بين الداخل والخارج .....

عقاب يحيى

بين الداخل والخارج.. والداخل والداخل.. والخارج والخارج.. اجتهادات كثيرة، وكلٌ يشدّ لحافه صوبه، ويعتبر أنه صاحب حق، وأولوية، والدنيا عجقة، وتفاعلات سلبية.. وكأننا لم نعد نعرف أين هي رؤوسنا، والحقيقة، وأين هو خط الثورة..

زماااان يوم كنا في الداخل في العمل السري والمطاردة.. كانت هذه النغمة قوية، ويعتقد الكثير أن الأصل هو الداخل، وهذا صحيح، وأنه هو من يدفع الضريبة الأكبر، وهذا حق، وأنه الأكثر فهماً للوحة وتفاصيلها.. والتموقعات والأحداث وما يجري.. وهنا الكثير من المبالغة التي تنسحب على أحكام قاطعة بأن أهل الخارج ـ كلهم ـ مجرد مرفهين، ومتفرجين، ولا يعرفون شيئاً عن الأرض، والناس، والمعاناة.. وفي بساطه على الثلاثاء كتب الصديق حبيب عيسى مقالاً جميلاً حول هذا المعنى.. وبما يجعلني أحاول تلخيص وجهة نظري في موضوع حيوي :

1 ـ الأكيد، والقطعي أن الداخل حجر الزاوية في العمل والتضحية والفعل.. والمعرفة اليومية لمعاناة الناس، ومعايشتهم، والاحتكاك بهم، والذي يفترض أن يكون مدخل بناء السياسات والمواقف، والاستشارة..والمشاركة الفاعلة.. غلى حد القرار الذي لا بد ان تصوغه مجموعة القوى الفاعلة : داخل ـ خارج .

2 ـ وبفعل عوامل متعددة.. في مقدمها مدى عنف النظام القاتل، وتهديده للحياة وأمن الثوار.. ولصعوبة الحياة ومخاطرها.. هاجرت مئات الألوف إلى حيث تجد الأمان، وفيهم أعداد كبيرة من الناشطين والثوار.. بما يشبه عملية تفريغ شجّعها النظام، وسهل لها سبل الخروج .

3 ـ لكن، وليس دفاعاً مطلقاً عن الخارج.. الذي عشته بضعة عقود.. بكل غربته وما تشتلع، وبكل الحنين.. والتوق والتعلق، والانشداد والمتابعة..فيجب التفريق بين :

ـ خارج وخارج.. بدءاً من طبيعة الحياة، ومدى الرفاه، أو القسوة فيها، ومدى ارتباط المعني بالوطن وبالقضية التي يؤمن. بل بالأسباب التي كانت خلف الهجرة : قسرية كانت أم اختيارية، أم بين بين.. حيث سنجد فروقاً كبيرة لا يمكن عبرها سحب موقف، او حكم على الجميع .

ـ يجب التفريق بين هجرة فردية لشخص تأكل الغربة فيه كثير بناه.. وذكرياته.. وبين المنتمين لاتجاهات سياسية لها نوع من الوجود في الداخل، وعملية التواصل وآثارها.. وبما ينفي هنا تلك الأحكام القطعية بالجملة.. فبين عديد المهاجرين من يرتبطون بتشكيلاتهم السياسية، ومن جرى تكليفهم.. ومن يتواصل يومياً.. عبر العقود..

ـ أهل الخارج لا يعيشون في القمر.. فقد أتاحت وسائل الاتصال الحديثة، وعالم الانترنيت كل سبل الاطلاع والتفاعل المباشر مع أهل الداخل.. لدرجة يمكننا القول أن للسكايب والفيسبوك، وبقية وسائل التواصل الأخرى، دورها الكبيرين المباشر في عقد آلاف الاجتماعات والحوارات.. وفي تحقيق التفاعل المباشر مع الداخل .

ـ اليوم، ومع الهجرة الملفتة.. فإن مئات آلاف السوريين يتواجدون في الدول المجاورة.. بعضهم خرج بالأمس، وهناك من يدخل ويخرج، وهناك من ترك منذ اشهر، أو بعد الثورة.. فماذا نسمي هؤلاء : أهل خارج أم داخل؟.. وينطبق الأمر على عديد الأسماء والرموز في المعارضة والتشكيلات القائمة .

ـ الأصل والخلاصة أن يجري التفاعل بين الداخل والخارج.. وأن يعبر المنتمي للثورة عن روحها، وجوهرها، ومصالحها، ويلتزم فيها، وبما يراه الأنسب لتحقيق النصر.. هذا هو المعيار الرئيس، وهو الجسر الذي يجب أن يستمر داخل ـ خارج .. بكل مقتضيات التشاور والتفاعل ..

ـ ولئن كان الخارج أكثر قدرة على الحركة، وعلى الاتصال بالجهات الخارجية، وربما استقراء اللوحة الدولية بتفاصيلها، ونقل رسالة الثورة، والقيام بالواجب المسؤول في هذا المجال.. فالأكيد والقطعي أن الخارج لا يمكنه أن يعوّض الداخل، أو أن يكون وصياً عليه، أو أن يستغل ما هو متاح له.. لتحقيق غايات مناقضة للثورة..

ـ إن إيجاد صيغ عملية للقاء الداخل والخارج.. كمؤتمر وطني جامع تنبثق عنه هيئات متابعة.. هي اليوم ضرورة ملحة للتوصل إلى أفضل الصيغ والقرارات ..