثيران في أمريكا وماسمعنا لهم صوتاً ولم يُقتل شخص واحد، في مقابل تغيير ثور واحد عن نفس الفترة في ليبيا، فقامت الدنيا مع هالتغيير، وماقعدت وصارت حرباً رهيبة، وهي لم تُلقِ أوزارها بعد؛ وأيضاً في مقابل تغيير واحد في مصر، أُدخلتْ أم الدنيا في صراع لايبدو أن له آخر في المنظور من الأيام؛ وكذلك مقابل تغيير واحدٍ في سوريا جاء بالموت، وإنما مع محاولة تغيير ابنه من بعده، فالسورييون ومعهم العالم شاهدٌ على الملايين من قتلاهم ومعتقليهم ومشرديهم، وشاهد على فظائع التوحش في إراقة الدماء والدمار، والقادم منه أدهى وأمرّ

قد نتفهّم أن يكون لنظامٍ ما ثوره وثيرانه، ممن يعتقدون بأهميته المحلية والإقليمية والدولية، ولكن ليس إلى حدّ التخريف أو التوهم بأن ثيرانهم غير، وأنهم لو تخلّوا عن ثورنتهم وتثوريهم فلن يبقى لهم شيء يتميّزون به عن غيرهم، فكلنا يعلم أن رؤساء دولٍ عاتية من مثل شيراك وبوش وكلينتون وغوردن بروان وساركوزي جاؤوا مناصبهم، ثم رحلوا بطريقة مميّزة ولافتة، وجاء من بعدهم آخرون من مثل أوباما وكاميرون وأولاند بعيداً عن قصة الأرض وثورها، ولم يحصل عندهم شيء من استباحة الدماء ونشر الدمار.

يتوهم النظام السوري أنه مع ثيرانه يقيم سوريا ويقعدها ويملؤها كوارث لإخماد بركان الثورة فيها، ولكن مهما فعل ومهما ثوّر وأثار، فلن ينفعه اليوم عمل يعمله خيراً أو شرّاً، فقدر الثورة وشعبها غالب، وهي ماضية بأقدار الله تجري بهم في موج كالجبال، ولن ينفع المجرمين ثورهم ولا بطشهم ولا توحشهم حتى تحقيق الحرية والانتصار.