من مقصلة السابع إلى فخ السادس
كاظم فنجان الحمامي
تلقى الناس في العراق خبر خروجهم من مقصلة الحقد السابع بفتور وبرود وبلا اكتراث, وكأن الأمر لا يعنيهم لا من بعيد ولا من قريب, على الرغم من تحملهم ضراوة تلك المقصلة وويلاتها قرابة ربع قرن, وعلى الرغم من تعامل المجتمع الدولي معهم بصيغة القهر والإذعان والإرغام القسري, كبلد مسلوب الإرادة, مجبر على قبول شروط قوات التحالف وشروط مجلس الأمن, الذي أصدر مؤخرا قراره (2107) بتطبيق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة, بدلا من الفصل السابع الذي أوقف نمو البلاد, وتسبب في تجويع العباد للمدة من عام 1990 إلى عام 2013. .
لكننا وقبل الخوض في تفاصيل هذا التحول الباهت لابد لنا من الإشارة إلى تطبيقات (فخ) الفصل السادس, والتي سنرى أنها لا تختلف كثيرا عن الإفراج المشروط بالمراقبة, الذي تمنحه بعض المحاكم الجزائية للمذنبين المدانين, فمثل هذا النوع من الإفراج يعطي الفرصة للإفراد لإثبات حسن سلوكهم وعدم عودتهم ثانية لارتكاب الجرائم في المستقبل, وهكذا فإن عودتنا إلى الفصل السابع مرهونة بمزاج الحكومة الكويتية ومتوقفة على قناعتها, فمجرد تقدمها بأي شكوى ضدنا تزعم فيها عدم التزامنا بشروط البند السادس, أو تدعي فيها تأخرنا عن دفع ما تبقى بذمتنا من تعويضات, أو عند وقوع أي احتكاك أو مشادات كلامية مع أصحاب زوارق الصيد في خور عبد الله, أو حتى عند قيامنا بمطالبة الكويت بتعويضات حدودية أو حربية أو معنوية, أو عند قيام بعض الكيانات السياسية العراقية بإطلاق أي تصريح قد يستفز الكويت أو يزعجها أو يغضبها, فإننا سنعود القهقرى ثانية لنقع من جديد تحت مقصلة البند السابع, وقد ندخل في مرحلة صعبة من مراحل التعسف الدولي, أو ربما نتلقى صفعة أخرى من صفعات الإفراط في ممارسة الحقوق الشرعية المحسومة دائما وأبداً لصالح الكويت على حساب مصالحنا الوطنية والسيادية. .
وهذا ما أكد عليه وزير إعلام الكويت الشيخ سلمان الحمود الصباح بقوله: ((أن العراق لم يزل رهيناً للبند السابع)) مشيراً إلى وجود آلية معقدة تشرف عليها الأمم المتحدة لمتابعة المسائل العالقة بين البلدين. .
ربما تتساءلون عن مغزى السخاء الكويتي المتأخر, الذي جاء بعد مرور عشر سنوات من احتلال العراق, وتتساءلون عن سر هذا الكرم الذي جاء بعد مرور ربع قرن تقريبا على غزو الكويت, فيأتيكم الجواب واضحاً صريحاً من خور عبد الله, فالاتفاقيات الحدودية الثنائية المبرمة بين البلدين (العراق والكويت) لن تكون مقبولة عرفاً وشرعاً على الصعيد الدولي والإقليمي ما لم يتحرر العراق من قيود البند السابع, على اعتبار أنها تعاملت معه بصيغة الإذعان, لذا فان الاعترافات التي أبداها وسيبديها العراق على خلفية القرار (833), الذي رفضه العراق مرارا وتكرارا, لن تكون مطمئنة بالنسبة للكويت ما لم يكن العراق ممتلكا لإرادته الدولية المتحررة من كل القيود والضغوط, ما يعني أن إبرام الاتفاقيات الملاحية الثنائية مع الكويت هو الاعتراف الحكومي العراقي بعينه, وهو الإقرار الرسمي بما استحوذت عليه الكويت من مسطحات مائية عراقية, ويعني أن قرار ترسيم الحدود بمعاول مجلس الأمن صار بالنسبة لها الآن (صك مصوكر), ويعني أيضا أننا لا يحق لنا بعد الآن أن نطالب المجتمع الدولي بإعادة ترسيم الحدود البحرية أو البرية, ولا يحق لنا أن ندعي بعد الآن أن الحدود التي فرضها علينا مجلس الأمن كانت قسرية, وكانت تعسفية وظالمة وقاهرة, ولا نستطيع أن نقول بعد الآن إنها كانت تتناقض مع أبسط الأعراف السائدة بين البلدان المتشاطئة. .
وبالتالي فان الحدود البحرية المرسومة بين العراق والكويت بموجب القرار الظالم (833), والتي رفضها الخبير الدولي مختار كوسومو ادماتجا لقناعته المطلقة ببطلانها, اعترف بها العراق الآن بمحض إرادته, من دون أن يتعرض للابتزاز الدولي, ومن دون أن يتعرض للضغوط, فسارع لإبرام الاتفاقيات الثنائية مع الكويت, والتي تعد صورة قانونية مشروعة ومقبولة من صور الاعتراف بمكتسبات السالب على حساب المسلوب. .
وهكذا لم تعد الكويت تشعر بعد الآن بأي قلق من رسائل الرفض التي قدمتها الخارجية العراقية في التسعينيات, والتي بينت فيها بطلان القرارات الظالمة التي تشكل بمجموعها إجحافا بحق الشعب العراقي في الحياة, وإنكاراً صارخاً لحقوقه الثابتة في السيادة والاستقلال والإرادة الحرة. .
يرى المحللون السياسيون أن انتقالنا من مقصلة الحقد السابع إلى مطبات الفخ السادس ربما تعد خطوة مريبة يراد منها انتزاع الاعتراف الرسمي بالجنين المسخ الذي حملت به الكويت سِفاحاً في حفر الباطن قبل عقدين من الزمان على يد قوات التحالف والقابلات العربيات غير المأذونات المتحالفات معها. . .
والله يستر من الجايات