انتخابات السلطات المحلية العربية: إلى أين ننزلق؟!

انتخابات السلطات المحلية العربية:

إلى أين ننزلق؟!

نبيل عودة

كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة

[email protected]

*الطريق لإنقاذ الوسط العربي ليست بدون مشاركة القوى الشعبية والأهلية في تقرير مستقبلها والمشاركة في ادارة سلطاتها المحلية

افتتح "مهرجان" الانتخابات للسلطات المحلية العربية في اسرائيل. تزينت الشوارع بالصور والاعلانات ، المنافسة على أشدها بين اعلانات الانتخابات والاعلانات التجارية والاعلانات الدينية . انتخبوا فلان لأنه ممثل الحكمة... اشربوا بيبسي كولا وانتعشوا.  قيادة قادرة على التغيير، "ميلك تشيك" يحبه الكبار والصغار. المرشح .... يجدد شباب البلد ، عدل دماغك بنفس نارجيلة في مقهى  ليالي المريخ، مكان خاص للعائلات. الاصلاح قادم، انتخبوا "..." مرشح الاصلاح ... من أجل أعراسكم وأفراحكم : زجاجة ويسكي "ريد ليبل" حجم ليتر  90 شاكل فقط. سارعوا قبل نفاذ الكمية... الى الذين يحلمون بالخير والتطور... انا هو العنوان.. رامزور أحمر، توقفت، قرأت: قداس وجناز الأربعين على روح المرحوم... ضوء أخضر.. نظرت الى المفرق وانطلقت!!

 كلهم من اجل الاصلاح، كلهم من اجل التطوير، كلهم حكماء...

 والسابقون؟ ...

طبعا نستنتج انهم كانوا اغبياء.   ضوء أحمر مرة أخرى .. ضغطت على الفرامل بانتظار الفرج .. قيادة تصنع التغيير... هل التغيير صناعة؟ اين تباع منتجاتها؟

 المرشحون الجدد او المتنافسون الجدد كلهم اصحاب معرفة لم تتوفر للسابقين، كلهم سيقودون التطوير، فقط انتخبوهم وسترون العجب العجاب. اعطوهم كرسي الرئاسة. اعطوهم الصندوق والصلاحيات . السابقون ومن سبقهم كانوا فاسدين، السابقون لم يخدموا الا عائلاتهم.  السابقون لم يخدموا الا زلمهم. السابقون لم يخدموا الا مصالح احزابهم  وتكتلاتهم والمقربين لهم. برايميرز (انتخابات داخلية) العائلة انتخبني، حان وقت التغيير، انا قائد التغيير .. الطائفة رشحتني للرئاسة .. أنا  ملك الحمص والفول .. أنا ملك الفلافل ..أنا ملك الشاورما.. انا ملك السمك.. اطيب فجل في فلسطين  فجل البقيعة، لكن اهلها يلفظونها "فجل بقاعي"!!

لو رشح الفجل البقاعي نفسه هل كان يفوز بالرئاسة الفجلية؟.. او ربما برئاسة سلطة محلية وسيحدث التغيير المرجو..الم يقل أجدادنا أن الفجل أوله "منافع" وآخره "منافع"؟!  لعل هذا يفسر مفاهيم التغيير والإصلاح التي يرددها الجميع وكأنها فانوس علاء الدين السحري... اولها "منافع" وآخرها "مدافع"؟!

كلهم يصرخون: اسقطوهم وانتخبوني. انا سأغير ، انا ابو الاصلاح.. انا زين الشباب..انا رأس الحكمة.. انا ابو التقدم والتطوير..المسيح حول الماء الى خمر في عرس قانا الجليل وفي عرس الانتخابات للسلطات المحلية..يتعهدون بتحويل  مياه الحنفيات الى "كوكا كولا" ، او عصير برتقال.. حسب الطلب!!

ايها الناخب، امامك فرصة للتغيير . استبدل الشبعان بالجائع. السابق "كفاه لهطا"، حان الوقت لتغييره. هل تريد ان تربح 100 الف شاكل ؟ اشتر من محلات "...." وشارك باليانصيب !! التيؤريا ( السياقة النظرية) علينا والبقية عليك.. انتخبوا قائمة الشباب .. مرشحها للرئاسة عجوز في الثمانين فقط!!

اقترح هذا الشعار: استبدلوا الفاسد السابق الشبعان بفاسد جديد جوعان!!

