الثورة على صناعة الكذب السياسي
محمد علي شاهين
مضت سنتان ونصف من عمر الثورة، ومضى نيسان أكثر أشهر السنة كذباً، ولم تدرك الآلة الإعلاميّة للنظام السوري أنّ الشعب ثار على صناعة الكذب السياسي ثورة دونها سائر الثورات العالميّة.
ولم يعترف الحكم النصيري بالثورة رغم تحرير أكثر من نصف البلاد السوريّة وسقوط أكثر من مئة ألف شهيد، وتشريد خمسة ملايين سوري داخل الوطن وخارجه، وأبى الاعتراف بالمعارضة المسلحة وأصرّ على أنّها مجموعات إرهابية مسلحة قوامها الحقيقي والأساسي قوام أجنبي، وأنّها تضم مسلحين من 83 دولة ينتشرون على الأرض السورية، ويقاتلون تحت عناوين القاعدة وجبهة النصرة ومجموعة من الأسماء الأخرى وعاؤها الكبير تنظيم القاعدة.
وأنكر النظام الشمولي أنّها ثورة شعب أصيل مصمم على التحرّر، وأنه لن يتراجع عن ثورته حتى رحيل الأسد ونظامه بكل رموزه وأركانه.
وادّعى الكذّابون والمدلّسون من أبواق النظام أنّ ما يجرى على الساحة السوريّة من قتل وتشريد وتدمير، دفاع مشروع عن نظام الممانعة والمقاومة، الذي لم يطلق طلقة واحدة على إسرائيل.
وقال وزير الكذب السوري: "نحن لا نريد إعلاماً كاذباً، والفرق بيننا وبين وسائل الإعلام الأجنبية.. هو أننا نقول الحقيقة ولو بطريقة قبيحة وغير متطورة، بينما تجيد هي تسويق أكاذيبها".متناسياً أنّ أعظم الخطايا الكذب، وأنّ الكذب يهدي إلى الفجور.
واستحلى رضاع الكذب عدد من المحلّلين السياسيين السوريين واللبنانيين ـ نأنف عن ذكر أسمائهم ـ حتى عسر فطامهم، فهم كالتيس المستعار، يستدعون لتبرير الجرائم، وقلب الحقائق بعد كل حادث جلل، ومنح الشرعيّة لكل أفّاك أثيم.
وكانت المستشارة بثينة شعبان رائدة في ميدان التلفيق والتدليس عندما أصرت انه لا يوجد في سوريا اعمال قتل او تعذيب وأنّ كل ما نشاهده ونقرأه هو أكاذيب وتلفيقات وفبركات.
واتهم الزعبي قبل فترة أردوغان بأنه إرهابي، وحذر السوريين من السفر لتركيا رغم أن جيش نظامه قتل الآلاف، وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ودمر مليون منزل جزئيّاً أو كليّاً فوق ساكنيها، حتى سكن الناس الكهوف خوفاً ورعبا، وأحرق المزارع والمصانع، واستخدم أسلحة الدمار الشامل والقنابل الفراغيّة والنابالم، وارتكبت عصاباته وشبيحته جرائم بشعة أقلّها تشويه الجثث بالحرق وقطع الرؤوس، وانتهاك حرمة المساجد واعدام المكبلين بدم بارد.
وقال الزعبي "هناك نقطة يجب أن تكون واضحة للجميع: ليس هناك أي مقاتل بالمطلق من "حزب الله" في سورية"، موضحاً أن "الجيش السوري ليس بحاجة لا عددا ولا عدة ولا عتادا لهذا النوع من المساعدة بالمطلق".
ونفى الوزير مشاركة عناصر من "حزب الله" اللبناني في القتال في سورية الى جانب الجيش النظامي، وهي كذبة فضحها مقتل أكثر من مئة مقاتل من نخبة مقاتليه في بلدة القصير وحدها عدا الجرحى.
