ما هكذا تورد الإبل يا فتح ؟!

م. وصفي قبها

على مدار عقود طويلة إدعت حركة فتح بأنها حركة ثورية، وأن حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد هي الطريق لتحرير فلسطين، وقد أقامت علاقات قوية ومتينة مع القوى الثورية والتحررية في العالم، شعوراً منها أن الظلم يوحد المظلومين ويستوجب مد يد العون والمساعدة لبعضهم بعضا.

واليوم تقتات فتح على ماضٍ  ومجدٍ أصبح أطلالاً وتاريخاً في الماضي، وهي تحاول أن تبرر لنفسها المواقف التي تتناقض مع ذاتها الدينية والوطنية والقومية والأخلاقية، لأن الأنا والعنجهية التنظيمية قد أعمت بصرها وبصيرتها فلم تعد تُبصر غير مصالحها الذاتية ولو تتطلب الأمر أن تضع يدها في يد الشيطان، وعلى حساب اللحمة الداخلية والوحدة الوطنية، ضاربة بذلك كل المنظومة القيمية التي نشأت عليها فتح منذ بدايات إنطلاقتها.

بالأمس القريب كان يتم إستدعاء أئمة وخطباء المساجد والكوادر الإسلامية الذين كانوا  يتصدون بالكلمة الصادقة وينتقدون نظام حسني مبارك وهو يحاصر قطاع غزة ويُغرق الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة لأهالي القطاع في ظل الحصار الغاشم الذي تتعرض له  من قبل الإحتلال الإسرائيلي، بالمياه العادمة ويحاول إقامة جدار فولاذي يحول دون إستخدام وتشغيل هذه الأنفاق، وكم من خطيب وإمام وواعظ وداعية وكادر تمَّ توقيفه والتحقيق معه لأيام لأنه يسىء وفق عقيدة فتح الجديدة إلى العلاقات الأخوية التي تربط مصر بفلسطين، وعندما خُلع مبارك ونظامه، وجاء الرئيس محمد مرسي عبر صناديق الإقتراع، إنبرت القيادات الفتحاوية ومن مختلف المستويات للطعن والهجوم  على الرئيس الجديد وما يُمثل، ووظفت إعلامها في محاربة عدو فتح الجديد، وقد تابعت شخصياً ذلك وأنا أرسف بقيودي خلف القضبان، سواء كان ذلك من خلال برنامج نجوى يونس مراسلة تلفزيون فلسطين في القاهرة وبرنامجها الأسبوعي، أو من خلال برامج أخرى أكثرها كان تشنيعاً على النظام المصري الجديد وحماس برنامج أميرة حنانيا دائرة الحدث، التي بات الطعن بحماس وتشويه صورتها إفتراءً وتلفيقاً فاكهتها المفضلة، ولم نسمع في يومٍ من الأيام أن الأجهزة الأمنية أوقفت أو إستدعت شخصاً واحداً لإساءته للعلاقات الأخوية المصرية الفلسطينية، إنطلاقاً من شعار رئيس السلطة أبو مازن أننا لا نتدخل بشؤون الدول الداخلية، ونحترم خيارات الشعوب.

وبعد الإنقلاب العسكري وإغتصاب السيسي وزمرته للسلطة في مصر وإقصائه الرئيس الشرعي والمنتخب والذي جاء عبر صناديق الإقتراع وفق معايير النزاهة والشفافية المعتمدة ديمقراطياً، عادت حليمة لعادتها القديمة، حيث التأييد للإنقلاب والتماهي معه في حصار غزة، وبدأت الإستدعاءات من جديد حتى أن التحقيق مع بعض الإئمة تركز حول صلاة الغائب التي أقيمت في بعض المساجد بعد المجازر التي إقترفها العسكر بحق الشعب المصري الأعزل، ووصلت الأمور ببعضهم أن يقول " لو قُتل الشعب المصري كله ما بدنا صلاة غائب عليه "، وكلنا تابع تعليمات الأوقاف وإجتماع الهباش مع أئمة وخطباء المساجد وما تطرق له من مواقف وقد أرعد وأزبد وهدد وتوعد كل من يدعم الشرعية في مصر ويمس من طرف قريب أو بعيد زمرة الإنقلابيين، الهباش الذي شكك بإيمان الشعب الفلسطيني  وبإيمان كل من يقف مع الشرعية في مصر ولا يؤيد الإنقلابيين وكبيرهم السيسي،  الأمر الذي يميط اللثام عن التماهي مع الإنقلابيين والإنسجام معهم والإرتباط بهم عضوياً.

