الاختطاف.. بين الفاعل والساكت
معمر حبار
كل الدول تمارس الاختطاف: هناك اختطاف محلي داخلي، واختطاف دولي على نطاق واسع. لذلك يمكن القول، أن كل الدول تمارس الاختطاف ..
الدول المتقدمة تختطف من تراه عدوا من رعايا دول أخرى، ومن تراه يهدد مصالحها، حسب مفهومها للمصالح، وبالضبط من دول ضعيفة لاتملك أدوات الرد، أو متفاهمة معها في اختطاف هذا أو ذاك، إلا أنها لاتعلن ذلك أمام الملأ، وقد تتضاهر بالتنديد أو عدم التطرق للموضوع.
وهناك اختطاف، تمارسه دولا ضد رعاياها، وهو مايحدث باستمرار في الدول المتخلفة دون استثناء، ولعلّ المجتمعات العربية الحالية، تتصدر القائمة، بعدما كانت فيما مضى دول أمريكا اللاتينية، ودول إفريقية.
تصدرت الولايت المتحدة الأمريكية، الاختطاف بصورة مستمرة وغير منقطعة، وزادت حدّتها بعد أحداث سبتمبر 2011، سواء تعلّق الأمر بالنوع أو الكم. معتمدة في ذلك على ترسانتها العسكرية والاستخباراتية، وتعاون الدول والأفراد من المجتمعات المعنية بالاختطاف.
الضعيف يقرّ بعجزه أمام المختطف: وآخر الاختطاف، هو اختطاف الليبي على يد قوات أمريكية، وبالتعاون مع بعض الليبيين داخل التراب الليبي.
ومنذ ربع ساعة، وأنا أتابع اللقاء الصحفي، الذي عقده محمد زيدان، رئيس حكومة ليبيا الجديدة، أقرّ فيه الاختطاف وأدانه. وكان صريحا، حين اعترف أن حكومته ودولته، لايستطيعان فعل شيء، تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وقال معلّلا موقفه، بقوله: الولايات المتحدة الأمريكية ليست نكرة، والظروف التي تمر بها ليبيا، لاتسمح لها بفعل أيّ شيء، واكتفى بالتنديد.
الاختطاف صناعة صهيونية: الصهاينة يمارسون الاختطاف في أيّ مكان، وضد أيّ شخص، وفي أراضي تعتبرها صديقة لها. وتخوض الحروب، وتدمر دول، وتبيد مجتمعات من أجل أفرادها المختطفين، لإطلاق سراحهم عن طريق تبادل مئات الأسرى العرب الموجودين في سجونها، والتي تعود فتسجنهم من جديد، أو تغتالهم علانية، أو تقوم بتحرير رعاياها بالحديد والنار، إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وقد أفهم الصهاينة الجهات التي اختطفت جنودها سابقا، أن الدمار والهلاك والاغتيالات مصيرهم، لذلك امتنعت تلك الجهات طواعية عن اختطاف جنود صهاينة، لما رأوا وأقروا به، وقالوا لم نكن نعلم أن اختطاف جندي بسيط غير معروف، يؤدي إلى كل هذا الدمار والهلاك.
الاختطاف لدى الأفراد المسلحين: اختطاف الغربيين الذي يتم على يد أفراد مسلحين، لايقصد منه مواجهة الدول الغربية، إنما يقصد منه الحصول على مكاسب مادية كالفدية، لأنهم يعلمون أن الدول الغربية تتدخل بكل ماأوتيت لتحرير مختطفيها بالقوة أو المال. بينما نفس الجماعات تقوم باغتيال المختطفين من جنسيات الدول المتخلفة، لأنها تعلم أن دولهم لايبحثون عنهم، ولا يدّخرون أيّ جهد لاطلاق سراحهم، وربما أعجبهم ذلك الاختطاف.
الاختطاف من المنظور الأمريكي: المتتبع لاختطاف الليبي من طرف الأمريكيين داخل الأراضي الليبية، يلاحظ أنه وجهت له تهمة تفجيرات نيروبي سنة 1998. مايعني أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تغلق الملف، وبقي مفتوحا من يومها، ماتطلب جهودا مكثفة ومستمرة وعالية، حسب النظرة الأمريكية، طيلة 15 سنة.
إن الأمن القومي، لدى الولايات المتحدة الأمريكية، يشمل الكرة الأرضية، حيثما توجد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد الأمن القومي، ويستوجب استعمال القوة الضاربة المؤلمة، والاختطاف والاغتيالات في أيّ مكان.
ومن جهة أخرى، يلاحظ المتتبع، أن الوضع المتدهورفي ليبيا، لم يدفع الولايات المتحدة الأمريكية، لتجميد عملية الاختطاف، وكأنه لم يكن يعنيها في ليبيا غير اختطاف من جاءت لأجله، وكان لها ماأرادت.
من جهة أخرى تعاقدت الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طوال مع دول متخلفة، بعدم ملاحقة الجنود الأمريكيين الذين يغتالون رعاياها، وعدم محاكمتهم، ويخضعون فقط للقضاء الأمريكي، الذي سيبرئهم فيما بعد. وهذا التسامح في غير محلّه، والتساهل في حقوق أبناء الوطن، ساعد الولايات المتحدة على ممارسة هواية الاختطاف، وهي تعلم أنه لن يطالها أيّ عقاب، حتى لو عاودت الاختطاف لمرات عديدة، ضد نفس رعاياها وفي أراضيها.
التقدم والتخلف من خلال كيفية التعامل مع الاختطاف والمختطفين: إن المجتمعات العظمى، تُعرفُ من خلال كيفية تعاملها مع رعاياها المختطفين، ومع الذين اغتالوا رعاياها في الداخل أو الخارج، وفجّروا مبانيها في الداخل أو الخارج، وامتطوا كل السبل لتحرير رعاياهم، ومحاكمة من مسّهم، ولو طال الزمن، وبعدت المسافة، وتعرّضت للضغوط.
قبل أن يُتهم القويّ بممارسة الاختطاف ، يُلامُ الضعيف على ضعفه وتهاونه في الدفاع عن أفراد مجتمعه، بدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية، لايمكنها أن تمارس الاختطاف في الأراضي الروسية، لأنها تعلم عواقب الفعل على أمنها، واستقرارها، واقتصادها.
جريمة الرضا باختطاف أبناء الوطن: إذا كان الاختطاف جريمة، واعتبره الغرب والصهاينة ردعا وقصاصا لكل من يرون فيه تهديدا لكيانهم وأمنهم، فإن الرضا بالخطف، والسكوت عن من اختطف الأبناء وأساء إليهم، جريمة لاتقل جرما عن اختطاف الأبناء، يحاكم الساكت عنها، والراضي بها أولا.