محددات جنيف 2 في مهب الريح
محددات جنيف 2 في مهب الريح
أقطاب في المعارضة ترفض التنازل عن رحيل الأسد والقيادة الأمنية والسياسية للنظام
مسار للتقارير والدراسات - 30 أيلول 2013
نص القرار الدولي رقم 2118 الصادر عن مجلس الأمن على تفكيك السلاح الكيميائي السوري، ولكنه تضمن في الوقت نفسه بندين يتعلقان بمؤتمر جنيف المزمع عقده قريبا.
وينص البندان السادس عشر والسابع عشر من القرار المشار إليه على تأييد مجلس الأمن بيان جنيف1، ودعوته الأطراف السورية إلى حضور جنيف2 في أبكر وقت ممكن، وذلك من أجل تنفيذ بيان جنيف الأول الذي يحدد عددا من الخطوات الرئيسية، بدءا بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق.
ويهيب المجلس، بحسب القرار، بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف القادم، ويشدد على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق "الاستقرار والمصالحة"
يذكر بأن البيان الذي أشار إليه القرار الدولي شكل تفسيره محل خلاف بين روسيا والولايات المتحدة بعد إقراره، حيث فسرته الأخيرة بأنه دعوة أممية للنظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد للتنحي عن السلطة لصالح حكومة انتقالية، في حين قالت روسيا إن البيان لا ينص على ذلك.
لكن الائتلاف المدعو لحضور مؤتمر جنيف القادم إلى جانب أطراف أخرى كان قد وضع ما سماه "محددات" لحضور المؤتمر المذكور.
وتضمنت المحددات التي أعلنها الائتلاف في بداية العام الجاري: أن بشار الأسد والقيادة الأمنية – العسكرية يجب أن يكونوا خارج إطار هذه العملية السياسية وليسوا جزءاً من أي حل سياسي في سورية. ولا بد من محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم، وأن الحل السياسي يعني جميع السوريين بمن فيهم الشرفاء في أجهزة الدولة والبعثيين وسائر القوى السياسية والمدنية والاجتماعية ممن لم يتورطوا في جرائم ضد الشعب السوري.
ولكن هذه المحددات التي صمدت شهورا أمام الضغوط الغربية التي تلح على المعارضة السورية وقيادات الائتلاف من أجل القبول بمؤتمر جنيف وتأييد عقده لم تستمر كذلك وفقا لآخر التصريحات والبيانات الصادرة عن الائتلاف.
فقد أعلن الائتلاف السوري المعارض يوم الجمعة الماضي عن قبوله التفاوض مع نظام الأسد في مؤتمر جنيف2 للسلام في سوريا, بشروط ليس من بينها تنحي الأسد مسبقا وذلك بحسب بيانين كشف فيهما الائتلاف تفاصيل لقائي رئيسه أحمد الجربا بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري والمبعوث الدولي العربي المشترك الأخضر الابراهيمي في نيويورك.
ففي حين ركزت النسخة الأخيرة من الشروط التي وضعها الائتلاف على التزام النظام عملية الانتقال السياسي ووقف قتل المدنيين لم تنص تلك الشروط على ضرورة رحيل الأسد، وهو أهم شرط كان قد وضعه الائتلاف لدخوله أي مؤتمر يهدف للتسوية السياسية.
كما أنها لم تتضمن فكرة محاسبة القيادة الأمنية – العسكرية على ما اقترفته من جرائم كما كان مشترطا من قبل، بل اكتفت بمحاسبة "أفراد" النظام المسؤولين عن جرائم حرب ضد المدنيين، وهو ما يعد تراجعا صريحا عن سقف "المحددات" الأولى.
وفي غمرة التصريحات التي دأب أعضاء في الائتلاف على وصفها بأنها آراء شخصية لقائلها، عبرت جماعة الإخوان المسلمين اليوم الأحد عن موقفها تجاه مؤتمر جنيف وتحديد موعده في منتصف الشهر القادم الذي قالت إنه "أمر مرفوض"
ووصف حسان الهاشمي، رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، في تصريحات نشرت على موقع الجماعة الرسمي المؤتمر بأنه "وهم كاذب"
وقال الهاشمي "واهم من يظن أنا سنذهب إلى جنيف٢ قبل أن تنفذ بنود جنيف١ ويزول المجرم ويتغير الوضع الميداني على الأرض". مضيفاً أنها "رسالة مكررة أرسلناها واضحة من جديد إلى الذين يظنون أن دماء أبنائنا سلعة سياسية في المحافل الدولية ممن زعموا صداقتهم للشعب السوري".
في حين ربط كمال اللبواني عضو الهيئة السياسية للائتلاف قضية الحضور إلى جنيف2 بما قال إنه "التفاهم الروسي الإيراني الأمريكي الإسرائيلي"، والذي رأى اللبواني أنه استبعد منه الأوربيون والعرب، مضيفا أنهم يشعرون بالإقصاء ومنزعجون.
وقال المعارض السوري المستقل إنها لعبة هيمنة واستعمار جديد في مواجهة كرامة وحرية دفع ثمنها 250 ألف شهيد، مليون جريح ، عشرة ملايين مشرد.
ويعكس تضارب التصريحات الصادرة عن شخصيات معارضة داخل وخارج الائتلاف ضبابية المشهد، كما تظهر، بحسب محللين، بأن تفاهمات واتفاقات غير مسبوقة ربما حدثت على مسارات أخرى غير المسار السوري أدت إلى تحول الملف السوري إلى قضية مساومة سياسية، أطرافها إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
حيث يرى بعض السياسيين أن إيران وجدت في التخلي عن الملف العسكري النووي في مقابل إقامة علاقات غير مسبوقة مع واشنطن والحفاظ على حليفها السوري مع استبدال الرأس ثمنا مستحق الدفع.
بينما وجدت إسرائيل بقاء النظام الذي يبعد إيران عن النووي العسكري تحت إشراف المجتمع الدولي مكسبا مجانيا يجدر الحفاظ عليه والدفع نحو تأكيد الحصول عليه.
أما واشنطن فهي لا تنظر إلى الملف السوري إلا كملف ثانوي، تستفيد من طرحه على طاولة مباحثات معدة أصلا لبحث ملفات أصعب وأعقد، كالنووي الإيراني والمصالح الاقتصادية في المنطقة، وأمن الحلفاء وفي مقدمتهم إسرائيل.
ويبقى السؤال الذي لم يجد له جوابا، هل سيكون مؤتمر جنيف نهاية المطاف، أم أن الشعب السوري سيبقى مادة للمساومات السياسية الدولية والإقليمية حتى بعد انعقاد المؤتمر المزمع عقده في منتصف تشرين الأول المقبل؟