هل سنشهد ربيع عالمي في الأمم المتحدة
محمد فاروق الإمام
لاشك أن مجلس الأمن يعيش في هذه الأيام موتاً سريرياً بعد أن فقد دوره كمنظمة دولية في إرساء السلم والأمن العالميين لكل دول وشعوب الأرض، وقد بات مرتهناً بيد دولة واحدة بفعل ما تملكه من قرار الرفض (الفيتو)، تشهره في وجه العدالة الدولية بحق أو بغير حق، وأكبر مثال على ذلك استعمال الولايات المتحدة لهذا الحق لنحو سبعين سنة تكريساً لوجود إسرائيل ومصالحها في المنطقة، بغض النظر عما يسببه ذلك من ضياع حقوق الشعب الفلسطيني وقهره وإذلاله وتهجيره من أرضه ووطنه، والتضييق على البقية الباقية منه في العشرين بالمائة من أرضه ومدنه وقراه وبياراته وتاريخه ومقدساته، واليوم تلعب روسية نفس الدور الخسيس تجاه الثورة االسورية والشعب السوري منذ ما يزيد على سنتين، وتقدم الحماية والدعم عبر الفيتو الذي تملكه لنظام دمشق السفاح، الذي يقتل الشعب السوري ويرمل نساءه وييتم أطفاله ويستبيح أعراضه ويدنس مقدساته، ويدمر المدن والبلدات والقرى في طول البلاد وعرضها، ويسوق الآلاف إلى أقبية السجون والمعتقلات، ويدفع بالملايين إلى النزوح داخل الوطن والهجرة خارج حدود الوطن، ويحاصر المدن والبلدات والقرى ويمنع عن المواطنين العزل الماء والغذاء والدواء في عملية تجويع ونزيف دم حتى الموت، ويرتكب أبشع المجازر والمذابح بكل الوسائل الحربية الجهنمية التي يمتلكها ويمده بها الروس والإيرانيين، من الغاز السام إلى صواريخ سكود وبراميل الموت والقنابل الفسفورية والفراغية، مدعوماً بعشرات الآلاف من الخبراء العسكريين الروس والحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب اللات ولواء أبو الفضل العباس، والعنصريين الطائفيين القادمين من اليمن والهند وباكستان وأفغانستان ودول القوقاز، ومن كل بقاع الأرض نصرة وتأييداً لنمرود دمشق الماجن الأفاك.
وجاء اعتذار السعودية عن قبول المشاركة في هذا المجلس بعد أن فازت بأغلبية ساحقة لشغل عضويته غير الدائمة.. جاء هذا الاعتذار حتى لا تكون السعودية شريكاً في كل ما يجري على الساحة الدولية من تضييع للعدالة وتفريط بالحق وقهر للأمم المستضعفة، وعدم الوقوف إلى جانب الشعوب المنتهكة حقوقها أو المقموعة من قبل حكامها الفاشيين الظلمة، كالحال الذي يجري في سورية منذ ما يزيد على سنتين ونصف، دون أن يتمكن هذا المجلس المشلول من إصدار قرار يجبر نمرود دمشق على التوقف عن غيه وجبروته وقهره وظلمه للشعب السوري، الذي ذاق ألواناً من العذابات والقهر ما لم يسجله التاريخ عبر كل صفحاته السوداء التي نقلها لنا المؤرخون، فالذي يجري اليوم في سورية فاق كل ما فعله الصليبيون في بيت المقدس وبلاد الشام وما فعله التتار في قزوين وبغداد وحلب ودمشق، وما فعله الفاشيون والنازيون والبلشفيون والخمير الحمر في بلدانهم وبلدان الجوار، فهل سيحقق الاعتذار السعودي أمنيات وتمنيات أمم الأرض في البدء في إصلاح هذا المجلس، ونرى ربيعاً عالمياً يزهر عدالة ومساواة، ليكون بحق مجلساً يراعي بعدل وإنصاف مصالح الشعوب وحقوق الدول، بغض النظر عن الحجم أو المكانة أو القوة أو الضعف أو الفقر أو الغنى، وتتوافق دول العالم على إلغاء امتلاك أي دولة لحق النقض، مع مراعاة بعض الدول العظمى القوية والفاعلة عسكرياً واقتصادياً، فتعطى حق العضوية الدائمة دون امتلاك حق النقض (الفيتو)، ويتم توسعة المجلس بحيث يكفل التوازن بين كل دول العالم ومكوناته البشرية ويكفل لها الأمن والأمان والعدل والمساواة في أوطانها وفي علاقاتها الإنسانية فيما بينها.