لنحسم المعركة إلى جانب القوى المدنية الحضارية في الناصرة
لنحسم المعركة
إلى جانب القوى المدنية الحضارية في الناصرة
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
كنت احبذ ان لا اكتب عن قضايا انتخابات السلطات المحلية ... بما في ذلك عن انتخابات مدينتي الناصرة وان اواصل تسجيل "يوميات نصراوي" النوستالجية . كل كلمة ساكتبها ستفسر بما تلائم، او لا تلائم طرفا ما.. سلبا او ايجابا، رغم اني اطرح مواقفي من خارج أي التزام بتنظيم سياسي قطري او تنظيم بلدي محلي. اطرح رؤيتي وورائي تجربة طويلة سياسية، اجتماعية، اعلامية وثقافية.. اقول بوضوح وبشكل قاطع، انا مثقف وناشط سياسي مستقل، صاحب رؤية اجتماعية وفكرية ويحب مدينته واهل مدينته، يعرف اشكاليات الواقع النصراوي واشكاليات الواقع العربي داخل اسرائيل. لا اعيش اوهام الشعارات التي تنمو مثل الفطريات، لها نفس الشكل ونفس المضمون حتى لو اختلف حجمها، عرضا او طولا، او اختلف لونها وتغيرت صورة المرشح فوقها.. للأسف لا ارى إختلافا في تكرار وابتذال ذهن المواطن. لا ابني تقييماتي بناء على شعارات وصور كبيرة.. حتى لو كان "النجوم"الحالمين بالرئاسة ( في الناصرة او في البلدات العربية) يتمتعون بجاذبية ممثلي هولويود.. ولا اقول الممثلات، ولا استثني أحدا!!
مقالي الأخير، الساخر بمعظمه، اثار ردود فعل واسعة،اسعدتني الردود التي وصلتني بسبب التماثل الواسع مع سخريتي المرة- السوداء، كنت ساخرا حتى العظم من اساليب التسويق الإنتخابي والترويج لبضائع فات موعد تسويقها. ضحكوا معي من الشعارات الفارغة للخطاب الذي تجاهل عقل شعب مجرب ، مثقف ، اكاديمي، ينتمي للقرن الحادي والعشرين.. قرن الحضارة الانسانية المنطلقة الى خارج المجموعة الشمسية. بينما البعض مقيم طوعا في عصر صار مادة للباحثين عن المتحجرات- الأحافير.
يقول محمود درويش: "سنصير شعبا حين ننسى ما تقول لنا القبيلة".
رجاء لا تتعاملوا معنا بعقلية القبيلة. الانتماء اليوم للمجتمع المدني.. للحداثة الاجتماعية ، للفكر المتنور ..للرقي الفكري والاجتماعي، للعلمانية المتنورة ، لحرية ممارسة الانسان لعقائده، للتعددية الفكرية، الدينية والاثنية، بعيدا عن الظن انه :" اذا حقدت عليك بنو تميم ظننت كل البشر حاقدين وغاضبين".
لا ادعي ان ادارة سلطاتنا المحلية ، وادارة بلدية الناصرة تحديدا، تستجيب لرؤيتي التنويرية بالكامل. الموضوع نسبي وتدخل عليه عوامل سلبية من تصرفات فردية داخل الجهاز البلدي ، من السلطة السياسية، من قيود في الميزانيات نتيجة واقع اضطهادي تمييزي لا نحتاج لتكرار مسؤولية السلطة عنه، بنفس الوقت لا يمكن تجاهل القصورات الذاتية وغيرها من نقاط الضعف السلبية في انعكاساتها على الجمهور.
من الخطأ طرح مواقف تدعي ان السابقين لم يحققوا اي انجاز.. هذا النفي المطلق او النسبي هو ذر للرمال في العيون. انتقاد القصورات ليس ضروريا فحسب بل هو واجب ، لكن هناك اسلوب حضاري للنقد. هنا يبدأ الفصل بين القوائم والمرشحين حسب منطق عقلاني يحتكم الى العقل. من يريد التغيير ، بمفهوم تحسين وتنجيع الخدمات، عليه الدخول في هذه الخانة وطرح ما يثبت شعاراته. اما القول ان الادارة السابقة حكمت اربعة عقود لم تنجز بهم شيئا فهذا كلام لا يستحق الرد ولا يصدر الا عن فكر مغلق ومتغاب، فكر فقير الفهم لكل موضوع السلطات المحلية.. ويستهتر بذكاء المواطنين!!
دعوت الى عدم الصراع بين الجبهة وعلي سلام، للأسف ارى ان الجسور تحترق او احترقت كليا. نحن لا نخوض معركة ضد الحزب الشيوعي. لا تهمني تصرفات الحزب ،نظرياته ومواقفه بل ما يطرح من جبهة الناصرة بشكل عيني حول رؤيتها للمستقبل البلدي..وما انجزته بناء على رؤيتها. محاكمتها هنا وليس في جبهة التنظيم السياسي الذي كان الحاضنة التاريخية لتنظيم الجبهة.
