هدية جزائري لإخوانه العراقيين

معمر حبار

[email protected]

في هدوء تام استمده من وقارشيبته، وبفصاحة لسان عربي مبين، استلهمه من أبيه عميد الأدب العربي، وشيخ البلغاء في عصره، الإمام البشير الابراهيمي، رحمة الله عليه، وبأناقة ملفتة للنظر، في الملبس وهيئة الجلوس، ورغم أن وزير الخارجية الجزائرية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، في الـ 81 من عمره، إلا أنه يستحضر العقود الثمانية ، ويستنطق الزمن، ويضعه بين يديك، كأنك تجالسه وتراه .. 

فهو عندما يتأكد جيدا من الحادثة، يكررمقولته .. أشهد على ذلك. وحين لايعرف الدواعي والأسباب، يقول .. الله أعلم. وحين يعاكسه الصحفي ، يقول له .. هذا رأيك.

وفي آخر حلقة مسجلة، من الحلقات المخصصة، لوزير الخارجية الجزائري الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، والتي بثّت اليوم بتاريخ: الأحد: 19 رمضان 1434هجري، الموافق لـ 28 جويلية 2013 .. قال  أنه لأول مرة يذكر هذا الخبر، وجاء فيه ..

أثناء الحرب العراقية الايرانية، أرسلت الجزائر، وزير الخارجية يومها، محمد الصديق بن يحي، رحمة الله عليه، ليساهم في التخفيف من حدّة النزاع بين الدولتين، خاصة وأن الصلح الذي انعقد بين شاه إيران، والرئيس صدام حسين، تمّ في أرض الجزائر، وبإشراف جزائري .. لكن تشاء الأقدار، أن تصاب طائرة وزير الخارجية الجزائري، محمد الصديق بن يحي ، بصاروخ فتنفجر في الجو، ويقتل الوزير ومن معه، وكان ذلك سنة 1982.

وعلى الفور أشرفت الجزائر على إجراء التحقيق، فتبين أن الصاروخ الذي أصاب طائرة الوزير الجزائري ، هو صاروخ عراقي، لأن قطعة من الصاروخ، علقت بالطائرة المحطمة، والقطعة تحمل الرقم التسلسلي .. وحين أخذت القطعة إلى روسيا، قال الروس للجزائريين، هي فعلا صاروخ روسي، بيع للعراق.

يقول وزير الخارجية، أحمد طالب الإبراهيمي .. أثناء لقائي مع الرئيس صدام حسين، أطلعته على نتائج التحقيق، المتضمنة إصابة طائرة الوزير، بصاروخ عراقي، من صنع روسي .. حينها لم يجد الرئيس صدام أية إجابة، سوى قوله .. إن الأسلحة المتطورة، إذا سقطت في يد من لايحسن استخدامها، يحدث الذي حدث، ثم أضاف قائلا .. إني أعوّل كثيرا على الحسّ العربي، للرئيس الشاذلي بن جديد.

وحين نقلت أقوال الرئيس العراقي صدام حسين، إلى الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، طالب أن لاتنشر نتائج التحقيق، وأن لايذكر للشعب الجزائري، أن صاروخا عراقيا، هو الذي فجّر الطائرة، وكان سببا في قتل وزير خارجيتها، والوفد المرافق له.

وبقيت نتائج التحقيق طي الكتمان، حفاظا على الأخوة بين الجزائر والعراق، إلى أن ذكرها أحمد طالب الابراهيمي في الحصة المذكورة.

إن هذه الواقعة، تبين حكمة الرئيس الجزائري السابق، الشاذلي بن جديد، رحمة الله عليه، في إدارة ملفات خطيرة وشائكة، كتلك التي ذكرها أحمد طالب الابراهيمي .. فرحمة الله على صاحب المشية، والقامة.