ما دور (الشخصيات السنية) في نظام الأسد
(كركوزات) أم (خرفان العيد)؟
طريف يوسف آغا
تطرقت في مقال سابق لوزير الخارجية (وليد المعلم) ودوره في خدمة أهداف النظام الأسدي. وفي الحقيقة فالرجل لايختلف كثيراً عن باقي أقرانه من (الأغلبية السنية) في سورية ممن خدموا هذا النظام على مدى أكثر من أربعة عقود. فلوث البعض منهم أيديهم بالدماء حين شاركوه بمجازره ضد الشعب، ولوث البعض الآخر سمعتهم بالعمل تحت رايته حين شاركوه بالفساد والاثراء غير المشروع. ولكن لايمكن أن يخفى عن المراقب لهذا النظام استعماله (الشخصيات السنية) ككبش فداء كلما أراد أن يطلق مايسميه (حملة على الفساد) أو (من أين لك هذا) أو غيرها، فأول وآخر من يأتي ويضحي بهم يكونون (السنة).
الكل يعلم أن كل سوري له ملف، أو فيشة كما يسمونها، عند الأمن، وهذا ينطبق على الجميع بما فيهم الوزراء والمدراء والضباط الذين يعملون تحت راية النظام. وهذه الملفات تكون جاهزة لحين الطلب ولحين يقرر النظام الايقاع بمن بات يعتبرهم خصومه أو من انتهى دورهم وبات يريد التضحية بهم أمام الشعب. كل المسؤولين في النظام الأسدي من خارج الأسرة الحاكمة هم (أحجار شطرنج)، ولكنه يخص الأغلبية السنية بأدوار (البيادق) الهامشية بحيث يتبجح بهم أمام الداخل والخارج بأنه ليس نظاماً طائفياً. ولكنه يعود ليضحي ببعضهم في أول فرصة بدعوى أن مصلحة الوطن فوق الجميع ،كأن يتهمهم بالفساد أو الاهمال ليبرر معاقبتهم وليظهر أن (السنة) أشرار ولصوص لايمكن الثقة بهم، في حين أن أفراد (طائفته العلوية) هم عنوان الشرف والثقة. لاأقول هنا أن تلك (الشخصيات السنية) التي يستعملها النظام ثم ينقلب عليها هي شخصيات نظيفة وشريفة، فهذا النظام لاعلاقة له بالنظافة والشرف لامن قريب ولامن بعيد، وبالتالي لايمكن أن يعمل في ظله إلا من هو قذر مثله. ولكن ماأقوله هنا هو أن النظام لايعري إلا (الشخصيات السنية) دون سواها للسبب الذي سبق وذكرته.
من أشهر الأمثلة على ذلك في حقبة الثمانينيات في عهد (الأسد الأب) كانت لاشك قصة الدكتور المهندس (محمود الكردي) الذي تمت ترقيته من مدير عام مؤسسة تنفيذ الانشاءات العسكرية (متاع) إلى وزير للزراعة في وزارة (عبد الرؤوف الكسم). ثم تم استدعائه بعد عدة سنوات إلى مايسمى مجلس الشعب للتحقيق معه في صفقة مواشي فاسدة لينتهي في سجن عدرا. وقد تم أيضاً في نفس الوقت التحقيق مع عدة وزراء (سنيين) بنفس الطريقة مما أجبر رئيس الوزراء نفسه على تقديم استقالته، ولكن لم تعرف الأسباب الحقيقية وراء تلك المسرحية وتلك العقوبات. ففي النظام السوري ينطبق مثل (ماخفي كان أعظم) وبالتالي فالسبب الحقيقي حتماً ليس هو الفساد، وإلا لتم زج كل رجالات النظام في السجن. أما بالنسبة لرئيس الوزارة حينها، فالكل كان يعلم بالخلافات العميقة بينه وبين المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، ولولا أنه كان يتمتع بحماية الرئيس مباشرة، لدخل السجن هو أيضاً.
