ماذا أرادت أشتون من زيارة القاهرة؟

ماذا أرادت أشتون من زيارة القاهرة؟

أحمد السباعي

زيارات استطلاعية أميركية وأوروبية إلى مصر لاستكشاف المشهد السياسي الذي طرأت عليه تغيرات جذرية منذ مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي التي غيرت وجه الحكم والحكومة في 'بلاد النيل'، فبعد وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي جاء دور أوروبا لتدلي بما لديها وتبحث عن مخارج قد تعين في حل الأزمة.

مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون وعلى عكس المسؤول الأميركي، أرادت الإيحاء بأنها على مسافة واحدة من الجميع بلقائها السلطة الجديدة ووفدا يمثل جماعة الإخوان المسلمين ضم أيضا رئيس الوزراء السابق هشام قنديل.

وذهبت أشتون أكثر من ذلك بدعوتها للإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي والسياسيين الآخرين المعتقلين، وإبداء رغبتها في لقاء مرسي لكنها لم تتمكن من ذلك.

استطلاع الآراء

كواليس اللقاء بين الوفد الإخواني والمسؤولة الأوروبية يكشفها عمرو دراج وزير التخطيط والتعاون الدولي والقيادي في حزب الحرية والعدالة وأحد أعضاء الوفد الذي قابل أشتون، ويقول للجزيرة نت إن اللقاء جاء بناء على طلبها، والغرض وفقا لما قالته 'استطلاع آراء جميع الأطراف بمصر'.

وأضاف أن أشتون استمعت 'للسلطة المؤقتة ولقادة الانقلاب والمسؤولين الأخرين'، وأوضح أن 'التحالف الوطني لدعم الشرعية' شكل وفدا ضم -إضافة إليه هو وقنديل- القيادي في حزب الحرية والعدالة محمد بشر، لشرح وجهة نظر 'داعمي الشرعية ورافضي الانقلاب عليها'.

وأوضح الوزير السابق أن أوروبا تعتبر ما جرى 'ردة على الديمقراطية' لكنها لا تصفه بالانقلاب، وتابع أن أشتون قالت إنها لن تستخدم أي مصطلحات كي تُبقي هامش المناورة لديها وقدرتها على الكلام مع جميع الأطراف، ورأى أن الوقائع تُظهر أن أوروبا تتعامل مع السلطة الجديدة كمسؤولين عن الدولة.

وشرح أن أشتون 'لا تمسك العصا من المنتصف، بل تميل بنحو الثلثين إلى السلطة الجديدة وتبقي ثلثا للتواصل معنا'، وأضاف أنها أرادت إخبارهم بأنها تتفهم موقفهم ورأيهم في ما حدث، لكن هناك سلطة أمر واقع يجب أن تتعامل معها.

وأبلغت المسؤولة الأوروبية الوفد -حسب دراج- بأنها حاولت لقاء مرسي والاطمئنان عليه ولم يلب طلبها، وخلص إلى أن أوروبا تفاجأت بردة الفعل المؤيدة لمرسي والمدة الزمنية للتحركات الشعبية الرافضة 'للانقلاب' والتي تجاوزت أسبوعين، ولهذا فهم يحاولون فهم ما يجري عن كثب وقدرة المتظاهرين على الاستمرار.

وختم بأن الوفد أبلغ أشتون بأن هناك ملايين خرجت ضد مرسي وأخرى معه، لكن المشكلة تتمثل في 'الانقلاب على الشرعية بالاستعانة بالعسكر وما ترتب عليه من اعتقالات وملاحقات ومذابح'، وكان جواب أشتون أنه من الصعب جدا 'الاستجابة لجميع مطالب الناس والمتظاهرين'.

مصالح أوروبا

على الجهة المقابلة وضع القيادي في حزب الوفد عصام شيحة زيارة أشتون في إطار اهتمام الاتحاد الأوروبي -الذي تربطه علاقات وثيقة بالقاهرة ويدعم اقتصادها في هذه المرحلة- بما يجري في دولة محورية في المنطقة، لأن المتغيرات السياسية التي حدثت بمصر تؤثر في العالم كله.

