الأسد يأكل أبناءه !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

هذه المقولة كان يرددها قائد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي بالنفي أمام محبيه من أهل الفن والثقافة ، وكان يكرر مقولة أخرى بأنه تقطع يده قبل أن تمتد  إلى أي مصري . صباح الأربعاء14/8/2013 – يوم العار التاريخي – امتدت يد قائد الانقلاب إلى آلاف المصريين ، قتلهم وأصابهم عمدا مع سبق الإصرار والترصد بالرصاص الحي والغاز السام والحرق المتعمد ، وكذب مقولته عن الأسد الذي لا يأكل أبناءه ، فقد أكلهم ولم يكتف بذلك بل أحرق جثثهم أو ما تبقى منها .

قائد الانقلاب الدموي الذي يحكم مصر عنوة بالحديد والنار أصيب بسعار القتل وجنون الإبادة ، بعد أن جرّبه في النهضة وأمام الحرس الجمهوري وضحاياه يركعون ويسجدون لرب العالمين وعند المنصة وفي شارع رمسيس وفي المنصورة وعند مسجد القائد إبراهيم .. لم يحاسبه أحد ، وصمتت أميركا والاتحاد الأوربي والدول  التابعة لهما ، وهؤلاء في العادة يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يقتل شيوعي أو علماني أو طائفي واحد في تركيا أو إيران أو تونس ، ولكن عندما يقتل مئات المسلمين فالأمر لا يمثل معضلة ولا مشكلة .

صباح يوم العار جاء القاتل بجنوده ومدرعاته وطائراته وقنابله وقناصته الذين اعتلوا أسطح العمارات والمباني الحكومية وغيرها ووجهوا رصاصهم الحي إلى الرءوس والأعناق والصدور ، لأن الفرعون الجديد لايريد فض اعتصام سلمي ، ولكنه يريد قتل رجال يحملون رسالة الحرية نيابة عن الشعب المصري ويرفضون حكم الديكتاتورية .الفرعون يترك الحدود مفتوحة أمام العدو الصهيوني ليدخل بطائراته التي يقودها طيارون أو التي تطير بدون طيار لتدخل على سيناء وتقصف المصريين وتقتلهم ، ثم يخرج المتحدث العسكري المصري بعد يوم أو أكثر ليحمل هو جرم قتل المصريين الرافضين للانقلاب الذين يسميهم بالإرهابيين !

قتل المصريين بيد الجيش المصري والشرطة المصرية تحول إلى حرب إبادة تجردت من الأخلاق والإنسانية لدرجة إحراق المستشفي الميداني بمن فيه من الجرحى والمصابين والقتلى والأطباء وإحراق مخزن الأدوية وأترك ياسر وجدى ليحكي اللحظات التي انتصر فيها الجيش المصري على الشعب المصري وتدميره :

" اتصلت علي أخ من مسؤلي أمن ميدان رابعة لأطمئن عليه، فوجدته مصابا عدة إصابات .. بعد الاطمئنان عليه سألته سؤالا أعتقد أنه دار في كل الرءوس :

- كيف استطعتم الصمود فترة تجاوزت عشر ساعات ثم اقتحموا الميدان في دقائق بسيطة في النهاية؟!!

فقال لي بالنص:

- إخوانك استمروا في الدفاع عن المداخل لمسافة أكثر من اثنين كيلو .. وكان ضباط الشرطة عند قسم مدينة نصر واستمرت المقاومة بالصدور العارية لفترة ست ساعات حتي نفذت ذخيرة الشرطة .. فجاءت قوات من الجيش لإمداد الشرطة بالذخائر وظل الأبطال يدافعون ويقفون حائط سد يمنع وصول الذخائر .. فبدأ الجيش يضرب بشكل هيستيري فتراجع الإخوة قليلا فمرت السيارات التابعة للجيش وبها الذخائر .. بعدها فوجئوا برصاص يضرب عليهم لا تستخدمة الشرطة .. الرصاص الذي يستقر في مكان الهدف ثم ينفجر .. وبدأ طيران الشرطة يلقي عليهم قنابل حارقة طالت المستشفي الميداني .. وغازات سامة مثيرة للأعصاب ..