ويقوم النظام أحياناً بانتقاء تلك (الشخصيات السنية) بمهارة بحيث تكون أقرب إلى شخصية (كركوز) أو (النكتة) منها إلى الجدية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك (محمود الزعبي) الذي بدأ عضواً في مجلس الشعب، ليصبح رئيسه ثم ليصبح رئيساً للوزراء عام 1987 بعد أن قام بالمهمة الموكلة إليه باسقاط وزارة (الكسم). وقد وجد السوريون في هذين الرجلين معاً مادة غنية للنكات والتندر، ولهذا حزنوا لاستقالة الأخير السريعة أي حزن لفقدانهم تلك المادة. ولكن أتى (الزعبي) وملأ ذلك الفراغ وبجدارة وأتحفهم بمادة للتهكم أغنى وأطول عمراً، حيث بقي في منصبه حتى عام 2000 لينتحر (برصاصتين) في الرأس بعد أن أتى دوره وتمت مواجهته هو أيضاً بتهم فساد وتقصير قبل رحيل (الأسد الأب) بأيام.
ومن تلك الشخصيات (الكركوزية) أيضاً وزير الدفاع (مصطفى طلاس) الذي بقي في منصبه 32 عاماً (1972-2004) وكان يفقه في كل شئ ماعدا الجيش والدفاع. وقد اشتهر بأخباره الغرامية، وخاصة مع فتيات بعمر أبنائه، وبمداومته في مسبحي الشيراتون والميريديان حيث كان يعرف بلقب (أونكل تلاس). وعرف كذلك بنشره كتباً عن الطبخ وادعائه كتابة أعمال مترجمة إلى العربية ليست له، فأنصفه السوريون بالكثير من التهكم والنكات، وكذلك بمنحه اللقب الذي يستحقه وهو (وزير الكفكير والقلم والكلسون). كما وعرف بلسانه (الزفر) والذي تم تسليطه بتعليمات من (الأسد الأب) على الزعيم الفلسطيني (ياسر عرفات) لرفض الأخير الانصياع لأوامر النظام، فقال فيه ماكان يخجل (المتنبي) من قوله في (اخشيد مصر). وانشغل الرجل كغيره من المسؤولين بالتجارة والأعمال، فعمل في مجال الفري والكمة والمعلبات والنشر وغيرها، كما ارتبط اسمه باسم مهرب الأسلحة الشهير (أكرم العجة) حيث كان من المفترض أن تتزوج ابنته ابن المهرب، ولكنها انتهت بالزواج من المهرب نفسه. كان النظام يستعمل (طلاس) في الكثير من الأعمال القذرة، وخاصة توقيع أحكام الاعدام بحق المعارضين الذين يخضعون لمحاكمات عسكرية سريعة، وبالتالي إعطاء صفة من الشرعية لتلك الأحكام كونها موقعة من وزير الدفاع. هرب (طلاس) إلى فرنسا بحجة المعالجة بعد إحالته على التقاعد عام 2004 لنشره مذكرات وجد فيها (الأسد الابن) مايسئ لسمعة عائلته الكريمة. وهو مايزال هناك حتى اليوم ولاأعتقد أنه يجرأ على العودة، فملفاته كما ذكرت عامرة، وخاصة الآن بعد أن انشق ابنيه عن بيت طاعة النظام، في العلن على الأقل.
ومن تلك (الشخصيات السنية) أيضاً، الرفيق البعثي القديم (عبد الله الأحمر) الذي مازال النظام يستعمله هو وأمثاله لكي يقنع الناس أن هناك حزباً سياسياً يحكم في سورية، وليس مجرد عصابة طائفية مسلحة. وقد دخل (الأحمر) عالم النكتة السورية بقوة بعد حادثة اختطاف اسرائيل للطائرة التي تقله في طريق عودته من ليبيا عام 1988، لاعتقادها أن الزعيم الفلسطيني (ياسر عرفات) على متنها. ولكن لما لم تجد سوى (الرفيق الأمين العام المساعد للحزب) في وجهها، خاب أملها وأعادته مع الشكر لعدم الحاجة ودون قيد أو شرط. ويضاف إلى تلك الشخصيات الشيوعي (خالد بكداش) والاشتراكي (عبد الغني قنوت) ونائبة الرئيس (نجاح العطار) وغيرهم. كل هؤلاء تم إغرائهم بالمال والمناصب ليعملوا تحت راية نظام مافيوي بهدف تجميل صورته واعطائه مسحة من الشرعية، فمنهم من تم احتوائه فيما سمي (الجبهة الوطنية التقدمية) والبعض الآخر في مناصب وزراء ومدراء أو نواب في مايسمى مجلس الشعب. ناهيك طبعاً عن الشخصيات الدينية التي (اتكأ) عليها النظام ليوهم الشعب بأنه ليس نظاماً طائفياً، وخير مثال على هؤلاء المفتي السابق (أحمد كفتارو) والحالي (أحمد حسون) والشيخ (سعيد البوطي) الذي تم تسجيل تصفيته على شاشة كاميرة الفيديو لسبب مازال مجهولاً حتى اليوم.