والله لا اضحك بل انا محتار : لمن انتسب؟ الشعارات لم تقنعني قبل نصف قرن واليوم صارت خرقا. ماذا يهمني من يفوز، ما دمت بعيدا عن الصحن؟ لا املك كرت غوار وسأبقى المواطن المخوزق.  الم يحن الوقت لنحكم عقولنا في اختيار المرشح؟ لن يكون المسيح المنتظر.. ليس هذا حلمنا ، بل شخصا يعرف كيف يعمل ويدير مشاريع التطوير ويصارع السلطة للحصول على بعض ما نستحق.

احدهم يكتشف ان حليفه منذ عقدين من السنين كان يمارس التهميش والانفرادية وان الفساد كان مستشريا. الست شريكا اذا صح هذا القول؟

الم يكن أفضل ان تنافس دون ان تدعي على شريكك السابق؟ ام كيل التهم بحق وبدون حق صار من متطلبات المنافسة؟

قد تكون أفضل من شريكك .. لكن انتبه لما تدعيه عليه لأنك شريك لنهجه.

اعترف اولا انه من حق كل من يرى بنفسه والأهم بجيبه الامكانيات للمنافسة ان ينافس. واقول بمصداقية، لم اعد انتمي لأي اطار، سقطت من حسابي كل الاطر الحزبية او العائلية او ما تسمى زورا بالأهلية ولا شيء أهلي فيها. اؤمن ان المثقف الذي يؤطر نفسه بتنظيم ما يلحق الضرر بثقافته ووعيه.

 مجتمعنا مأزوم سياسيا، مجتمعنا مأزوم اجتماعيا ومأزوم على المستوى القيادي. وها هي الصورة واضحة لمن لم يصدقني سابقا.  انتقاداتي ليست جديدة. ما دام الاعوجاج قائما لن أسكت... لم اخف رأيي. . قلته أمس، أقوله اليوم وسأقوله في كل مناسبة.لا ابحث عن مطالب شخصية. حقوقي لن اسمح لأحد بمسها.

ما اراه اننا نغرق بمنافسة مبنية على الذاتية المفرطة. منافسة لا تطرح اي موقف عقلاني يخاطب العقل. نحن لسنا قطيع ماعز يا متنافسين. لسنا فاقدي الحس والفهم والمعرفة والوعي.  للأسف لا نملك مصادر مالية للمنافسة!!

ماذا تقصدون بتعبير "تغيير"..هل تظنون انها كلمة سحرية صحيحة في كل زمان ومكان؟

هل تتوهمون ان رفع شعار "التغيير" يعني انكم اهلا له؟

لو سألناكم عن تفسير للتغيير الذي صنعتم منه معبودا من التمر، تأكلوه بعد ظهور النتائج: هل باستطاعتكم ايجاد جملة تفسر مفهومكم الفلسفي والعملي لهذا التعبير "تغيير"؟ شيء غير استبدال الجالس على الكرسي بجلوسكم الميمون؟! 

هل لكم معرفة اولية بواقع السلطات المحلية العربية ، او على الأقل معرفة بواقع السلطة المحلية  التي تتنافسون على مقعد رئاستها؟

هل تعرفون ميزانيتها وكيف توزع، وعلى ماذا صرفت في السنوات السابقة؟ هللا لديكم ادراك بشح ما يقدم للسلطات المحلية من الحكم المركزي خاصة للسلطات المحلية العربية؟ هل لديكم معرفة بنسبة جباية الضرائب مثلا؟ مشاكل شح الأراضي وشح مخصصات الأرض ٌبما يتناسب مع احتياجات التطور الطبيعي  للسلطات المحلية العربية ؟ غياب مناطق صناعية مثلا؟ التضييق على مسطحات بلداتنا العربية؟ فقدان اراض للبناء للأزواج الشابة؟ نقص رهيب بغرف الدراسة يقدر اليوم بأكثر من 6000 غرفة؟ هذا الواقع ليس بذنب السلطات المحلية. ستواجهون نفس الاشكاليات. كيف ستحلونها؟ هل لديكم وعود من قطر مثلا؟ او ربما من ايران اذا تشيعتم؟

كيف ستغيرون من واقع بائس لم يبدأ بالسابقين ولن ينتهي باللاحقين أمثالكم اذا جلستم على الكراسي ؟

هل تدركون ما نفذ من مشاريع سابقة والطريقة التي جرى فيها تنفيذ تلك المشاريع..؟ لماذا لم تتواصل المشاريع؟.. لماذا لم تصل الميزانيات الموعودة؟