وحينما قلت له دخلوا ازاي؟

رد علي برد أبكاني وقال: والله لم يدخلوا إلا حينما قتلوا إخوانك المكلفين بالأمن جميعا ولم يتبق إلا عشرات .. فقلنا نتجمع وننقذ من في المستشفي الميداني فقتل أغلب من أسرع للمستشفي .. وكانت الجرافات والقوات قد وصلت للمستشفي ..

انهرت حينما قال لي:

مازلت أسمع صراخ الجرحي الأحياء وهم يتألمون من النار التي أذابت لحومهم .. ولم يكتفوا بذلك بل أحرقوا الجثث التي كانت بداخل مسجد رابعة وحرق المسجد بالكامل ..

أقسم بالله طالما لدينا شباب قاوم الهجوم برا وجوا وقناصة وقنابل حارقة وغازا ساما .. فهؤلاء هم خير أجناد الارض وسينصر الله دينه ..تحية إجلال وتقدير لشهدائنا العظام الذين كتب لهم الله الشهادة والنعيم المقيم وكتب لقاتلهم ومن فوضة غما وهما في الدنيا وعذابا مقيما وخلودا في جهنم يوم الفصل ، وتحية لمن تكلمت معه اليوم ودعواتكم له بالشفاء .. فقد كان حزينا لعدم استشهاده !!".

ومع أن قنوات العالم وصحفه ومواقعه كانت تنقل تفاصيل الإبادة الوحشية لحظة بلحظة ، فقد آثر الإعلام المصري الداعر والصحفيون والكتاب المتعهرون أن يكذبوا كل ما يحدث ، وأن يشيروا إلى قتلى قوات الأمن دون أن يتحدثوا عن مئات القتلى وآلاف المصابين من أبناء الشعب ، ثم يتهمون الإخوان بقتلهم مع أنهم يعلمون جيدا أن الإخوان لايملكون أدوات للقتل كما كشفت عملية الإبادة ، وأن قتل رجال الأمن كان بفعل قادتهم الدمويين الذين أمروهم بالقتل فرفضوا أن يقتلوا إخوتهم وآباءهم وشعبهم .

لقد بات المصريون بأكفانهم – كما قال أردوغان - لانهم طالبوا بحقوقهم واستقبلوا الرصاص بابتسامة بعد أن تخلى عنهم إعلام العهر والدعارة ، وقد استنكر المستشار أحمد مكي، وزير العدل السابق، ما حدث مع المعتصمين أثناء فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة, مؤكدًا أنه شيء مخالف لكل قيم الإنسانية ومخالف لتاريخ الجيش المصري. وأكد عبر مداخلة تلفزيونية أن جيش مصر ترك الحرب مع العدو وبقي ليقتل في شعبه, مستشهدًا بمقولة الرئيس الراحل أنور السادات "أن 1973 أخر الحروب مع إسرائيل". وقد أفردت الصحف الغربية صفحاتها للتحدث عن مجازر الجيش والشرطة؛ حيث نشرت صحيفة «إندبندنت» خبرًا على صفحتها الأولى بعنوان «يوم العار في مصر»، أما «الجارديان» فاختارت عنوان «المداهمة الدموية في مصر»، وصدرت صحيفة «تايمز» بعنوان «مقتل المئات من المصريين في يوم المذبحة ». في المقابل كانت هناك شماتة واضحة من ماسحي البيادة الشيوعيين والناصريين والليبراليين فقد قال أحدهم يبرر القتل والمجازر والطوارئ : إن الضرورات تبيح المحظورات .وإن الشعب المصري.. انتصر انتصارًا عظيمًا ، وأسقط حكم مكتب الإرشاد وأسقط الدولة المتأسلمة !وهذا أمر متوقع من خدام البيادة وأعداء الإسلام ، ورحم الله المتنبي حين قال :

وَمــا أَدري إذا داءٌ حَـديثٌ           أَصـابَ الناسَ أَم داءٌ قَديمُ

حَصَلتُ بِأَرضِ مِصرَ عَلى عَبيدٍ       كَأَنَّ الحُـــرَّ  بَينَهُمُ  يَتيمُ

إن قتل الشعب المصري لن يزيده إلا إصرارا على نيل حريته واستعادة الشرعية والديمقراطية . ويا أهلنا المكلومين في مصر : ادفنوا شهداءكم وانهضوا !