لاشك أن قصة (عبد الحليم خدام) هي الأميز بين كافة (الشخصيات السنية) الذي استعملها نظام الأسد، فالرجل كان محافظاً لمدينة القنيطرة حين سقطت بيد إسرائيل عام 1967، ويقال أنه هرب إلى دمشق راكباً على ظهر دابة كي لايلفت الأنظار ويتم استهدافه. وقد كافأه النظام على (بطولته) تلك بتعيينه محافظاً لحماة ثم لدمشق ثم وزيراً للصحة ثم للخارجية وأخيراً نائبا للرئيس. تلطخ اسمه في الثمانينيات والتسعينيات بارتباط أولاده بفضيحة عمولات مقابل دفن نفايات نووية أوربية في سورية، ولكن لم يتم أي تحقيق في الأمر. تم تكليفه بالملف اللبناني وبالتالي تحميله مسؤولية الاخفاقات المتلاحقة وتبرئة ساحة المؤسسة العسكرية والأمنية منها. شعر عام 2005 بأنه مستهدف من قبل نظام (الأسد الابن) في حملة عرفت حينها بالتخلص من الحرس القديم الذي كان محسوباً عليه، فما كان منه إلا أن هرب إلى فرنسا وأعلن انشقاقه ومعارضته للنظام واتهم (الأسد) بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني حينها (رفيق الحريري). حينها فقط أخرج النظام ملفات فساد (خدام) وأولاده وخاصة ملف النفايات النووية والاثراء غير المشروع وغيرها.
من يحاول البحث في تاريخ نظام الأسد عن (شخصيات علوية) قيادية تم اتهامها (بالفساد) وزجها في السجن أو نحرها، فهو لاشك يضيع وقته لأنه لن يجد أي منها. وهناك أمثلة لاتعد ولاتحصى على أسماء لشخصيات علوية كانت أولى من غيرها بالتحقيق معها ومسائلتها عن الفساد والاثراء غير المشروع. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المقدم (خليل بهلول) مدير عام مؤسسة الاسكان العسكرية، واللواء (اسكندر سلامة) مدير إدارة الأشغال العسكرية، واللواء (رياض شاليش) مدير عام مؤسسة تنفيذ الانشاءات العسكرية، واللواء (علي حيدر) قائد الوحدات الخاصة، والمهندس (يوسف الأحمد) وزير النقل ثم سفير النظام في الجامعة العربية، وطبعاً (رامي مخلوف) رجل الأعمال وابن خال رئيس العصابة وغيرهم. أما الشخصيات العلوية المعدودة التي تم سجنها أو مطاردتها فهي تلك المعارضة سياسياً، وأكثرها من المحسوبة على التيارات اليسارية أو الشيوعية، ومعروف أن المعارضة الحقيقية هي خط أحمر بالنسبة للنظام، أكثر جدية من خطوط (أوباما) الحمراء بطبيعة الحال.
قد يسأل البعض، وماذا عن اغتيال وزير الداخلية العلوي اللواء (غازي كنعان) بمسرحية (انتحار) قبل سنوات؟ أقول لهؤلاء أن لايتفائلوا كثيراً بها، فقد تناقلت الأخبار حينها أن اغتيال الرجل يعود لتوفر معلومات استخبارية تفيد بأنه كان يخطط لانقلاب عسكري على (الأسد الابن)، وطبعاً لاشئ يشفع لصاحب هذه التهمة كائناً من كان!