وقد دعت حركة فتح أمس الثلاثاء  إلى مظاهرة في وسط رام الله لتأييد الإنقلابيين، ومما يؤسف له، ويُحزن أن تتجاوب هيئة الموظفين العموميين وتعلق الدوام لإفساح المجال أمام الموظفين للمشاركة في هذه التظاهرة التي لا تعكس أصالة الشعب الفلسطيني وقيمه ومبادئه المؤيدة للشرعية ولخيارات الشعوب  التي تأتي عبر صناديق الإقتراع  في كلل أصقاع الأرض وفق معايير الديمقراطية والنزاهة والشفافية العالمية، كم كنت أتمنى على النقابة أن لا تزج بنفسها في مواقع تتناقض مع الذات وأن فيها من يُتوسم بهم خيراً، ولكن رضوخ النقابة لتعليمات ومطالب فتح لا يمكن تفسيره إلا نكاية بحماس.

ومن الأمور الأكثر إيلاماً أن يأتي التحريض المباشر والغير مباشر على حماس وغزة من علية الكوادر في فتح،  وكبار المسؤولين، وهناك من يحاول الإيقاع بين الجيش المصري وغزة، وهناك من يحرض على غزة،  فقبل سنوات خرج علينا قائد الأمن الوطني الذي تفتقت عبقريته عن خطة لتحرير غزة من خلال عشرة آلاف عنصر بعد التمهيد لهم بالطيران، هذه الخطة الفريدة من نوعها تناقلتها وسائل الإعلام ومنها الإسرائيلية، وسمعنا قبل أيام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس لجنة المصالحة مع حماس لا يمانع أن يدخل غزة على ظهر دبابة مصرية، فإذا كان مسؤول المصالحة بهذا الموقف وهذه النوايا، فأي مصالحة تنتظر الشعب الفلسطيني ؟! سؤال برسم الضمير الوطني لكل فتحاوي ؟!

كل ذلك كان يمكن إستيعابه، أما أن يخرج علينا الرئيس أيضاً بمواقف مشابهة ولا تبعد كثيراً عن ما ذُكر آنفاً، فهذا يُدمي القلب ويُحزن، لأن رئيس الشعب الفلسطيني يستوجب عليه النأي بنفسه عن كل ما ينحاز لطرف على حساب طرف وأن يحفظ بمكانته وهيبته لدى جميع مكونات الشعب الفلسطيني، وألا ينحاز حتى لتنظيمه وفصيله كيف لا وهو رئيس الشعب الفلسطيني كله، الرئيس الذي أطلق شعار الحريات سقفها السماء ورددها من بعده ببغاوات فتح كشعار لا يوجد له مصداقية على أرض الواقع، بل يوظف في توقيتات محسوبة لخدمة الأنا والعنجهية التنظيمية، فالجميع يرى على أرض الواقع  أن هناك قمع وحشي للمسيرات الرافضة للإنقلاب العسكريّ وسلطته وقمعه في مصر والداعمة للشعب المصريّ وشرعيته المغتصبة، بينما  توفر الحماية ويُعلق الدوام في مؤسسات الشعب الفلسطيني من أجل دعم الإنقلاب العسكري وإفرازاته،  وما هكذا تورد ألأبل يا فتح ؟؟؟!!!