الحوار الجاد ذو المصداقية مدخلنا إلى الدولة الوطنية المدنية التعددية التداولية الجامعة

الحوار الجاد ذو المصداقية

مدخلنا إلى الدولة الوطنية المدنية التعددية التداولية الجامعة

زهير سالم*

[email protected]

يكثر في فضاء الثورة السورية الدولي والإقليمي الحديث عن دعوة لمؤتمر يطلق عليه مؤتمر ( جنيف2 ) ، تأسيسا على ما قيل إنه مؤتمر ( جنيف 1 ) الذي تم اقتراحه في إطار جهود الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ، والذي لم يلتزم بشار الأسد بأي بند من بنوده ، مما أدى إلى استقالة السيد عنان ، وانسحابه من الساحة بلطف ، لينفرد بشار الأسد وداعموه في فرض تصور للقاء في جنيف يخدم أهداف عصابة الجريمة ويمكنها من الاستمرار في قتل السوريين ، وتدمير بلادهم ، والاستبداد عليهم لعقود قادمة .

 يتم كل هذا بتواطئ لم يعد يخفى من قوى تسمي نفسها ( أصدقاء الشعب السوري ) ، أو تدعي أنها داعمة لمشروع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا العالم . إن أبسط ما يمكن أن يفسر به موقف هذه القوى من مشروع حرية الشعب السوري ودولته المدنية الديمقراطية هو التخلي واللامبالاة وإدارة الظهر لقوى الاستبداد والتعصب والطائفية للتغول على المطالبين بالحرية والداعين إليها .

وحين يعلن الشعب السوري وقواه الحية ( لا ) كبيرة لمؤتمر يضع أسسه وأفقه ويحدد أطرافه وأهدافه أعداء الحرية والمصادرون للديمقراطية أو المخوفون والمتخوفون منها؛ فإن هذا لا يعني أن الشعب السوري يرفض الحوار الوطني مع جميع القوى الأهلية والمدنية والسياسية بخلفياتها المختلفة للتأسيس لدولته المدنية التعددية التداولية التي ثار مطالبا بها .

يكثر أن يسمع العالم من قادة وزعماء ورؤساء حكومات عندما تختطف طائرة أو قارب لبلادهم : عبارة لا حوار مع الإرهابيين ، فكيف يمكن أن يدعو عاقل إلى حوار مع مجرم حرب شهدت التقارير الدولية المحايدة أنه ضرب شعبه بالكيماوي . وعاين القريب والبعيد طائراته وصواريخه البالستية تقصف الأحياء السكنية فوق رؤوس المواطنين الأبرياء .

يتحدد الموقف من الدعوة إلى أي حوار على جملة أمور أهمها : الهدف من الحوار ، وطبيعة المشاركين فيه ، وحقيقة الجدية والمصداقية في عقولهم وقلوبهم .

لقد أعلنت جميع القوى السورية أنها لن تشارك في أي حوار لا يكون هدفه الواضح والمعلن الانتقال إلى بناء جديد لدولة مدنية عصرية ترسي قواعدها على دستور مدني يستمد الفرد كما تستمد الجماعة قوتها وسلطتها منه ؛ وليس من أي قوة ( قهر ) عسكرية أو أمنية . بحيث تكون القوة المعنوية أو الاعتبارية للدستور المدني أقوى من دبابات ومدافع المتغطرسين ...

إن أصحاب العاهات النفسية الذين ارتضوا أن يحولوا ( الجيش الوطني ) ورجاله إلى أدوات للقتل والتدمير لن يكونوا أبدا جزء من المستقبل المأمول المختلف نوعيا عن الواقع المتعفن بكل ما فيه .

لا شك أن يشعر الناس في سورية بصعوبة أن يجدوا ممثلا ( جامعا مانعا ) لمجتمع خرج في ثورة بعد نصف قرن من سياسات ممنهجة دمرت في هذا المجتمع كل بنية ( أهلية ) أو ( مدنية ) . إن المخاض الذي عاشته الثورة السورية خلال أشهرها الثلاثين قد أفرزت الهيئة الوطنية التي سيعهد إليها تمثيل هذا المجتمع بكل من فيه ، وسيتم هذا في إطار المحددات الوطنية التي تم التوافق عليها وتحت مراقبة آنية ومباشرة من أعين الجماهير .

 ومن هنا سيكون مرفوضا رفضا مطلقا أن يحاول البعض الدس والخديعة لتفتيت الموقف الثوري أو لتمرير بعض من أسقطتهم ممارساتهم من مستقبل الشعب السوري .

إن الذين يدعون الناس إلى تعلم ( السباحة ) قبل القدوم إلى موائد الحوار ، يعلنون بشكل غير مباشر أنهم سيراوغون ويناورون ويماطلون ويخادعون . إن أي حوار مع هؤلاء هو مضيعة للوقت والجهد . وإن الاستجابة لأي حوار يكون مثل هؤلاء طرف فيه لن يكون من شأن القاصدين والجادين والصادقين .

لن يشارك الجادون في أي حوار يكون أفقه التفاوض حول جرعة الهواء الذي يحق للفرد السوري أن يملأ بها صدره أو يعبئ بها مع كل نفس رئتيه . ولن يشاركوا في أي حوار يكون على جدول أعماله أن يبحثوا في حق مواطنيهم في الخبز أو في الحرية . ولو كان هؤلاء الذين يعلنون استجابتهم للحوار جادين أو صادقين لرفعوا الحصار عن حليب الأطفال قبل أن يتحدثوا عن أي شكل من أشكال الحوار . أو لتوقفوا عن الكذب أو عن القتل الذي يمارسونه كما يتنفسون .

إن الموقف من الدعوة إلى مؤتمر ( جنيف 2 ) المبهم والغامض والمريب تتحدد بناء على كل ما سبق . إن الذين يعلنون اليوم بوضوح لا لبس فيه ( لا ) لجنيف 2 ؛ لا يعلنون ( لا ) للحوار الوطني ، وإنما يعلنون ( لا ) للحوار العبثي ، لا للحوار مع قتلة الأطفال ومجرمي الحروب و ( لا ) هذه تتضمن في صميمها ( نعم ) كبيرة للحوار الوطني الجاد الهادف القاصد الذي يجب أن يؤسَّس ليؤسِّس لدولة المستقبل التي يحلم بها جماهير السوريين .

إلى هذا الحوار مع كل مكونات المجتمع السورية الأهلية والمدنية بخلفياتها المختلفة يجب أن يعمل العاملون . وإليه ندعو وإلى مثله إذا دعينا يمكن أن نجيب ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية