ماذا يريد الأستاذ فهمي هويدي من الإخوان؟!

حسام مقلد *

[email protected]

وجَّه المفكر الكبير الأستاذ: فهمي هويدي نداءً لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم طالبهم فيه بأن يكونوا الطرف الشجاع ـ على حد قوله ـ الذي يتقدم لـ "يطفئ الحريق وينقذ مصر من الرياح المسمومة التي هبَّت عليها، وأطلقت فيها وحوشَ الغضبِ والثأر والانتقام ودعواتِ الاقتلاع والإبادة" ولم يوجِّه نداءه هذا للعسكر قائلا: "إنني لا أتصور عقلا أن أطالب السلطة القائمة بتلك الخطوة، ليس فقط لأنها معتمدة على الجيش والشرطة، ولكن أيضا نظرا للتأييد الشعبي الواسع لها" (...!!)

وفي الحقيقة ما يطالب به أ/ فهمي الإخوان ليس شجاعة، وليس في مصلحة الوطن، ولا يعدو كونه عوناً للظالم، وانسحابا من الساحة؛ لإخلاء الطريق أمام الانقلاب العسكري ليوطد أركان حكم استبدادي جديد لمصر سيضرب الذلة والمسكنة والتخلف والفقر والفساد على شعبها لعدة عقود أخرى قادمة ...!! ولا أدري كيف طاوعت أستاذنا الكبير فهمي هويدي نفسُه ليوجِّه مثل هذا النداء للإخوان المسلمين وحلفائهم؟!! وأستأذنه ـ وهذا حقه علينا فيبقى رغم أي شيء شيخنا وأستاذنا ومفكرنا الكبير ـ في الرد التالي:

أولاً:

من أشعل الحرائق في جسد الوطن؟! من الذي انقلب على الشرعية؟! من أوصل البلد إلى هذا المنزلق الخطير الذي انحدرت إليه وأصبحت على شفا حرب أهلية مدمرة لن تبقي ولن تذر؟! من أطلق حملات الكراهية والشيطنة وشحن الجماهير ضد جزء من الشعب؟! من يشوِّه الآخر ويدعو ليل نهار لاستئصاله واقتلاع جذوره من أرض الوطن؟! من الذي قتل وجرح الآلاف وأحرق الناس وهم أحياء؟!

ثانياً:

من قال إن الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 3/7/2013م يتمتع بتأييد شعبي واسع؟! ألا يعرف أ/فهمي حقيقة ما حدث يوم 3/6؟! ألم يكلمنا هو شخصيا في مقالات سابقة عن الأرقام الحقيقة التي يمكن أن تحتشد في ميدان التحرير وأنها لن تتجاوز المليون شخص بأي حال من الأحوال؟! ثم ماذا عن الحشود الهائلة المؤيدة للشرعية والتي تواجدت في ميدان رابعة العدوية والميادين الأخرى منذ 21/6 حتى الآن؟! أليس هؤلاء جزء من الشعب المصري ولهم حقوق كما لبقية المصريين؟! (وبالمناسبة تؤكد عدة دراسات ميدانية لاستطلاعات الرأي العام في مصر أن نسبة رافضي الانقلاب العسكري تمثِّل 70٪ من الشعب المصري، كالدراسة التي أجراها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام)

ثالثاً:

كيف تُعتَمد فكرة الحشود لتقرير الأوضاع السياسية في أي بلد خاصة إن كانت هناك حشود مضادة لها لا تقل عنها عدداً وكثافة بل تتفوق عليها؟ وما فائدة صناديق الاقتراع إذن وهي الوسيلة الوحيدة الموثوقة لمعرفة رغبات أي تجمع بشري في أي أمر من الأمور إن أجريت الانتخابات في جوٍّ من الشفافية والحرية والنزاهة؟ ثم ألم تقل لنا أنت نفسك يا أ/فهمي إن ديمقراطية الصناديق هي الشكل الأرقى الذي توصل إليه البشر لتمارس الشعوب حريتها من خلاله بكل شفافية؟! فكيف تدعو اليوم لقبول الانقلاب على شرعية الصندوق؟!

رابعاً:

كيف يا أ/ فهمي لا تطالب الظالم الطاغية بشيء اعتماداً على أنه متغلب ومنتصر ومعه القوة الباطشة؟! كيف نُقِرُّ الظالم على ظلمه ونسلِّم له بما اغتصبه ظلماً وعدوانا ونرضى بما فرضه على الأرض من وقائع بحجة أنه الأقوى؟! ثم أليس من حق إسرائيل إذن أن تعامل العرب بنفس المنطق؟! أليس على العرب بحكم موازين القوى أن يذعنوا ويرضخوا للصهاينة الغاصبين ويتركوا لهم فلسطين بما فيها من مقدسات المسلمين والمسيحيين؟ أهذا الكلام يتسق مع منهجكم يا مفكرنا الكبير؟!

خامساً:

ماذا بوسع الإخوان أن يفعلوا وقد قُتِل منهم وجُرِح واعتقل عشرات الآلاف؟! ثم كيف يُطالَبُ الجريح الذي أثخنته الجراح بألا يئن أو يتوجع؟! كيف تُطَالب الضحية التي تتعذب يوميا ألا تصرخ من الألم؟! كيف يُطالب المقتول المغدور المغبون المسحوق أن ينسحب ويصمت ويكف عن الأنين؟! وماذا بقي في الإخوان ومن بقي منهم كي نطالبه بأن يسكت ويرضخ للأمر الواقع ولا يطالب بحقه؟!

لقد قلتم يا أ/ فهمي هويدي: "... إنني أدرك فداحة الثمن الذى دفعه الإخوان، وقدْرَ الظلم الذى وقع عليهم، كما أنى أقدِّر مشاعر قواعدهم، إلا أنني أثق في حكمة ووطنية قياداتهم" فهل من الحكمة والوطنية قبول الذل والهوان، والاستسلام لمنطق القوة والحديد والنار الذي يحكم به العسكر مصر منذ عقود طويلة؟!

سادساً:

ثم من قال إن قبول الذل والهوان هو كتَجَرُّعِ السم من أجل مصلحة الوطن؟! ولو افترضنا أن الإخوان سكتوا وقبلوا بكل ما ارتكبه العسكر في حقهم من مجازر بشعة ومذابح مروعة فهل سيكتفي هؤلاء العسكر وحلفاؤهم العلمانيون واليساريون بما ارتكبوه من جرائم يشيب من هولها الولدان؟! هل ستستقر الأوضاع ويتجه العسكر لبناء الوطن والاهتمام بمعاركه الحقيقية في التنمية وعلاج الفقر والجهل في المجتمع؟ هل ستتحقق العدالة الاجتماعية؟ هل سيكتسب الشعب المصري حريته؟ هل ستتوافر الكرامة الإنسانية لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس أو الفكر؟!

سابعاً:

ما أعتقده أن العسكر (ومن وراءهم ...!!) يريدون إبادة الإخوان والإسلاميين جميعا تحت زعم الحرب على الإرهاب، والكل يعلم أن الإخوان ليسوا إرهابيين، ولم يرتكبوا أي جُرْمٍ بحق الوطن ولا بحق غيره... ومعركة مصر الحقيقية هي ضد الفقر والتخلف والرشوة والمحسوبية والفساد والقهر والظلم الاجتماعي والتبعية، وقد جاء الإخوان بنموذج حضاري جديد ذي مرجعية إسلامية يسعى لإنهاض مصر وتحقيق مصالح شعبها واستقلاليتها، لكن الفاسدين الذين يدورون في فلك النموذج الحضاري الرأسمالي المتوحش المهيمن على البشرية لا يريدون لمصر التخلص من التبعية؛ لأنهم لا يهتمون سوى بمصالحهم الخاصة ولو على حساب الوطن... ومن هنا فالصراع الدائر هو صراع بين النموذجين الحضاريين المتقابلين، ولأن المصالح الشخصية  للعسكر وحلفائهم (من الفلول والعلمانيين واليساريين) ترتبط بالنموذج الغربي باعتبارهم مجرد تابع يدور في فلكه ومنظومته المتحكمة في العالم الآن؛ لذا انقلبوا على الإخوان وشيطنوهم لصرف الناس عنهم وعن مشروعهم الحضاري الإسلامي. 

ثامناً:

ينبغي لنا أن ندرك بكل وضوح أن الأمر الآن قد تجاوز الإخوان بمراحل، ولم يعودوا الرقم الصعب في المعادلة، هناك جيل جديد من المصريين، جيل يختلف كثيراً عن جيل عام 54، ولا يمكن أن يقبل هذا الجيل الجديد بما قبله المصريون في الماضي، فإن كنت ناصحا يا أستاذنا الجليل فهمي هويدي فانصح العسكر أن يفيقوا قبل فوات الأوان، انصحهم أن يتراجعوا عن هذا الانقلاب الغاشم، ويجيدوا قراءة الواقع وينحازوا للوطن والشعب ومصالحه الحقيقية، وحذِّرهم من طريق الضياع الذي يدفعون الوطن إليه!!

تاسعاً:

إن المشكلة في مصر ليست في الإخوان المسلمين...!! المشكلة الحقيقية تكمن في العسكر الذين لا يريدون التنازل عن امتيازاتهم ويتسترون خلف أسطورة الحفاظ على الوطن ومصالحه، ومن ثمَّ يصدِّرون لنا الإخوان كغول مخيف يريد أن يفرض أيديولوجيته الرجعية المتخلفة... والعسكر يعرفون الحقيقة جيدا، لكنهم يكابرون ويراوغون وينحازون لمصالحهم الشخصية،  وبعض العسكر وحلفاؤهم يدفعون الوطن نحو حرب أهلية لإيجاد مبرر لإبادة الإخوان وترويع الشعب كله لفرض الأمر الواقع على الجميع... لكن هذا لن يحدث، ولو أذعن الإخوان فلن يذعن غيرهم، ولو أذعنت القيادات فلن يذعن الشباب... ولو فرض الانقلاب نفسه الآن فلن يدوم الأمر طويلا فبعد سنوات قليلة سيكبر الشباب ويطورون وسائل جديدة يقضون بها على حكم العسكر ... وصدقوني لن يكون شباب اليوم بمثل العجز والوهن الذي كان عليه من مضوا ...!!

أخيراً:

كما قلت حضرتك يا أ/ فهمي: إن مصر لا تستحق كل ما نحن فيه من وهن وتخلف وتمزق وضياع وفقدان للبوصلة ... لا مصر الوطن ولا مصر الأمة ... ولكن لماذا لا يكون الجيش شجاعا ويتقدم هو بنفسه لكى يطفئ الحرائق التي أشعلها؟! لماذا لا يتحرك مخلصو الجيش لإنقاذ مصر من الرياح المسمومة والأحقاد والضغائن التي أثارها المجلس العسكري منذ البداية انتقاماً من الشعب الذي قام بثورة 25يناير المباركة!!

               

 * كاتب إسلامي مصري