واعتبر شيحة في حديث للجزيرة نت أن الموقف الأوروبي تغير كثيرا عن اللحظات الأولى 'لثورة 30 يونيو'، فكان الموقف في البداية مترددا وضبابيا، لكن مع مرور الأيام بدا أن الاتحاد الأوروبي يدعم الإرادة الشعبية ويدعم التطور الديمقراطي في البلاد، وفق رأيه.

وتابع أن أوروبا تخطت 'مرحلة إمساك العصا من المنتصف وأصبحت مع إرادة الشعب'، وأبدى تفهمه للقاء أشتون مع وفد الإخوان المسلمين من باب أنه 'كان هناك نظام سابق' خلفه فصيل سياسي وشعبي مؤثر، وهذا اللقاء طبيعي لتتشاور مع جميع الأطراف السياسية.

وأشار شيحة إلى أن الاتحاد يتعامل مع مصر من مبدأ مصالحه، وهذه المصالح في هذه الفترة تفرض عليه التعامل مع الحكومة الجديدة، وقال إن أشتون تعلم أنها حتى لو طلبت مقابلة مرسي بشكل رسمي فهناك محاذير تحول دون مقابلته، 'لأن هناك تخوفا لدى السلطة على سلامة مرسي، ولهذا ترفض الإدارة الجديدة للبلاد أن يقابل أي مسؤول الرئيس المعزول'.

وخلص القيادي الوفدي إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بين سياسات الولايات المتحدة وأوروبا في مصر والشرق الأوسط، وتحدث عن موقف ألمانيا الذي تغير مع تغير موقف واشنطن من الأحداث، وهذا التغيير الجذري في المواقف ظهر واضحا في أن أوروبا وأميركا تتعاملان مع النظام الجديد، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار رفضهما لإقصاء وتهميش التيار الإسلامي، وفقا لشيحة.

مرتبك ومنقسم

الموقف الأوروبي من توصيف أحداث مصر 'مرتبك ومنقسم' حسب الباحث والأكاديمي الدكتور خطار أبو دياب، وشرح هذا الإرباك بالقول إن ألمانيا التي كانت من أوائل الداعين لإطلاق سراح مرسي لم تدعم هذه الدعوة بخطوات عملية أو تصريحات كما فعلت أنقرة مثلا، وهذا يدل على تناغم كبير مع واشنطن لعدم استخدام كلمة 'انقلاب'.

واعتبر اجتماع أشتون مع الحكم الجديد في مصر ووفد جماعة الإخوان المسلمين دليل على وساطة أوروبية لتسوية المسألة، وتحدث عن وساطة كانت تقوم بها أوروبا في مارس/آذار الماضي مع تيار داخل الجماعة وذراعها السياسي وافق عليها رئيس حزب الحرية والعدالة ومجلس الشعب السابق سعد الكتاتني، لكن مرسي رفض تغيير حكومة قنديل أو فكرة إجراء انتخابات مبكرة لطمأنه الأطراف السياسية، بحسب قوله.

ورأى الأكاديمي المقيم في باريس أن أوروبا لا تتحرك في الساحة المصرية دون التنسيق مع واشنطن نظرا لعلاقة الأخيرة مع القاهرة منذ اتفاقية كامب ديفد، ونقل مخاوف الأوساط الرسمية الأوروبية من تكرار السيناريو الجزائري في مصر وتصاعد وتيرة العنف وعدم وجود مخارج للأزمة مع تمسك كل طرف بموقفه.

ولفت إلى حديث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في تونس حيث قال إنه يعلق الآمال على ما تبقى من الربيع العربي، في إشارة إلى تونس ولم يتكلم عن مصر، وتحذير هولاند من تعطيل المسار الديمقراطي. ويشير أبو دياب إلى أن التغيير الأخير أو 'الانقلاب الناعم' يؤدي إلى نفس المعنى، وهو أن ما حصل في مصر 'انقلاب'.

وشكك أبو دياب في مصداقية طلب أشتون لقاء مرسي، لكنه رأى أنها طالبت بالإفراج عنه، لافتا إلى أن جواب العسكر كان واضحا برفض السماح لأي طرف لرؤية مرسي وترك هذا الموضوع للتسوية والحل النهائي.