واضح ان العلاقة السياسية وثيقة مع التنظيم، البعض يراه مصدر قوة للنهج ، البعض الآخر يراه سببا لرفض استمرار نهج الجبهة البلدي. نتساءل: هل يجوز لي بسبب رفضي ايديولوجية ونهج الحزب الشيوعي، أوبعض مواقفه السياسية، ان ارفض النهج البلدي التطويري والاجتماعي الذي سارت عليه جبهة الناصرة؟ هل الالتزام بالموقف الوطني، الاجتماعي، السياسي والمطلبي من السلطة، الذي لا يختلف كثيرا عن مواقف مجمل الاحزاب السياسية العربية، هو الخطيئة الكبرى لجبهة الناصرة وادارتها للعمل البلدي.
من يظن ذلك ليعلن رأيه ... سنصفق له داخل صناديق الاقتراع!!
اريد ان اقول امرا لا استطع تجاهله، انا سررت جدا بترشيح النائبة حنين زعبي لنفسها في هذه الانتخابات. اولا من رأيي الذي عبرت عنه دائما، ان المرأة يجب ان تحتل مكانة مرموقة سياسيا ، اجتماعيا وليس مجرد اول مكان غير مضمون في قائمة المرشحين التي يحتل الأماكن المضمونة فيها الرجال.
اقول ذلك رغم رؤيتي السياسية المختلفة حول العديد من الطروحات لحزب التجمع ولنشاط حنين المباشر. لكن هذا يتقلص حتى الصفر امام رؤية امرأة حضارية، متنورة، علمانية، لها نشاطها في اطار المجتمع المدني ترفع مكانة المرأة العربية ، خاصة النصراوية، الى مرتبة عليا تستحقها بجدارة.
قرأت انتقادات حنين زعبي واعتقد انها تحدثت بعقلانية وطرحت قضايا هامة وملحة تستحق اجوبة عينية، قد اختلف معها حول تحميل ادارة الجبهة للمسؤولية كلها عن الظواهر السلبية في المجتمع النصراوي ، بتجاهل ان الجبهة ليست السلطة المركزية في الدولة، والناصرة مثل سائر البلدات العربية تواجه سياسات مخططة معادية للجماهير العربية تنعكس سلبا على تطور مجتمعنا وتقدمه وتعمق الظواهر الخطيرة التي تعصف بواقعنا كاقلية عربية مضطهدة داخل اسرائيل.. لا تعترف بنا كأقلية قومية، لا أرى مجالا الآن لطرح كل ظواهر التمييز القومي، التمييز في الميزانيات، التضييق بمخصصات الأرض بعد مصادرتها، حرماننا من مناطق صناعية ملائمة، ما يواجهه التعليم العربي من ضائقة خطيرة في الغرف والميزانيات ، عمليا اسقطت "قانون التعليم الالزامي المجاني" وحولت التعليم الى هم اقتصادي مكلف للمجتمع العربي. فقدان مناطق صناعية يقود الى هجرة التجار والمهنيين من الناصرة الى الناصرة العليا وهذا موضوع ملح يستحق علاجا خاصا. تفريغ الناصرة من المؤسسات الحكومية هو ضمن ابقاء المدينة العربية الأساسية تابعة الى مراكز يهودية أقل شانا منها، اي قرية بالمفهوم المدني والتطويري.
ان واقع الفقر لسلطاتنا المحلية يقود الى ما هو اكثرسلبية مما تناولته المرشحة حنين زعبي.
رغم خلاف التشخيص والعنوان للمسؤولية عن هذا الواقع وليس خلافا في المضامين الجوهرية، يظل ترشيح حنين لنفسها انجاز هام جدا، ليس على مستوى حقوق المرأة فقط، انما ايضا على مستوى تشكيل قوة مدنية علمانية متنورة ترفض الغيبيات والخرافات التي تنادي بحجب المرأة على مستويين ، شخصي واجتماعي، ارى انه يعطي نموذجا حضاريا يجب حمايته وتطويره.
من هنا اشعر باطمئنان كبير ان الناصرة حالها اليوم افضل من الانتخابات الماضية. وحساباتي لا علاقة لها بما تحصل عليه قائمة انتخابية ما!!
نحن امام كتلة مدنية ، تتشكل من الجبهة وقائمة حنين. ترشيح حنين زعبي سيغير المعادلة الانتخابية في الناصرة لصالح القوى المدنية المتنورة بغض النظر عن اطارها التنظيمي، لا اتحدث عن القوة الفائزة بمفهوم تنظيم ما، انما اتحدث عن مجموعة قوى تتميز بالتمسك بالفكر المدني الحضاري والوطني يجب ان تغير كل قواعد اللعبة البلدية والسياسية لمدينة الناصرة وتقودها بفكر تنويري مدني حضاري في السنوات القادمة.حنين زعبي هي اضافة هامة لتحمل المسؤولية الجماعية عن مستقبل المدينة ، وليس مجرد الطموح لمكاسب انتهازية.
من هنا ارى ان أجواء معركة الانتخابات الحالية هي الأفضل من المعارك السابقة، لا اتحدث عن عدد المقاعد للجبهة التي ارى نفسي اقرب اليها فكريا. انما اتحدث عن ظروف نشوء كتلة قوية في التشكيل البلدي القادم ، قادرة على تشكيل مجلس بلدي مدني، حضاري ووطني يواصل معركة الجماهير العربية ومعركة الناصرة التطويرية.
آمل ان تصل القائمتان الى لغة مشتركة وتفاهم .. والمنافسة ليست حربا، ليست عداء، هي حق ديمقراطي يجب ان يمارسه المواطن بحرية وعقلانية.