سجن حلب المركزي تحت الحصار

اقتحامات واشتباكات متواصلة وأخطار تهدد حياة السجناء

تقرير محمد غريبو

مسار برس (خاص) ـ حلب

تواصل بعض الفصائل المقاتلة بريف حلب حصارها لسجن حلب المركزي الذي يحوي قرابة 4 آلاف سجين، بينهم حوالي 60 سجينا سياسيا من سجناء ما قبل الثورة و600 سجين من المعتقلين على خلفية المظاهرات والحراك السلمي، كما يوجد حوالي 50 امرأة سجينة و10 أطفال بداخل السجن.

ويشارك في عملية الحصار والهجوم فصيلان رئيسيان هما “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”تنظيم جبهة النصرة” بالإضافة إلى كتيبتين من “لواء التوحيد” هما “كتيبة شهداء الباب” و”كتيبة شهداء حلب”.

معركة عيد الأضحى

كانت آخر محاولة لاقتحام السجن المركزي في 15/10/2013 اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، وقد تحدث مسؤول المكتب الإعلامي في “حركة أحرار الشام الإسلامية” بحلب أبو حمو لـ”مسار برس” أن المقاتلين تمكنوا في اليوم الأول من عيد الأضحى من السيطرة على إحدى الأبنية الملاصقة لمبنى السجن الرئيسي والمعروف باسم “مبنى العظم”، حيث قام “تنظيم جبهة النصرة” بالسيطرة على المبنى بعد تنفيذ “عملية استشهادية” واقتحام 3 “استشهاديين” للمبنى وفجروا أحزمتهم الناسفة داخله، الأمر الذي مهد لعملية الاقتحام، بينما قامت بقية الفصائل بالهجوم على “مبنى العظم” من محاور أخرى.

وقال أبو حذيفة أحد المقاتلين في “حركة أحرار الشام” والذي شارك بعملية الاقتحام تلك إن المقاتلين فجروا عربة “BMB” محملة بـ7 أطنان من المواد المتفجرة داخل المبنى.

وأضاف المسؤول الإعلامي في حركة الأحرار أبو حمو أن عملية التفجير أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 40 عنصرا من قوات الأسد، وقد كثفت الأخيرة قصفها الجوي والمدفعي أثناء الهجوم وبعده، مشيرا إلى أن من أكثر العوائق التي تحول دون وصول المقاتلين إلى السجن هو “وجود السجناء في داخله، وحرص المقاتلين على سلامتهم”.

وأضاف أبو عمر من “لواء التوحيد” أن العملية أدت إلى مقتل 10 عناصر من الفصائل المهاجمة، كما أنها أضعفت من قدرات قوات الأسد بعد مقتل العشرات منها.

وقال أبو عبد الرحمن من “حركة أحرار الشام” أن عدم القدرة على إمداد القوات المهاجمة بالذخيرة الكافية حال دون التقدم أكثر باتجاه مبنى السجن الرئيسي، مشيرا إلى أن عدد المنشقين من داخل السجن بلغ حتى الآن حوالي 160 عنصرا، وبحسب بعض هؤلاء المنشقين فإن تعداد قوات الأسد داخل السجن تقدر بحوالي 200 عنصر.

سجناء تحت الحصار والاستغلال والقصف

ووسط هذه الاشتباكات يبقى السجناء ضحية الأسر والحصار، إذ يعانون من ظروف إنسانية صعبة تتمثل بانقطاع الطعام لفترات طويلة بالإضافة إلى النقص التام للدواء؛ كما أن قدوم فصل الشتاء وانعدام الملابس الشتوية والأغطية السميكة وعدم وجود أية مصادر للتدفئة يزيد من معاناتهم، فضلا عن تكسُّر كل زجاج النوافذ للمهاجع جراء الانفجارات المتواصلة والاشتباكات المستمرة في محيط السجن.

وتقوم منظمة الهلال الأحمر السوري بدور ضعيف ومتقطع في إيصال الطعام إلى هؤلاء السجناء، ويتوقف عملها كلما اندلعت الاشتباكات بين الكتائب المحاصرة وقوات الأسد. كما تقوم بالمساهمة في إخراج المحكومين الذين انتهت مدة أحكامهم.

ولا تسمح قوات الأسد للهلال الأحمر إلا بإدخال كميات محدودة فقط من الطعام إلى داخل السجن، وتقوم قوات الأسد “بسرقة جزء كبير من الطعام الذي يدخله الهلال الأحمر وبيعه للسجناء أنفسهم” وبأسعار لا يمكن وصفها إلا بـ”الخيالية” كما يقول أبو خالد أحد المفرج عنهم من سجن حلب المركزي.

وتحدث أبو خالد لـ”مسار برس” عن استغلال الأسعار من قبل قوات الأسد داخل السجن قائلا: “السجانون يبيعون السجناء فتات الطعام والدواء بأثمان تفوق الخيال، فرغيف الخبز الواحد مثلا وصل ثمنه إلى 1200 ليرة سورية، وحبة دواء الفلاجيل الواحدة وصلت إلى 500 ليرة سورية، ويتم تحويل النقود عن طريق أهل السجين إلى أهل الضابط أو الشرطي أو العسكري، والسجين هو أمام خيارين: إما الموت جوعا أو مرضا، أو أن يتصل بأهله ليحولوا لأهل هذا الضابط من خلال الهاتف الجوال الذي يستأجره من الشرطي ليكلم أهله بدقيقة ثمنها 1000 ليرة”.