ورد عليها الرئيس اللبناني ميشيل سليمان: "إنّ تدخّل حزب الله في سوريا قوّض ما تبقى من صورة الدولة اللبنانية ووجودها وورّط لبنان في احتمالات انفجار سُنّي - شيعي في المنطقة مع تصاعد الاحتقان على هذا الصعيد" ، معتبراً في الوقت ذاته أن حزب الله فتح معركة عسكرية على حسابه.
وعندما وضعت إيران ثقلها في المنطقة للابقاء على حليفها النصيري قال الوزير: "لا يوجد عنصر واحد ايراني لا من الحرس الثوري ولا غيره له صلة على الارض مباشرة، او يتدخل مباشرة بمهام القوات المسلحة السورية".بينما كانت تعقد صفقة تبادل معتقلين بين النظام السوري والمعارضة يتم بموجبها إطلاق سراح 48 إيرانياً تحتجزهم المعارضة مقابل 2130 مدنياً بوساطة قطرية - تركية.
ونفى الوزير العتيد في مقابلات صحافية استخدام النظام صواريخ سكود ضدّ شعبه، إلاّ أن زيارات هيومن رايتس ووتش إلى مواقع سبع من الهجمات تدل على استخدام صواريخ باليستية، بناء على نطاق الدمار وأقوال شهود تفيد بعدم وجود طائرات في السماء وقت ارتطام الصواريخ.
وادّعى محامي الشيطان أنّ نظامه لم يستخدم على الإطلاق أي سلاح كيميائي بأي شكل من الأشكال سواء في غوطة دمشق أو غيرها ولن تستخدمه إن وجد لديها، مشيراً إلى أن "هناك أدلة ومعلومات عن استخدامه من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة" من خلال صور الأقمار الصناعية التي تحدثت عنها روسيا، وادّعى اكتشاف مصنع لتصنيع الاسلحه الكيميائية، ونفقاً لتخزين القنابل الكيميائيّة في ريف دمشق.
وعندما انهارت العملة السوريّة بسبب النهب المنظّم للمال العام، وتهريبه بالطائرات إلى دبي، ادعى النظام اكتشاف طابعات تزوير للدولار أثناء مداهمة أحد أوكار الإرهابيين، لدفع رواتب المسلحين بالدولار، فيا له من كذوب!!
ونفى وزير الخارجية السوري أن يكون النظام قد استخدم الكيماوي ضدّ شعبه فقال ببلاهة: لا يوجد بلد في العالم يستخدم السلاح الكيماوي ضدّ شعبه!! طبعا إلاّ نظامه.
وكان المعلّم قد عرض لقطات من أحداث لبنان على أنّها في سورية، وظنّ أن هذه الفرية قد انطلت على الرأي العام، حتى اعتصم الذين ظهروا في مؤتمر المعلم اعتراضا على استخدام صورهم.
وخاطب أهالي دمشق بأنّ غاية الجهد العسكري تأمين سلامتهم، بينما كانت قواته تقصف الأحياء السكنيّة والغوطة من جبل قاسيون.
وحدّ النظام من حريّة حركة فريق التحقيق في الأراضي السورية بحجة الخوف على سلامتهم.
وقال أشهر كذاب: كنت أتجول في غابة كبيرة وفجأة خرج لي أسد فلما زأر سقطت أسناني في الأرض.. وسكت.. فسأله أحد أصدقائه وماذا جرى لك؟ أجاب: لقد أكلني.
وعرف النظام بالكذب، واشتهر بالتدليس عدد من أعمدة السلطة الغاشمة، وكأنّ الأحنف بن قيس لم يقل: ما خان شريف وما كذب عاقل.
وكذب الوزير حتى لم يجز صدقه، وما كذب إلاً لصغر نفسه عنده، وأنصف من صوّره بأنّه مجرّد ظاهرة صوتيّة.
فهل أدركتم لماذا ثار الشعب السوري على صناعة الكذب السياسي ثورة دونها سائر الثورات؟