لا اتهم الرؤساء بالقصور، لا انفي الفساد ايضا،  لا اتجاهل التسيب في ادارة كادر الموظفين  وهي برأيي احدى القضايا الهامة التي لم تعالج بطريقة  تزيد من نجاعة العلاقة بين السلطة المحلية والجمهور..وتحسن مستوى الخدمات. بعضهم ينقلون للشارع معلومات ممنوع ان تخرج من اطار السلطة المحلية ،هناك ضعف في الرقابة حول قضايا مالية وغيرها.. واتكلم عن معرفة. هل اقسام الرقابة تنشط؟ ما هو دورها ؟

 لانكشف جديدا بالقول ان التعامل بين المواطن وسلطته المحلية مليء بالفجوات البيروقراطية ، مليء بالقصورات ، قضايا ملحة وبالغة الخطورة تطرح ولا جواب عليها. لا انفي ان سلطاتنا المحلية تمارس سياسة تمييز مجحفة بحق البعض في قضايا التوظيف واختياراتها ليست حسب مقاييس نظيفة. هل لهذا السبب يجب اسقاطها؟

النقص الكبير هو تحييد القوى الشعبية والأهلية من الفعل النشيط . بدل ذلك تحولت انتخابات السلطات المحلية الى ثقافة تعمق سلبياتنا الاجتماعية وتبرز فقرنا السياسي. الموضوع ليس الشخص، حتى لو عشقت الكاميرا تفاصيل وجهه.

انتخابات السلطات المحلية ليست شعارات ملها المواطن.. الويل لبلد يتمحور فيها   المحرك الانتخابي حول ما هي مصلحتي لدى هذا المرشح او ذاك، ولتحترق من بعدي البلد.

الاصطفاف الذي نشاهده في المنافسة هو التعبير البشع عن تحييد وتجميد دور فئات شعبية ومثقفة. ما يحدث هو اصطفاف لقوى سياسية او طائفية او عائلية تقوم على اساس لا ديمقراطي ونفي حق المشاركة في تشكيل مستقبل مدننا وقرانا من اوسع الأوساط الشعبية. ان تحكم الأحزاب لم يعد يختلف عن تحكم العائلات او الطوائف.

حدث ولا حرج عن مهزلة شعارات الاصلاح والتغيير .. كل مدننا وقرانا العربية امتلأت شوارعها ومحلاتها بمثل هذه الشعارات. مع فرق صغير جدا هو تغيير اسم رجل الإصلاح والتغيير القادم، طبعا ولون النص وخلفيته.. ربما لذلك قيمة نحن لا ندري عنها شيئا؟!

الغائب هو البرنامج المنطقي الذي يخاطب الجمهور. السؤال هل يمكن لمن لا يعرف القاعدة التي تنشط على اساسها السلطة المحلية ان يطرح برنامجا منطقيا؟

اقول انه باختلاف عن جميع معارك الانتخابات السابقة، تتميز هذه الانتخابات بغياب طرح عقلاني، وبهجمة غير عادية لم يسبق لي ان لمستها سابقا بمثل هذا الكم على رئاسة السلطات المحلية.

ما اريد ان انهي به مقالي ملاحظة عابرة، ان ينتبه المواطن لمستوى الاعلام . هل اعلام المرشح الفلاني يخاطب عقلك ؟ يطرح رؤية تستحق التفكير ؟ هل الاعلام الذي تمارسه قائمة معينة هو مجرد صور الشخص وشعارات لا رصيد لها أكثر من اللحظات التي تستغرقها قراءة الشعارات؟ قد تكون غاضبا من سلطتك المحلية وبحق  ولكن لا تجعل غضبك يتحكم بعقلك!!

الاعلام في عصرنا متطور. والانسان في عصرنا هو عنصر مفكر. ما ادعو الية ان يحترم المواطن عقله. ان لا تسحره الصور، عرفات مات ، رحمة الله علية والصور معه لم تعد تخدم المعارك الانتخابية. الصور مع ابو مازن لا تفي بالغرض.. والصور مع السيسي لم تثبت صلاحيتها الانتخابية بعد.

تعالوا كمواطنين نتجرد من الاطر المطروحة ،نكسر الاستقطاب الحزبي ، العائلي والطائفي.. ونحكم عقولنا.

الذي يبيع صوته يبيع نفسه. نحن لسنا عبيدا ولا ننتظر محررا للعبيد. لا يهمني ان تسقط كل الأحزاب وان تسقط كل القوائم العائلية وان تسقط كل القوائم الطائفية. لعل هذا يفتح الطريق امام كسر الاستقطاب واصطفاف شعبي واهلي  مستقبلا .اصطفاف للمجتمع المدني المتنور وليس للحالمين بذاتهم وفئاتهم!!