ويؤكد أبو خالد على أنه “في كل يوم يموت بضعة سجناء بسبب قلة الغذاء والدواء وتفشي الأمراض”.

وتقوم قوات الأسد بإطلاق النار عشوائيا داخل السجن كلما قتل أحد عناصرها في الاشتباكات، وتفيد المعلومات الواردة من داخل سجن حلب أن قوات الأسد أطلقت النار منذ أيام عشوائيا داخل الجناح السياسي ردا على مقتل ضابط قتل في الاشتباكات الأخيرة؛ ما أدى إلى جرح أحد السجناء.

وبحسب بعض السجناء المفرج عنهم مؤخرا فإن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها منذ حصار الثوار للسجن، إذ يؤكد أبو حسين أحد السجناء السياسيين المفرج عنهم مؤخرا أن “هذه الحادثة تتكرر بين الحين والآخر”، مشيرا إلى أن حوالي 200 سجين قتل بشكل عام حتى الآن جراء القصف المدفعي وإطلاق الرصاص الحي عشوائيا على مهاجع السجناء وبالأخص الجناح السياسي”.

ويضيف أبو حسين أن قوات الأسد تستهدف باستمرار بالقذائف والرصاص جناح السجناء السياسيين، وقد قتل نتيجة لذلك رئيس الجناح السياسي السجين الشيخ نديم الحجي أبو حذيفة وأصيب آخرون بإصابات خطيرة، ولولا وجود طبيب من السجناء في الجناح لكانت العواقب أخطر بكثير”.

ويؤكد أبو حسين أنه و”عقب كل هجوم من قبل الكتائب المقاتلة تطلق قوات الأسد النار بكثافة من باب الجناح السياسي، بالإضافة إلى التهديدات المتواصلة من قبل الحراس بتصفية السجناء السياسيين بوصفهم رهائن لديهم” على حد وصفها.

كما تمارس قوات الأسد أشكالا متعددة من التعذيب داخل السجن، بالإضافة إلى تجنيد عدد من السجناء كـ”شبيحة” لها داخل السجن.

وفي ذات السياق يقول أبو عبد الرحمن أحد المقاتلين في “لواء التوحيد” لـ”مسار برس” إن قوات الأسد تقوم مع كل عملية اقتحام للسجن بـ”إعدامات ميدانية ورمي جثث السجناء إلى الساحات”.

شبح السل والجوع يطارد السجناء

يؤكد أبو خالد المفرج عنه مؤخرا من سجن حلب المركزي أن “الجوع هو الشبح الأكبر الذي يطارد المعتقلين، إذ غالبا ما تنقطع وجبات الهلال الأحمر عن السجناء نتيجة الاشتباكات التي تتجدد بين الحين والآخر؛ والتي قد تستمر إلى أيام طويلة تصل أحيانا إلى الأسبوع، وتـُقـّدر وجبة الهلال الأحمر بكأس ونصف من الأرز أو البرغل مع رغيف خبز كوجبة وحيدة لسائر اليوم”.

ولا تتعدى الوجبات التي تقدمها قوات الأسد في كثير من الأحيان حفنة واحدة من الطحين لكل سجين، وفي الفترة الأخيرة وردا على الهجوم الأخير امتنعت عن توزيع الطحين لتصبح الوجبة الواحدة عبارة عن كأس من فتات الخبز اليابس.

ويضيف أبو خالد أن السجناء غالبا ما يقومون بإحراق ما يتوفر بين أيديهم من أشياء مما يتسبب لهم في مشاكل عديدة في التنفس، وقد “اضطروا في كثير من الأحيان إلى إحراق ألبستهم أو بعض الأمتعة والأغطية لإعداد الطعام أو الخبز، مما يجعلهم عرضة للبرد القارس مع قدوم فصل الشتاء”.

أما عن الوضع الصحي فيتحدث أبو خالد عن “تفشى أمراض عديدة بين السجناء نتيجة نقص الدواء والظروف الصحية السيئة، فلا توجد نظافة داخل السجن، ومن أخطر هذه الأمراض مرض السل الذي أدى إلى موت عدد من المعتقلين؛ كما لا تتوفر مياه نظيفة للشرب ولا حتى ماء ساخن للاستحمام”.

ووسط هذا الحصار الخانق والاشتباكات العنيفة يبقى المعتقلون ضحية الجوع والمرض من جهة وفريسة التعذيب والتنكيل من قبل قوات الأسد من جهة أخرى، ولا تبدو هناك نهاية واضحة لهذه المعركة تريح هؤلاء المعتقلين من الموت ومن العذابات التي يرونها كل يوم ألف مرة؛ وكما يقول أبو خالد “ليس لها من دون الله كاشفة”.